لغم لغوي قد يفجر المبادرة العربية سياسياً: تفسيرات متناقضة لمخرج حكومة لبنان المقبلة
لم يكد البيان الصادر عن وزراء الخارجية العرب بشأن التصور الخاص بحل الأزمة اللبنانية يصل الى المعنيين بالقرار السياسي في لبنان حتى بدأت التفسيرات لنصوصه وبنوده في محاولة من جانب الطرفين الأساسيين (الأكثرية: قوى 14 آذار، والمعارضة: قوى 8 آذار) لتعزيز موقعهما التفاوضي قبيل الوصول المرتقب للأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت لوضع البيان موضع التنفيذ من خلال آلية سيُتفق عليها بين الفرقاء اللبنانيين برعاية الجامعة العربية. والواضح من خلال القراءة الأولية للبيان أن الوزراء العرب انطلقوا من المسلمات الآتية:
1- حل على اساس سلة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية وحكومة العهد المقبل الأولى وقانون الانتخابات النيابية الذي ستتم الانتخابات المقبلة على أساسه. 2- عدم تجاوز النصوص الدستورية ومتطلباتها لناحية آلية انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتسمية الرئيس المقبل للحكومة من خلال المشاورات النيابية الملزمة. 3- عدم حسم التفاصيل المتعلقة بقانون الانتخابات لناحية الدائرة وطبيعة التمثيل النسبي أو الأكثري أو المركب. غير أن جس النبض السياسي الأولي يظهر أن الثغرة الأساسية التي يمكن أن ينفذ من خلالها أي فريق راغب في التعطيل تكمن في البند المتعلق بالحكومة، لاسيما لناحية ما جاء فيه: «... على ألا يتيح التشكيل (تشكيل الحكومة) ترجيح قرار أو إسقاطه بواسطة أي طرف ويكون لرئيس الجمهورية كفة الترجيح». ففي حين تؤكد مصادر الأكثرية أن الوزراء العرب حسموا وجهة نظرهم بتبني الاقتراح القائم على «الصوت الوازن» لرئيس الجمهورية من خلال عدم منح المعارضة الثلث المعطل، وعدم حصول قوى 14 آذار على أكثرية النصف زائدا واحدا في الحكومة، وهذا ما دفع أقطابها الى المسارعة الى الترحيب بالبيان، بدت المعارضة في موقع المتحفظ وفي أحسن الأحوال في موقع المتريث قبل حسم موقفها من مشروع الحل العربي على أساس أنه يسقط مطلباً ترفعه شعاراً لمعركتها السياسية والشعبية منذ أكثر من سنة. غير أن المراقبين يلفتون الى أنه بمعزل عن موقفي الأكثرية والمعارضة فإن علامة الاستفهام الكبرى تكمن في «سر» الموافقة السورية «السهلة» على المشروع خلافاً لكثير من التوقعات. وفي رأي هؤلاء فإن فهم الموقف السوري يصبح أكثر سهولة بالعودة الى النص المتعلق بالتركيبة الحكومية؛ ذلك أن الصياغة اللغوية تسمح بتجاوز التفسير السياسي الذي تلفت اليه الأكثرية التي تعتبر أن هذه الصياغة تسمح بالقول إنه بموجب المشروع العربي فإن المعارضة لن تحصل على الثلث المعطل، غير أن اعتماد حرفية النص الذي يقول «على ألا يتيح التشكيل ترجيح قرار أو إسقاطه بواسطة أي طرف» يمكن أن يسمح لسورية وحلفائها بالمطالبة في معرض التفاوض على الآلية التنفيذية بحرمان الأكثرية بدورها من الثلث المعطل، على اعتبار أن القرارات التي تحتاج الى ثلثي أصوات مجلس الوزراء يمكن للأكثرية منفردة تعطيلها إذا حصلت على أكثر من الثلث حتى لو اتفقت المعارضة ورئيس الجمهورية. بالإضافة إلى أن حصول الأكثرية على أكثر من ثلث الوزراء يعني الاحتفاظ نظرياً بقدرة إضافية على اسقاط الحكومة من خلال استقالة أكثر من ثلث الوزراء، وذلك لأن ورقة الاستقالة ستبقى مبدئياً بيد الأكثرية من منطلق ان رئيس الحكومة يفترض أن يكون من الأكثرية مادامت قوى 14 آذار موحدة قبل المشاورات الملزمة التي تحدد وحدها بمقتضى الدستور والمشروع العربي هوية الرئيس المقبل للحكومة. أما عبارة «ويكون لرئيس الجمهورية كفة الترجيح» فتترجم سياسياً في ظل مثل هذا التفسير بحصة توازي حصتي الأكثرية والمعارضة، مما يجعل الحكومة الثلاثينية موزعة بنسبة عشرة وزراء لكل من الفرقاء الثلاثة.