تحديات عرب اليوم... تساؤلات البدايات

نشر في 21-01-2008
آخر تحديث 21-01-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي تشير معظم استطلاعات الرأي العام التي أجريت أخيراً في عدد من الدول العربية إلى ظواهر أربع بالغة الأهمية هي: تبلور شعور عام لدى أغلبية واضحة من المواطنين العرب بعمق وخطورة الأزمات التي يمر بها عالمنا اليوم. و قناعة الأغلبية بأن هذه الأزمات لا تقتصر فقط على تأزم الحياة السياسية في معظم الدول العربية أو سوء مؤشرات التنمية البشرية الرئيسة بها، بل تتجاوز تلك المساحات لتطول في العمق أسس الاجتماع البشري للعرب والجوهر الناظم لعلاقة الدولة والمجتمع بين ظهرانيهم. وتواكب شيوع النظرة السلبية إلى دور القوى الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، مع إدراك شعبي متنامٍ لمسؤولية النخب العربية الحاكمة عن الأزمات والإخفاقات الراهنة وحتمية الإصلاح الديموقراطي كمدخل وحيد لصعود نخب جديدة مسؤولة أمام مواطنيها وقادرة على الإنجاز. واستمرارية اهتمام أغلبية العرب بالقضايا والهموم المشتركة وفي مقدمتها فرص الوحدة والقضية الفلسطينية والرفض الشعبي الجارف لخطط التجزئة والتفتيت.

وحقيقة الأمر أن هذه القناعات الأربع إن أخذت بجدية تحليلية تبحث في المضامين والتداعيات إنما ترسم ملامح التحديات الراهنة في العالم العربي وتحمل بالتبعية خريطة ضمنية للنقاشات الرامية إلى التدبر في الحلول الممكنة واستشراف سيناريوهات المستقبل. نحن، بكل تأكيد، نمر بلحظة أزمة ممتدة تستدعي تجميع طاقات مفكري العرب الملتزمين بقضايا مجتمعاتهم المصيرية في سياقات جديدة وبصياغات مبتكرة وجريئة تذهب إلى جوهر الأمور وتربط بين الجهد التحليلي النظري وتطوير بدائل سياسية واقعية قابلة للتطبيق. فقد آن الأوان لمراجعة الجوهر الناظم لعلاقة الدولة والمجتمع وقضايا الأمن الجماعي برباعيتها الوطن، الأمة، الإقليم، الخارج، ومن ثم الانطلاق للتدبر في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واستراتيجيات التعاطي معها.

في هذا السياق ثمة تساؤلات وقضايا رئيسة تتموضع ولاريب في صدارة المشهد العربي. هل ما نراه بصورة جدية في العراق ولبنان من انهيار لمؤسسات الدولة وقدرتها على إدارة الشأن العام وملامح التأزم المستمر في علاقة الدولة بمواطنيها وفقدانها الشرعية «بمعنى الرضاء الشعبي» في معظم الحالات العربية الأخرى «ربما باستثناء بعض دول الخليج» دليل على فشل نموذج الدولة القطرية في عالمنا، ثم حتمية البحث عن نماذج بديلة أم هو دعوة إلى إعادة النظر في الخيط السلطوي الناظم لعلاقة الدولة القطرية بالمجتمع وإمكانات إصلاحه ديموقراطياً كمخرج وحيد في مواجهة انهيار محتمل لبنى الدولة وقدراتها السيادية «احتكار الاستخدام المشروع للقوة، التثبيت الدستوري-القانوني لحدود الفضاء العام ومساحات حركة قوى المجتمع»؟

وما المضامين والتداعيات المحتملة لنماذج الدولة البديلة في سياق العلاقة مع المجتمعات العربية وتنوعها الديني والعرقي والقبلي ومع المواطن-الفرد بتعددية مستويات الهوية المحددة لفعله واختياراته «الدين، النوع، الطبقة»؟ وهل نحن فقط أمام الخيارين التقليديين الدولة القومية في مواجهة الدولة الدينية أم أن علينا إعادة النظر في نماذج أخرى كالدولة الفدرالية وإمكانات نجاحها في عالمنا؟ ماذا يعني فعلياً الإصلاح الديموقراطي لعلاقة الدولة والمجتمع في إطار نموذج الدولة القطرية؟ وما مضامين عملية الإصلاح هذه على مستوى آليات توزيع السلطة السياسية وتداولها وكذلك اقتسام الثروة وآليات العدالة التوزيعية؟ وكيف يمكن صناعة التوافق حول هذه الآليات وصياغة الضمانات اللازمة لاستمرارها واستحالتها واقعاً مؤسسياً؟

ثم هل للإصلاح الديموقراطي أن يرتب استعادة الدولة القطرية لشرعيتها ولحيادها إزاء المجتمع وتنوعاته؟ وما السياق الزمني المحتمل الذي ننظر إليه في الحالات العربية المختلفة؟ وهل النخب العربية الحاكمة راغبة وقادرة على قيادة عملية الإصلاح الديموقراطي أم أن الأخيرة ليست على أجندتها أو متنازع عليها بين المجموعات المكونة للنخب؟ وما الفروق النوعية بين حالة عربية وأخرى؟ وهل هناك قوى سياسية ومجتمعية خارج دوائر النخب تستطيع الاضطلاع بهذه المهمة؟ وإن وجدت هذه القوى فما طبيعة مشاريعها السياسية وجوهر العلاقات في ما بينها والنخب الحاكمة؟ وكيف تتحرك رباعية الوطن، الأمة، الإقليم، الخارج، على هذه المستويات؟ وما مساحات تأثيرها في إمكانات تحقق السيناريوهات المختلفة؟

تلك هي تساؤلات البدايات، أما خطوط البحث عن استراتيجيات التعاطي الفعال معها فذلك حديث المقال القادم.

* كبير باحثين بمؤسسة كارنيغي للدراسات-واشنطن

back to top