هلع الفقراء من جائحة الجوع

نشر في 01-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-05-2008 | 00:00
 بدر عبدالملك

لا أخال أننا بحاجة إلى إرشاد الأعمى إلى طريقه، فهو صار بسبب التطور يعيش بين الشوارع والمكاتب ويواصل الاتصال العالمي نتيجة تطور العلم، فكيف نتعلل بأمور التقنيات الزراعية الحديثة التي تمكننا من ملء مستودعاتنا وبطون جياعنا وفقرائنا بالخبز والأرز والطعام بدلا من الانتظار المفاجئ لخروج الناس إلى الشوارع لتصرخ لاهثة تطالب برحيل الأنظمة.

دخلت وسائل الإعلام بقوة وكثافة في الحديث عن مشكلة المواد الغذائية وظاهرة الغلاء المستمرة لتلك المواد المتعلقة بحاجة الإنسان الأساسية، بل تواصلت الأجراس بقوة ضربها حتى أفزعت الفقراء من نومهم، بأن غلاء الحبوب ستستمر حتى عام 2015، وازداد شعور الهلع عندما لمست الشعوب والبلدان مدى سرعة ارتفاع الأسعار والمضاربة بها واتساع رقعة التلاعب، وفرصة بروز المافيات الجديدة التي كلما شمت رائحة ظاهرة جديدة ركضت بسرعة ماراثونية لكي تقتطف ثمار تلك الفرص الذهبية، فتم بيع الأسعار بصورة مضاعفة تزيد على حجم الارتفاع الحقيقي في الأسواق العالمية بين بلدان المنشأ والبلدان المستهلكة والمستوردة للحبوب الغذائية، فانتفخت المستودعات بأنواع مختلفة من الحبوب، فالمافيات تجيد تغيير جلدها وتدرك كيف توتر أعصاب الفقراء والبسطاء، فتحول الهلع لدى الفقراء إلى كابوس ليلي، خصوصا في البلدان النامية التي تعاني غالبية شعوبها العطالة والفقر، فصارت الظاهرة ظاهرتين متداخلتين، بحيث أصبح الفقراء مرشحين إلى حافة الهاوية، كما هي الهجرات التاريخية لجائحات الجوع والاستنفار والسخط الجماعي لدى الجياع الذين لا يرون فاصلا بين موتهم ببطء وحياتهم الأكثر ترشحا لموت مكشوف ومقنن وقانوني بحجج كثيرة، ولكن ترى هل كل ذلك الغلاء مقنع للعالم والمنظمات الدولية؟ أم أنه كشف عورة الأنظمة الأكثر فساداً والأكثر تجاهلا للخطط الاستراتيجية والاستعداد لكل الاحتمالات الممكنة لمتغيرات مناخية كالفيضانات والتصحر والحروب، أو تراجع حجم التصدير لدى دول ترى في غلاتها الحيوية أهمية جديدة لا يمكن التفريط بها كما فعلت الصين والهند، فمن جهة تحسنت الأوضاع المعيشية لتلك البلدان مما دفعها إلى الاستهلاك المتزايد، ومن جهة أخرى مرت تلك البلدان بكوارث طبيعية أثرت في المردود الزراعي وتقلص حجمه السنوي المحتمل مما يدفعها للضرورات الاقتصادية والتخزين، وهو الأكثر أهمية من البحث عن مداخيل خارجية لتصدير لتلك الغلال المهمة كالقمح والأرز والذرة وغيرها، بينما راحت دول أخرى في رفع أسعار تلك المواد والبضائع الحيوية في الأسواق العالمية كنتيجة لارتفاع الأسعار، فهي تسترد لخزينتها الأموال الباهظة التي تجنيها دول نفطية وأخرى صناعية بينما تتسع رقعة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين تلك الدول، مما يؤثر في التنمية ومستوى الحياة المعيشة على السكان، فلماذا تلوم الأنظمة والشعوب الأخرى تلك الدول المصدرة للمواد الغذائية ولا تلوم نفسها على الاختلال العالمي بين التوزيع غير العادل بين البلدان ؟ وترغب وحدها العيش في الرخاء والبحبوحة، غير أن هناك دولا في البلدان النامية أكثر عرضة للجوع والفقر كونها لا تمتلك تلك الحبوب وليست دولا غنية تمتلك ثروات أخرى لكي تقايض بها في الأسواق، بل علتها أيضا أنها أنظمة فاسدة، فكلما دخلت خزانتها وعوائدها أموال قليلة شفطتها «المافيا» التي لا تهمها أن يجوع شعبها ويتضور حتى الموت. ما يستوجب أن نعيد حساباته في البلدان العربية شعوبا وحكومات ومنظمات إقليمية النظر في خططنا الاقتصادية مثل «بقية خلق الله» فنتعلم كيف نستثمر الأموال في مجالات عدة ومتنوعة ونعيد جزءا منها من الأسواق العالمية ونستثمرها في المنطقة العربية، إذ من المخجل أن تصبح منطقتنا تعاني الجفاف والنقص من المواد الغذائية إلى درجة الاتكال على البلدان الأخرى، ونحن نمتلك ثلاثة مقومات أساسية أو يزيد على قدرتنا لتوفير الغذاء بصورة كافية، بل يمكن تصديرها لدول أخرى، فنحن نمتلك مساحة من الجغرافيا والأراضي الخصبة، وثانيا نمتلك المياه الغزيرة والأنهار، والأمر الثالث لدينا دول نفطية كبلدان الخليج وليبيا والجزائر والعراق بإمكانها خلق صندوق خاص للزراعة والاستثمار فيها. فهل نترك بكل سهولة السودان ومصر واليمن والعراق والجزائر والمغرب وسورية القادرة على منحنا منتوجا غذائيا دائما ونتوجه إلى الأسواق العالمية لمجرد أهواء سياسية وخلافات بين الأنظمة والحكومات؟! وكل ما نجيده في اجتماعات الجامعة العربية هو تطييب الخواطر وحدها وتبادل الاتهامات والتركيز على الجوانب السياسية وإهمال الخطط الاقتصادية والتنمية الحقيقية الأكثر أهمية لحياة الشعوب العربية. لا أخال أننا بحاجة إلى إرشاد الأعمى إلى طريقه، فهو صار بسبب التطور يعيش بين الشوارع والمكاتب ويواصل الاتصال العالمي نتيجة تطور العلم، فكيف نتعلل بأمور التقنيات الزراعية الحديثة التي تمكننا من ملء مستودعاتنا وبطون جياعنا وفقرائنا بالخبز والأرز والطعام بدلا من الانتظار المفاجئ لخروج الناس إلى الشوارع لتصرخ لاهثة تطالب برحيل الأنظمة.

الالتفات إلى الخطط الحقيقية هو المخرج إذ لا تنفع عملية العلاجات المؤقتة وسياسات الترقيع، فهناك دعوات دولية للتحرك وبداية فعل تشعر به الشعوب وتطمئن إلى خبزها وخبز أطفالها حاليا ومستقبلا، فكما يقال الجوع كافر!

* كاتب بحريني

back to top