الأبنودي يتذكّر ويروي حكايات البدايات 23: إفترشت الأرض مع بليغ حمدي وعبد الحليم لأكتب الهوى هواي و أحضان الحبايب

نشر في 09-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 09-10-2007 | 00:00

هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول الأبنودي المزدحم بين سفر وسفر، من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية.

في البداية لم يبد الأبنودي متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات، كأنك تولد كل يوم مرة أخرى، أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب، أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق، أول ديوان، أول جائزة، أول سفر، أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها.

وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»، أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال، كالنيل الذي كان يفيض هناك في أبنود قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة».

مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها.

يذكر الأبنودي أنه قال لصلاح جاهين، في لحظة «زهق»، ألم يكن من الأفضل أن نكتب الأغاني العاطفية بدلا من أغانينا الوطنية التي لم نجن من ورائها إلا المتاعب فقال جاهين: «مؤلفو الأغاني العاطفية ربحوا المال ونحن ربحنا الوطن».

يقول الأبنودي: «مرة قلت لعبد الحليم حافظ: ألا يزعجك أني كتبت لك كل هذه الأغاني الوطنية وأنك لم تفكر في أن الأغنية هي مصدر رزقي الوحيد؟ ألم يزعجك أنني أعمل معك منذ ستة أشهر متصلة من دون أجر؟ «فرد بمكر: سمعتك وأنت تقول في الراديو إن المطرب بالنسبة إليك ليس أكثر من جريدة تنشر قصيدتك على صفحاتها، وها نحن نشرنا لك قصائدك في «جريدة عبد الحليم» أوسع الصحف العربية انتشارا، وأظن أن الواجب أن تدفع أنت لي!

ولم يدفع عبد الحليم ـ ولا أنا طبعاً ـ ولم أفاتحه مرة أخرى فقد كنا نغني للوطن من قلوبنا!».

يوضح الأبنودي: «كتبت لعبد الحليم 15 أغنية وطنية و3 أغانٍ عاطفية وكان يقول إن الأبنودي قدم لي الأغاني العاطفية (رشوة) لأغني أغانيه الوطنية! لم يتقاض عبد الحليم أجرا عن أغانيه الوطنية. كان يمولها من دخل الأغاني العاطفية مع أنه كان يحشد للوطنية من موسيقيين وكورال أضعاف ما كان يتيحه لأغانيه العاطفية، متحملاً نفقات هذا الحشد وأجوره من جيبه الخاص. وعندما تقاضى أجراً عن غناء «المسيح» في «ألبرت هول» بلندن، كان تبرع بالأجر مسبقاً للمجهود الحربي، تبرّع به لإعادة بناء الجيش بعد نكسة 1967.

ويؤكد الأبنودي أن عبد الحليم لم يكن مجرد مطرب - حتى لو قلنا إنه أفضل المطربين - لكنه كان مواطنا مخلصاً نقش تاريخ الأمة في الفترة التي عاشها على قلوبنا وعقولنا، أو أتاح لنا - نحن الشعب - أن ننقش هذا التاريخ على حنجرته الذهبية، لتكون المحصلة غناء نبيلاً يمكن أن ترصد من خلاله أحلام الأمة ما تحقق منها وما أحبط، ومحاولاتها التي نجحت والتي أخفقت أيضا. ولم تكن موهبته في حنجرته فحسب، لكنه تمتع أيضاً بلياقة عقلية ووجدانية رائعة، تمتع برؤية ووعي جعله قادراً على تحديد خياراته والدفاع عنها.

إختطاف!

أستوضحُ الأبنودي: قلت الكثير عن عبد الحليم، لكنك لم تذكر كيف بدأت علاقتك به وكيف التقيت «العندليب» وأنت أحد أضلاع ما عرف في الستينات بـ«مثلث الحلم» في الأغنية، ذلك المثلث الذي كان ضلعاه الآخران بليغ حمدي ومحمد رشدي، كنتم تحملون مشروعا تجديديا أو «ثوريا» - والوصف من عندي -يخرج بالأغنية من الصالونات إلى الشارع والناس، إلى الحقول والمصانع؟

ويجيبني الأبنودي: «أولاً لا بد من التأكيد على أن عبد الحليم كان ركنا أساسيا في تجديد الأغنية، بل كان طليعته مذ غنى «بدلتي الزرقا» للعامل البسيط الحالم بمستقبل يصنعه. عبد الحليم هو المطرب الذي انفرد بتأريخ ثورة 1952، بنى السد العالي مع من بنوه وقاتل مع المقاومة الشعبية عام 1956 وخاض مع الجيش معركته عام 1967 وأقسم بعد النكسة أن يبدأ كل حفلاته بأغنيته «أحلف بسماها وبترابها» إلى أن تتحرر الأرض ووفى بقسمه. عبد الحليم لم يكن فحسب مطرباً عاطفياً موهوباً يملك صوتا لا نظير له، ولم يكن ذلك «الدون جوان» الذي خرجوا علينا في التلفزيون وفي بعض الصحف بمغامراته العاطفية وحكايات عن زواجه وطلاقه السري. رافقته ليل نهار لخمس سنوات طويلة ولم ألاحظ خلالها شيئا من كل هذه الادعاءات. عبد الحليم هو الصديق الذي لم يتوقف عن مساندتي وأنا في المعتقل».

يضيف الأبنودي: «طبعا كنت أسمع أغاني عبد الحليم وأنا في أبنود. كنت معجبا به وعلقت صورته التي رسمها صديقي محمد حسن في بيتنا. وعندما جئت إلى القاهرة وقدمت أغانيَّ ذات الطابع الشعبي كان عبد الحليم نجم الأغنية بلا منازع، وذات يوم كنت مع بليغ حمدي نسجل في الاستوديو عندما دخل علينا رجلان وسألني أحدهما: حضرتك الأستاذ الأبنودي؟، قلت: «نعم». قال: «طيب عاوزينك في الخارج خمس دقائق»، أنا قلت دول ضباط مباحث، لأن هذا هو سلوك ضباط المباحث المعتاد، يقولوا لك: «أنت فلان»، وبعدين: عاوزينك خمس دقائق فقلت إنهم ضباط مباحث جاؤوا للقبض علي ولم يسمعني بليغ لأن لوح زجاج كان يفصل بيننا.

يمضي الأبنودي مستحضراً الذكريات: «رأيت بليغ من وراء الزجاج وهو متكور على نفسه واعتقدت أنه يبكي، بينما هو في الحقيقة يضحك، لأنه كان يعرف الرجلين ورأى الموقف ففهم اللبس الذي وقعت فيه. كان قصيرا وكان إذا ضحك أو بكى يتكور على نفسه وخرجت معهما وأنا أعرف أنني كمن يرمي نفسه في البحر! وفي الخارج كانت سيارة في انتظارنا. ركب فيها أحد الرجلين إلى جوار السائق وركب الثاني إلى جواري على المقعد الخلفي وطول الطريق لم يتفوها بكلمة واحدة! من ناحيتي، لم أسألهما، مع أنني لاحظت أن السيارة لا تسير في اتجاه وزارة الداخلية. وقفنا عند عمارة في الزمالك، أمامها كشك حراسة - لم أكن أعرف أنه موجود لحراسة مقرّ إحدى السفارات - ودخلنا شقة فتح لنا بابها شاب نوبي أسمر في ملابس «سفرجي»: جلباب أبيض وحزام أحمر عريض وطربوش أحمر! رأيت شابا نحيلا وقصيرا يجلس إلى جوار الشباك ووجدته يتجه نحوي فاتحا ذراعيه وقائلاً عبد الرحمن، فدفعته بعيدا عني وقلت له - بين التصديق والتكذيب -: أنت مين؟ أنت عبد الحليم؟ فقال: «أيوه! فلم أشعر بنفسي ورحت أطارد «المخبرين» المزعومين اللذين أدركت ساعتئذٍ أنهما من رجاله، وكان هو يضحك من قلبه وينادي عليَّ: «تعال يا مجنون» وأنا أشتم وأصيح: «أولاد ال... نشفوا دمي، اتفضل معانا»، وطول الطريق ولا كلمة واحدة. وهكذا بدأ اللقاء الأول مع عبد الحليم.

عبد الحليم يسدد دينه!

يقول الأبنودي: «كان عيد الثورة على الأبواب، وصلاح جاهين مسافر الى أمريكا وأراد عبد الحليم أن أحل محل صلاح وأكتب له الأغنية التي كان يقدمها سنويا في هذه المناسبة، لكنني رفضت، قلت له: «صلاح جاهين صديقي، وأنا لست «يولياوياً» -نسبة إلى يوليو - ولا شك في أنه فوجىء برد فعلي واحترمه». وفي تلك السنة، 1965، قدم عبد الحليم وصلاح أغنية جديدة كالعادة. قلت لعبد الحليم إنه مدين لي بأغنية من أيام حرب 1956 ألتي لم يتح لي أن أشارك فيها لا بالقتال ولا بالغناء وقرأت عليه أغنية «الفنارة» فرحب بغنائها، واقترحت عبد العظيم محمد -الذي لم يكن تعاون معه من قبل - لتلحينها فوافق. كانت «الفنارة» بداية مشواري مع عبد الحليم، وبعدها مباشرة كتبت له «أنا كل ما أقول التوبة يابوي»، واحدة من ثلاث أغانٍ عاطفية كتبتها له».

يتذكر الأبنودي: «ثانية الأغاني العاطفية التي كتبتها لعبد الحليم كانت «الهوى هوايا». كان بليغ حمدي عائدا من لبنان وهو يدندن جملة موسيقية، وسألني عبد الحليم: تفتكر الموسيقى دي ممكن نقول عليها إيه؟ فقلت له: ممكن نقول: كان في نفسي، الود ودي، الهوى هوايَّ.. هنا استوقفني عبد الحليم وراح يردد «الهوى هوايَّ» مبدياً إعجابه بها وافترش ثلاثتنا - أنا وهو وبليغ - الأرض في شقته ورحت أكتب وهو يقرأ أولا بأول. طبعا اللحن كان معدا بالفعل ولهذا كتبت كل «كوبليهات» الأغنية على وزن واحد مناسب للجملة الموسيقية التي سمعتها من بليغ. وكان عبد الحليم يستفزني أثناء الكتابة لأخرج أفضل ما عندي بتعليقات تشير إلى أنه لا يجد الأبنودي في ما كتبت، إلى غير ذلك، وكتبت 40 مقطعاً اختار منها عبد الحليم في النهاية 8 فقط، ومازحني قائلاً: «أصبح لدينا الآن ثلاث أو أربع أغانٍ من تأليفك ويمكن الاستغناء عنك!»».

يضيف الأبنودي: «بعدها كنت - وأصدقاء آخرين - مع عبد الحليم في بيته وأثناء نقاش عن كلمات الأغنية قلت لهم إن بإمكاني كتابة أغنية من النوع الذي يبدون إعجابهم الشديد به وأنا أشرب فنجان قهوة. ودخل عبد الحليم الرهان معي، كان يحترم قدراتي ويعرف أنه الرابح في أي حال. وللتوّ أغنية «أحضان الحبايب» التي لحنها محمد الموجي، وتجاوزت شهرتها وجماهيريتها كل حد مع أنها لم تغن في حفل!».

الأغنية الآن بضاعة

يسرد الأبنودي المزيد من تلك الحقبة: «تواصلت المسيرة مع عبد الحليم ولم تنقطع صلتنا حتى وأنا خارج مصر وكان له دور كبير في إقناعي بالعودة. كان عبد الحليم المعادل الغنائي لحقبة ثورة يوليو، لذا فإن الحنين إليه يجسد الحنين إلى ذاك الزمن الذي يبدو كالحلم زمن عبد الحليم‏.‏ كان عبد الحليم يملك القدرة على التلحين ومع ذلك لم يلحن لأنه يعرف أن «الإبداع» مساحة أخرى تتجاوز القدرة والدراسة. كان شديد الذكاء واستطاع إقناع الجميع بالعمل في إطار مشروعه. وعندما تتأمل الألحان التي قدمها اليه بليغ والطويل والموجي تكتشف أنها طبعت بطابعه».

يضيف‏:‏ «هناك أصوات جيدة كثيرة، لكنها لا تلخص زمنا وتجربة، بل يستثمرها أصحابها باعتبارها بضاعة في سوق استهلاكية، وهو ما لم يفعله عبد الحليم أبدا، لذا استحق مكانته التي احتلها في وجدان الناس. لم يكن ممكنا أن نسمع هذه الأغاني الرائعة التي أصبحت جزءا من الوجدان العربي لولا وجود مطرب في حجم عبد الحليم ووعيه. هناك نصوص أقرب إلى الشعر أفلتت إلى عالم الأغنية، «موال النهار» و«المسيح» مثلاً ما كانتا لتقدما لولا أن عبد الحليم حافظ كان يملك الوعي والسلطة. وكثير من الأغاني المماثلة سوف تجد وراءها شخصيات موسيقية مستنيرة أمثال كمال الطويل أو سيد مكاوي في تجربة «المسحراتى»، فهل يمكن أن تتخيل خروج مسحراتي فؤاد حداد بملحن متخلف؟ لولا أن سيد مكاوي كان يجيد قراءة أشعار فؤاد حداد الصعبة وغير المألوفة ما كان لهذه التجربة أن تتم».

يتابع الأبنودي: «هناك فترات سياسية ومناسبات قومية، هزيمة أو انتصاراً، أتيح لنا أن نعلو فيها بنصوصنا مستغلين «عين الدولة المكسورة» وهناك مناخات ـ في الستينات تحديداً ـ أتاحت لنا أن نتسلل بالشعر إلى نصوص الأغنية حين كانت أجهزة الإعلام تتيح لنا مساحة أوسع من الحرية التي كنا نتجاوزها بنضالات خفية لنحقق ما حققنا، أما حين عادت الأغنية لتصبح سلعة في السوق، مثل اللبان والسجائر والمياه الغازية، فإنك تجدنا بعيدين جداً عن الصراع في هذا المضمار.

المموِّل الآن يؤدي الدور الرئيسي في الأغنية مستبقاً النص واللحن والصوت ساعياً إلى الربح حتى لو دمر الذوق العام. والأغنية فن قابل للتوجيه والإدارة والتوظيف وشرفك ووعيك فحسب يحددان أين أنت من هذا الفن الخطير المؤثر الخفيف الطيار الذي يلاحقك أينما ذهبت.

شدو يملأ الدنيا

يقول الأبنودي: «لم يخطىء قدماؤنا حين أطلقوا تعبير «صناعة الغناء» مثل «صناعة الإنشاء». فالأغنية فن يمثل فيه النص عنصراً من عناصر، عنصراً لا تملك زمامه وحدك إذ أن معك ملحناً يجب أن يكون النص على مستوى وعيه ليلحنه كأنه كاتبه ومعك مطرب أو مطربة تلبس الترتر وتقف على المسرح موهمة الناس بأنها كاتبة النص وخالقة اللحن، والأغنية في النهاية تنسب إليها لا الى الشاعر ولا الملحن، فنحن نقول أغنية نجاة وأغنية عبد الحليم ولا نقول أغنية الأبنودي ولا أغنية بليغ حمدي.

الأغنية فن يتطلب خبرة، إذ ليس كل شاعر قادراً على كتابة الأغنية، لكنه في حاجة أولاً إلى خبرة عملية بالموسيقى ومعرفة مدلولات «قاموس الأغاني» في الذهن العام وحدود الكتابة».

يؤكد الأبنودي أن الأغنية كانت خطاً - مجرد خط - في مسيرته: «أنا حزين لأنني لم أولها اهتماما أكبر، رغم ما كتبته لعبد الحليم حافظ ونجاة ووردة وفايزة أحمد، فضلاً عن شادية التي قدمت لها أغاني يندر أن تتكرر مثل «عنب بلدنا»، و«زفة البرتقان»، كذلك نجاح سلام ومحمد قنديل ومحمد عبد المطلب الذي قدمت له أغنية «العيون الحلوة»، كما كتبت أغاني لنادية مصطفى وسمية القيصر وماجدة الرومي وعبد الله الرويشد وميادة الحناوي وغيرهم».

يقرّ الأبنودي في ما يشبه الاعتراف أنه كان في إمكانه أن يملأ الدنيا شدواً، خاصة في ذلك الزمن الذي كانت الأغنية تؤدي فيه دوراً محورياً: «لولا كنت أستكبر وأتعالى على فن الغناء وكنت أعتقد أنه يؤثر في قيمتي شاعراً وهذا تصوّر ثبت خطأه بلا شك!».

بسبب هذا الاعتقاد فإن الأبنودي هو شاعر العامية الوحيد الذي لم تتضمن دواوينه نصاً واحداً من أغانيه، رغم كثرة الدواوين وغزارة إبداعه وتميزه في مجال الأغنية ورغم - أيضاً - العروض الكثيرة والمغرية التي تلقاها لنشر ديوان «أغاني الأبنودي». وبالنسبة الى الشعر كانت الأغنية «وسيلة» والشعر «غاية». يقول الأبنودي: «الأغاني هي التي وزعت دواويتي». أي أن ذيوع الأغاني ساعد على زيادة توزيع الدواوين. والجانب المهم في المعادلة - بالنسبة اليه - هو الدواوين. يقول كذلك إنه كان ينفق على دواوينه من عائد الأغاني.

ولا أعتقد أن رؤية الأبنودي لأغانيه تنصفها، خاصة أن هذه الأغاني كانت سلاحا شارك مصر معركة حرب الاستنزاف، وكانت مفتاحا رافق الدراما التلفزيونية منذ بدايتها، إذ كان الأبنودي أول من كتب مقدمة غنائية لمسلسل عربي، وهي حكاية أخرى من «حكايات البدايات»، فإلى الحلقة المقبلة!

نايك يا خال

ليه ندهته كدابه؟

ليه مغنته تعابين بتتلوى

في ضبابه؟

نايك يا خال

ليه همسته بنميمه؟

ده نده عاشق

والا عوي ديابه؟

والسيف دا كيف تالم لكين خوفني

والسيف ده كيف تالم لكين مسنون

ونعجتينك كيف عجاف.. وبيدوا؟

وكيف إذا كلمتهم بيردوا؟

كيف يا ضروع الموت تحني

وتبقي حلابه؟

البرتقان ميِّل فروعه وطاطا

طاطا لا بيصلي ولا بيدعي

ونتر على سمعي نحيب الغابه

غنوة فرح

بشفتين ندابه

والصوت مع المغرب

حتت من ضرعي

مسلوخه من لحمي ف ندى العصريه

نقيته من فين القصب نقيته

وقطعته وبريته

ومليته من نَفَسَك ووزيته

يملا المغارب والشفق والسهره

بشكوته الكدابه

وضحكته الكدابه

نايك قصب يا خال

أبوه الجرف

لكن أمه

لبلابه

من «الناي» - «الفصول»

back to top