افتتاحية حين يحلّ أمن الدولة مكان القضاء

نشر في 20-08-2007
آخر تحديث 20-08-2007 | 00:09
ما تعرض له الزميلان بشار الصايغ وجاسم القامس مساء أمس الأول ليس مجرد حادث يمكن المرور عليه مرور الكرام أو العبور من أمامه من دون وقفة تأمل وتألم ومراجعة.

ان الطريقة التي تصرف بها افراد ادارة أمن الدولة بوزارة الداخلية وضباطها ومسؤولوها معتقدين انها مسؤوليتهم وانها ضمن صلاحياتهم لا تذكرنا إلا بحكايات زوار الفجر، وهي أسلوب يجعلنا نعتقد كأننا نعيش في أحضان دولة بوليسية قوامها وأمنها وأمانها يكمن في اجهزة الاستخبارات وغياهب أمن الدولة... ونحن لسنا كذلك؛ فلم تُبن الكويت يوماً على هذه الفلسفة التي أنهت دولاً، طال ظلمها واستبد بطش اجهزتها الأمنية لكنها لم تدم.

نحن نربأ بمعالي الأخ النائب الأول وزير الداخلية ووزير الدفاع أن يقبل مثل هذا السلوك أو يؤيده، وندعو له بالشفاء العاجل والعودة المبكرة الى البلاد، لكننا في المقابل نرى ان السكوت عن هذه الممارسات وعدم محاسبة المسؤولين عنها هما دعوة لتقويض مبدأ الحريات وتعدٍّ على سلطة القضاء التي تملكها النيابة العامة والمحاكم وليس أمن الدولة.

أيا كان الجرم أو الذنب الذي ارتكبه الزميلان فإن ذلك لا يبرر تلك الطريقة البوليسية التي سمعنا عنها وشاهدناها في أفلام صلاح نصر، أو في حكايات وأسرار غياهب النظام الصدّامي والأنظمة الفاشية المماثلة، ولم نعتد معايشتها والتعامل معها في الكويت، بل كنا وما زلنا نستهجنها ونرفضها حتى في تلك الدول.

كان بإمكان أجهزة أمن الدولة الاتصال بالزميلين وطلبهما للتحقيق، ومتى أدركت الأجهزة رفضهما المثول أمام التحقيق فبإمكانها طلب احضارهما وضبطهما بعلم النيابة وموافقتها، ولتأمر النيابة حينئذ بحبسهما أو ابقائهما أو اطلاق سراحهما، فهذا شأن قضائي وليس تسلطاً أمنياً.

أدهي من كل هذا وذاك الطريقة التي عومل بها الزميلان أثناء التحقيقات اذ انهما تعرضا لإهانات و«ضرب» نرفض ان يتحول الى اسلوب أو منهج يحكم علاقات الكويتيين بحكومتهم ويرعب الآخرين حتى من التعبير عن رأيهم.

لا نريد ان نذهب بالأمر الى ما هو أبعد ونقرؤه كما قرأه كثير من الذين عرفوه على انه خطوة في اتجاه التمهيد للقادم من أفكار، وتطلعات لوأد الحريات وتجاوز الدستور وترهيب أو ترعيب كل صاحب رأي، بأن تحلّ الأجهزة الأمنية بديلاً عن الأجهزة القضائية، فتلك خطوة نحو خندق من الظلمات لا تعيش فيه أحلام التنمية وتطلعاتها.

الجريدة

back to top