The Good Shepherd دراما الإنسان الفرد في عالم الجاسوسية
يتناول الفيلم (من إخراج الممثل روبرت دي نيرو) موضوع إنشاء وكالة الاستخبارات المركزية وسنواتها الأولى مع الحرص على تغيير الأسماء لحماية الأشخاص الذين ارتبطت أسماؤهم بها. يبدو هذا الفيلم الطويل (ساعتان و 45 دقيقة) رواية جاسوسيّة من الحرب الباردة المليئة بالخيانات والغدر والتحالفات القصيرة المدى. لا يشحذ البطل عاطفة المشاهدين بل يقع في دوّامة من الالتباسات الأخلاقيّة والأدبيّة ما يجعله ضحيّة مؤامرة وإن لم يكن شخصيّة محبوبة.
أمضى مجموعة من الكتّاب بينهم أمثال لين دايتون وجون لو كار وقتًا طويلاً في عرض التطوّر في عالم التجسّس منذ الحرب العالمية الثانية وصولا الى الحرب الباردة. يندرج الفيلم في الخانة نفسها مركّزًا على العمل الأساسي والتحليل العقليّ الذي يشكّل خلفيّة التجسّس أكثر من النجاحات الباهرة التي تظهرها السينما عادةً في فيلم من هذا النوع. فشخصية إدوارد ويلسون ليست متعدّدة الأوجه وليست مضحكة أو جبّارة، لعل ذلك ما جعلها نقطة ارتكاز جيّدة.يبدأ الفيلم في أبريل 1961 بحوادث تاريخيّة حصلت مباشرةً قبل هزيمة عملية حربية وبعدها إذ وجد ويلسون نفسه في موقع حسّاس بصفته أحد أعضاء وكالة الاستخبارات المركزية القلة الذين يعلمون في هذه المهمّة «الغامضة». تمّ تكليف عضو مجلس الشيوخ فيليب آلن لإبلاغ الرئيس ويلسون. كانت المهمّة سريّة جداً، ما يعني أنّ من سرّب المعلومات كان شخصيّة تشغل منصبًا عاليًا. وقعت على ويلسون مسؤولية الكشف عن مصدر التسريب هذا. بعد سلسلة من التحريات حصل على معلومات استخباراتية غير متوقّعة تمّ تسليمها إليه بطريقة سرّيّة وهي عبارة عن صورة غير واضحة من كاميرا مراقبة وشريط مسجّل مشوّش يحملان أدلّة حول هويّة الخائن. عُرض الكثير من الحوادث في فيلم The Good Shepherd من خلال مشاهد الـ flashback. في هذا الإطار، يعود المشاهد في الزمن الى عام 1961 ليكشف تاريخ ويلسون: إنخراطه في مجتمع سرّيّ خلال وجوده في جامعة يال، علاقته بمساعدته الجميلة الصمّاء لورا، زواجه الفاشل من كلوﭬر الحامل بابنه، قبوله بمنصب خارج البلاد خلال فترة الحرب في مكتب الخدمات الاستراتيجيّة، ترقيته لمنصب سلطوي في وكالة الاستخبارات المركزيّة أرفع من منصبه في مكتب الخدمات الاستراتيجيّة بالإضافة إلى ألعاب القطّ والفأر مع أوليسيز زميله في وكالة الاستخبارات الروسيّة. كتب هذه القصّة الرّائعة إريك روث و أعطاها روبرت دي نيرو حقّها في المعالجة السينمائية. لا يشمل الفيلم لحظات «حزينة» كثيرة وليس مملاً. تظهر اللحظات البطيئة في بداية الفيلم بغية تقديم الشخوص. بعد تقديم صورة عامّة عن قصّة الفيلم وشخوصه تتسارع حوادث The Good Shepherd. محبّو أفلام التجسّس المليئة بالحركة والإثارة سيجدون الفيلم بطيئًا. يؤدي مات دايمون دور ويلسون بطريقة متقنة وبعيدة قدر الإمكان عن شخصية جايسون بورن التي أدّاها ثلاث مرات. يجسد ويلسون صورة شاب إداري من زمن الأربعينات والخمسينات بالبدلة الرسمية والقبّعة. إنسان عادل يتمتّع بحسّ وطني عالٍ. لا يكشف عن شخصيّة قويّة لكن عليه مواجهة سلسلة من المشاكل الأدبية والأخلاقية. المشكلة الكبيرة نحو نهاية الفيلم. لكنّ السؤال: هل ما زال مؤمنًا بوطنه؟ وإن تخلّى عن مبادئه وقيمه فهل يعني ذلك أنّ حياته بكاملها كانت من دون جدوى وذهبت تضحياته سدًى؟دور دايمون في هذا الفيلم ليس مؤثّرًا جدًّا لكنّه جيّد. رجل ذكي لكنّه ليس «سوبرمان». إنه الغراء الذي يبقي الفيلم متماسكًا لكونه الممثل الوحيد الاساسي، فيما يندرج الآخرون جميعًا تحت خانة الممثلين الثانويين. يظهر تامي بلانشارد وأنجلينا جولي وويليام هورت على الشاشة وقتًا طويلاً بينما يظهر نجوم أمثال روبرت دي نيرو وجو بيتشي وأليك بولدوين ومايكل جامبون في مشاهد قليلة. تثير الدّقّة في الفيلم تساؤلات كثيرة، علماً أنّ وكالة الاستخبارات المركزية متحفّظة بشأن تاريخها. نتيجةً لذلك، تمّ مزج بعض التخمين والتقديرات بالواقع. قد لا نجد ذلك في كتاب لكنّه يجعل الفيلم أكثر تشويقًا وإثارة. المشاهد الأكثر تأثيراً تلك التي تضع ويلسون في وجه عدوّه الجاسوس الروسي أوليسيز. كذلك كان الفيلم رائعاً في المشاهد حيث كان يعمل ويلسون وشركاؤه على فك الرموز وتحليل الأدلّة التي حصلوا عليها من خلال كاميرا المراقبة والشريط المسجّل. لا تكتمل الصورة إلا في اللحظة الأخيرة، ما يعطينا فكرة عن صعوبة العمل «اليدوي» قبل تطوّر الكومبيوتر والإنترنت.يبدو الفيلم رائعاً كدراما أو قصّة شائقة عن الحرب الباردة. ليست قصّة وكالة الاستخبارات المركزيّة سياسية بقدر ما يتوقّع المشاهد، بل فيها بعض التعليقات حول أخطار المؤسسة السرية («أريدها أن تكون عينَي البلد وأذنيه لا قلبه وروحه»). فيلم رائع رغم مدته الطويلة التي قد تكون نقطة سلبية للمشاهد العادي. من الناحية الإخراجيّة، ينقل دي نيرو المشاهد إلى العالم الذي خلقه ويبقيه مسحورًا حتى النهاية.