وجهة نظر : المحافظة على مكانة الكويت الإقليمية والدولية... مهمة صعبة

نشر في 28-03-2008
آخر تحديث 28-03-2008 | 00:09
 د. عباس المجرن مع كل زيادة في الالتزامات والمصروفات الاستهلاكية تطرأ على الموازنة العامة للدولة يتزايد اعتماد البلاد وارتهان مستقبل تطورها الاقتصادي والاجتماعي بالنفط، وذلك على النقيض من الهدف المحوري لجميع خطط وبرامج التنمية المعلنة في البلاد منذ مطلع عقد الخمسينيات، وهو تقليل الاعتماد المفرط على النفط، وهذا هدف لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال تعزيز الإنفاق الاستثماري في القطاعات الإنتاجية والخدمية عبر برامج وخطط تنموية ذات مرتكزات راسخة وأهداف واضحة.

وإذا كانت الأهمية المتزايدة للنفط في الاقتصاد العالمي خلال حقب الستينيات والسبعينيات قد بررت التراخي في التعامل مع هذا الهدف المحوري، فإن الأهمية النسبية للنفط في اقتصادات الدول الصناعية، المستهلك الرئيسي له، قد شهدت وتشهد تراجعا نسبيا مؤثرا منذ النصف الثاني من عقد السبعينيات وما زالت. ولولا النمو القياسي الذي حققته البلدان الآسيوية في العقدين المنصرمين، وتزايد حاجتها إلى النفط، لما قُيض لمعدلات الطلب الراهنة على هذه السلعة أن تتحقق.

ولا شك أن من شأن التزايد في معدلات الاستهلاك على حساب معدلات الاستثمار المتواضعة أن يجعل فرص الإصلاح الاقتصادي أبعد منالا. ومما يزيد الطين بلة هو تسارع خُطا البلدان المحيطة بنا على مسار خياراتها التنموية الطموحة حيث أصبحت الهوة بيننا وبينها تزداد اتساعا يوما بعد يوم، فتصبح مهمة اللحاق بها بل الاقتراب منها أبعد بوناً وأصعب تحققاً. ويكفي أن أشير في هذا المقام إلى أن دولة الكويت، ووفقا لإحصاءات الدخل المتاحة، هي اليوم الأكثر اعتماداً على النفط مقارنة بدول مجلس التعاون الخمس الأخرى.

تضخُّم المصروفات

لقد سجلت موازنة السنة المالية الماضية المنتهية في مارس 2007 زيادة هائلة في بنود المصروفات والالتزامات تجاوزت المكاسب القياسية التي حققتها إيرادات النفط نتيجة للارتفاع التاريخي غير المسبوق، والذي قد لا يتكرر مستقبلاً، في سعر برميل النفط الخام. حيث بلغت الزيادة في الالتزامات والمصروفات إلى نحو 9.81 مليارات دينار كويتي، أي أكثر بنسبة 50% مقارنة بمصروفات السنة المالية الأسبق. وأتى ما يزيد على 50% من تلك الزيادة عبر التزامات استثنائية مثل المنح والإعفاءات ذات الطابع الاستهلاكي البحت، حيث مثلت المنح والإعفاءات 26% من مجمل الزيادة في المصروفات الجارية، وقد لعبت قرارات السلطة التشريعية دورا رئيسيا في حفز هذا النوع من المصروفات.

كما شهدت موازنة السنة المالية الحالية، التي تنتهي بنهاية يوم الاثنين المقبل، نموا في المصروفات الحكومية يصل إلى نسبة 24%، وحتى الربع الثالث من الموازنة تجاوزت المصروفات قيمة ما اعتمد لها في مشروع الميزانية بنحو 850 مليون دينار، حيث وصلت جملة المصروفات إلى 11.3 مليار دينار وقد نجم معظم هذه الزيادة في المصروفات عن زيادة مخصصات استملاك الأراضي ومكافآت الطلبة ومصروفات تحويلية أخرى. ولا يخفى على أحد الأثر التضخمي لمثل هذه السياسة التوسعية في الإنفاق غير المنتج، ومخاطرها الجمة عندما تنكفئ أسعار النفط الخام التي لم يعد للمنتجين قدرة على التحكم في مساراتها.

المهمة الصعبة

ولا شك أن كل دينار ينفق في الاستهلاك اليوم هو دينار تفقده التنمية التي تتطلب قدرا أكبر من تخصيص الموارد، فالبلاد بأمس الحاجة اليوم إلى تنفيذ مشروعات حيوية بالغة الأهمية، كإعادة تأهيل البنية التحتية لقطاعي الخدمات الصحية والتعليمية اللذين يئنان من تدهور مريع في مؤشراتهما، وإعادة تأهيل شبكة الطرق التي باتت تعج بالاختناقات المرورية وتستهلك وقت البلاد والعباد، وحل قضية الإسكان والصرف الصحي ونقص الكهرباء والماء، واستحقاقات تحديث المطار والموانئ وتطوير المناطق الصناعية، وغير ذلك كثير.

في ظل شعار دولة الرفاه في السبعينيات، أنجزت الكويت البنية التحتية الراهنة للبلاد، وهي بنية حققت بمقاييس عقد السبعينيات متطلبات تلك الحقبة بدرجة عالية من الكفاءة والكفاية، وكان عدد سكان الكويت آنذاك هو نصف عددهم اليوم. فوفقا لإحصاءات السكان الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية في منتصف العام الماضي 2007 يبلغ عدد السكان اليوم نحو 3.33 ملايين نسمة. ولا شك أن مثل هذا العدد بحاجة إلى مضاعفة طاقة البنية التحتية من أجل تحقيق نفس القدر من الكفاية والكفاءة التي توافرت في نهاية السبعينيات.

بل إن المقاييس الاقتصادية السليمة تقتضي توسعا يفوق ذلك لأن البلاد بحاجة إلى أن توفر اليوم بنية تحتية تتوافق مع احتياجات السنوات العشرين المقبلة، أي عندما يصل عدد السكان إلى نحو 5.4 ملايين نسمة وفقا لتقديرات المخطط الهيكلي الثالث للدولة، ناهيك عن النظر إلى التطور الذي طرأ على مقاييس الكفاءة، ونحن في ظل معايير العقد الأول من الألفية الثالثة التي اختلفت جودتها وتكاليفها عن معايير العقد السابع من القرن العشرين. إن انجاز هذه المهمة لم يعد خيارا نظريا بل بات مسارا وحيدا لضمان المحافظة على مكانة الكويت في المعادلة الإقليمية والدولية المعاصرة. إنها حقا مهمة صعبة ولكنها ليست بالمستحيلة.

back to top