الأم تترك تربيته للخادمة... والطفل ضائع عاطفياً بينهما

نشر في 31-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 31-07-2007 | 00:00

إثر دخول المرأة عالم الأعمال وانشغالها بواجباتها المهنية تطور الفكر الانساني وسعت المرأةحثيثاً نحو مساواتها بالرجل، ما حقّق لها استقلاليتها وخاصيتها وعزز ثقتها بالنفس. تبقى صعوبة التوفيق بين الواجبات المنزلية وتلك المهنية فكيف توفق، في الحدّ الأقصى، بين مسؤوليات العمل وتربية الأطفال؟

مهمة صعبة شبه مستحيلة أن تنهمك امرأة في العمل خارج المنزل مولية اهتمامها الكامل لطفلها في الوقت نفسه. مشكلة كبيرة لحلّ بديهي، إمّا التخلي عن الوظيفة وتكريس الوقت والجهد لتربية طفلها أو الاستعانة بخادمة تساعدها في الاهتمام به في أوقات غيابها. إلا أن المشكلة الأساسية انفراد الخادمة في تربية الطفل على هواها وما يترتب على هذه التربية من تعلق الولد الزائد بمربيته على حساب تمسكه بأمه.

ما من امرأة تحبّذ فكرة وجود دخيل في بيتها، مع ذلك يدفعها ضيق الوقت وانشغالها المتواصل بعملها الى الاستعانة بمن يتيح الاحتفاظ بوظيفتها والعناية بولدها. بذلك تبحث أغلبية النساء العاملات عن خادمة يولينها مهمّة الاعتناء بالطفل والقيام بالأعمال المنزلية كي يستطعن تكريس جهدهن للوظيفة مع الاحتفاظ بمهمة الطفل فحسب، بعد دوام العمل.

احتكاك مباشر

الخادمة عاملة اجتماعية لا تلام على تعلّق الأولاد بها. تقوم بعملها على أكمل وجه. تهتم بالتنظيف وتعتني بالطفل. ولأنها على احتكاك مباشر معه منذ الولادة وترافقه في مرحلة الطفولة، يتمسّك الطفل بها وينتج عن هذا التعلق انعكاس سلبيّ على سلوكه الذي يغدو مخالفاً للعادات والمعايير السائدة في مجتمعنا والتي يعمل الأهالي جاهدين على ترسيخها في أولادهم، لا سيما في مرحلة الطفولة التي تحدّد شخصية الطفل. وإذ تنتمي الخادمات الى تقاليد مختلفة تبرز المعضلة في استيعاب الطفل أفكاراً تتفق وعادات الخادمة وتتضارب كلياً مع معتقدات الأهل. كما يلاحظ الوالدان ضعفاً لغوياً لدى طفلهم وركاكة واضحة في لغته العربية إذ تجهل الخادمات بعامة اللغة العربية ويتكلمن بلغتهن الأصلية أو بلغة أجنبية يلتقطها الطفل مع الوقت.

اعتماد الطفل على الخادمة التي تلبي سائر طلباته يمثل عائقاً أمام تنمية شخصيته اذ تسيطر عليه روح الإتكالية وعدم المسؤولية وانعدام الشخصية. أمر طبيعي أن يعتاد الطفل على الخادمة لكونها تلازمه ليل نهار ويمضي معها معظم الوقت في اللعب والمرح والصراخ والبكاء... ينام ويستيقظ على صوتها فيتعلق بها ويرى فيها صورة الأم القريبة منه والحاضرة لتلبية حاجاته. يألف الغريبة ويستغرب القريبة. يفضّل اللجوء الى حضن الخادمة حين يشعر بالضعف والخوف متناسياً حضن أمه الدافئ الذي حمله تسعة اشهر لكنه عجز عن التمسك به طويلاً. تتحوّل الأم الى مجرد شبح يطلّ من حين الى آخر ليذكّره بوجودها فلا تضيع بين الذكريات المنسيّة، فيما تتوّج الخادمة ملكة على عرش الأمومة، ما يشعل نار الغيرة القوية بين الأم والخادمة.

تنافس الأم

حين تشعر الأم بخطر أنها تفقد طفلها تعمد الى التخلص من الخادمة منافستها، ما يثير حزن الولد على فراق هذه الأخيرة وتسعى الأم آنئذٍ الى كسب ثقة ولدها وتغيير مسار حبّه للخادمة آملة في أن تصب مشاعره تلك في اتجاهها قبل فوات الأوان. وبما أن الخادمات يعملن وفق عقود محدودة الأجل تعمد النساء الى استبدال خادمة بأخرى فور انتهاء مدة العقد وتأتي بخادمة جديدة من جنسية وتقاليد وعادات جديدة فيضيع الطفل.

لانا أم لفتاة في الخامسة استعانت بخادمة سيرلانكية بعد مرور شهرين على انجابها نور، لتعود بعدها الى المدرسة الثانوية حيث تدرّس البيولوجيا. تشيد لانا بالخادمة التي حملت عنها عبء الأعمال المنزلية لسنتين متتاليتين، الا انها تتمنى لو كانت تستطيع ان تكون حاضرة على الدوام بجانب طفلتها فانشغالها بواجباتها المهنية يمنعها. تعترف بتعلق طفلتها بالخادمة وتفضيل المربية عليها اذ كانت نور دائمة البكاء في حضن والدتها الى حين تضمها الخادمة ما كان يثير انزعاج لانا عاجزة عن تغيير الواقع. تتذكر يوم غادرت الخادمة الى بلادها وبكت ابنتها واضطرت لانا الى استقدام خادمة أخرى لم تتقبلها نور سريعاً، لكنها انسجمت معها في نهاية الأمر.

ترى لانا ان وجود خادمة في المنزل أمر اساسي، خاصة اذا كان الوالدان يعملان. لكنها تعترف بصعوبة التوفيق بين الوظيفة وتربية الأولاد وتعتقد أن ثمن تمسّكها بوظيفتها هو تعلق طفلتها بغريبة ووجوب الاستعانة بالخادمة لمعرفة أخبار نور أثناء غيابها عن المنزل.

الأم والزوجة وربة المنزل

أن تحتاج المرأة العاملة الى خادمة للاعتناء بطفلها أمر طبيعي رغم انعكاساته السلبية على الطفل. لكن اللجوء الى مربية تهتم بالأولاد فيما تكتفي الأم بالجلوس والاسترخاء في المنزل من دون عمل أمر غير مقبول. قد تلجأ الى الخادمة أحياناً في حال انتابها الإرهاق والتعب لكن عليها أن تهتم شخصياً بتربية أطفالها وترسيخ السلوكيات والأخلاق والقيم في أذهانهم.

عبير أم لثلاثة أولاد ترفض في المطلق تدخّل الخادمة في تربية أولادها اذ ترى أن من واجب الأم الاعتناء بأطفالها ومدّهم بالمعرفة والقيم. ورغم وجود خادمة في منزلها لمساعدتها في الأعمال المنزلية إلا انها تؤدي بنفسها دور الأم والزوجة وربة المنزل ولا تسمح لخادمتها بالتدخل في الشؤون العائلية بل تطلب إليها الإلتزام بوظيفتها الأساسية. تؤكد عبير أن معاناتها أوجاعاً مؤلمة في الظهر اضطرّتها الى الاستعانة بخادمة تعاملها باحترام تامّ. وتعتبر أن الأمومة لا تقتصر على الإنجاب بل تكتمل بتربية الطفل وملاحقته.

تقع مسؤولية التربية على عاتق الأم. عليها أن تمضي مزيداً من الوقت مع طفلها لتتكوّن لديه صورة واضحة عن أمه. لا يجوز تبرير ترك الطفل في أحضان الخادمة بحجة الانهماك في العمل اذ على المرأة أن تجهد لتوفير الوقت الكافي لتمضيته مع طفلها،

لا سيما في مرحلة الطفولة التي تستدعي وجودها الدائم قربه وغمره بالعطف والحنان. يكفي أن يكون الأب بعيداً عن الطفل، أما انشغال الوالدين معاً فمشكلة كبيرة تُبعد الولد عن أهله وتقرّبه أكثر من الخادمة.

انتشرت الاستعانة بالخادمات مع دخول المرأة مجال العمل وأضحى وجودهنّ في كل منزل أمراً لا بد منه. وإن يكن صعباً الاستغناء عن خدماتهنّ إلا أن من الواجب الفصل بين مهمات الخادمة ومهمات الأم والأب. لكلّ دوره، فإن كانت الخادمة حاضرة لتقديم الخدمات فالأم مدرسة لبنيها، عليها إلتزام دورها الأساسي في تقديم الحنان والنصح والإرشاد، لإعداد شعب طيّب الأعراق.

back to top