تحوّلات نظرة الغرب إلى الحركات الإسلامية في العالم العربي - المضامين والمتغيرات
طبيعة الساحة السياسية في المغرب والكويت تقدم عنصراً إضافياً محفّزاً للغرب على قبول الإسلاميين وعدم ممانعة مشاركتهم في تسيير الشأن العام، ألا وهو تنوع الفاعلين الرافعين للشعارات الدينية وغياب ظاهرة احتكار حركة واحدة لحق الحديث باسم الإسلام في السياسة، كشأن مصر والأردن.يبدو أن ثمة نقلة نوعية مهمة تحدث اليوم في إدراك صانع القرار في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، لطبيعة الدور السياسي للحركات الإسلامية الفاعلة في العالم العربي، وجوهر التحديات التي يطرحها تصاعدها المستمر على المصالح الغربية. تتجاوز النقاشات الدائرة في واشنطن ولندن وباريس وبرلين المفردات الكلاسيكية لمقاربة الخطر التي صنفت الإسلاميين خلال العقدين الماضيين، في سياق متوالية دراماتيكية بدأت مع الثورة الإيرانية 1979، وامتدت منذ اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في 1981، إلى تنامي وزن «حزب الله» و«حماس» في الساحتين اللبنانية والفلسطينية على التوالي، ثم دموية التسعينيات الجزائرية والعنف المتواتر للمواجهات بين نخب الحكم والتيارات الإسلامية الجهادية في مصر والأردن واليمن والسعودية، على أنهم أعداء فعليون أو محتملون للغرب ينبغي محاربتهم وتهميشهم. تتخطى نقاشات اليوم كذلك عموميات التمييز الاختزالي بين أخيار الإسلاميين (المعتدلين) وأشرارهم (الراديكاليين) وفقاً لمعياري نبذ العنف والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وأحاديث السنوات القليلة الماضية عن إمكان انفتاح الغرب التدرجي على الطائفة الأولى، في سياق دعم دمج حركات المعارضات اللاعنفية، ومنهم الإسلاميون المعتدلون، في الحياة السياسية كأحد شروط الإصلاح في العالم العربي.وقناعتي، من واقع متابعة دقيقة لتحولات نظرة الغرب الرسمي للحركات الإسلامية وسلسلة من الحوارات المباشرة مع بعض صناع القرار في واشنطن والعواصم الأوروبية منذ 2006، أن مستويات وخانات تصنيف الغرب للإسلاميين قد تعددت وتنوعت على نحو يتم معه اليوم التمييز بين أربع مجموعات رئيسة؛ 1) أحزاب وتنظيمات كـ «العدالة والتنمية» المغربي و«الحركة الدستورية»، في الكويت أصبح ينظر إليها باعتبارها قوى سياسية طبيعية لا يثير تعاظم دورها السياسي، بل واحتمالية مشاركتها الفعالة في تسيير الشأن العام، من الشكوك الكثير. 2) إسلاميون؛ كما هي حال «حزب الإصلاح» في اليمن و«جمعية الوفاق» الشيعية في البحرين، يتحاور الغرب الرسمي معهم ويشجع منظماته غير الحكومية على تدريب كوادرهم، إلا أن توتر علاقة إسلاميي هذه البلاد بنخبها الحاكمة الصديقة للغرب يجعل الولايات المتحدة والأوروبيين يفضلون إبقاءهم في مواقع المعارضة خلال المستقبل المنظور. 3) حركات؛ كجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر و«جبهة العمل الإسلامي» الأردنية، تتأزم من جهة علاقتها بنخب الحكم وتأخذ منحى صراعيا واضحا وتلتبس من جهة أخرى مواقفها (أو هكذا يراها الغرب) حول عدد من قضايا السياسة والمجتمع الحيوية على نحو، وإن حال دون انفتاح علني من الغرب عليها، إلا أنه يشجع على حوار مع قياداتها عبر وسطاء. 4) ثم تأتي حركة «حماس» وجماعة «حزب الله» وقد يضاف إليهما التيار الصدري في العراق، وإزاءها جميعاً تلتزم الولايات المتحدة وأوروبا في العلن بسياسة رفض الحوار، بل والعمل على محاربتها إلا أن قوة مثل هذه التنظيمات على الأرض يدفع نحو مساحة من توزيع الأدوار بين الدبلوماسيات الغربية تسمح لبعضها بفتح أبواب حوار الحد الأدنى مع إسلاميي هذه المجموعة الأخيرة ربما درءاً لشرور محتملة. وحقيقة الأمر أن وراء تبلور مثل هذه القراءة الغربية المركبة، التي تنحي اليوم جانب تبسيطية مقاربة الخطر واختزالية ثنائية الإسلاميين المعتدلين - الراديكاليين، تنامي إدراك صناع القرار في واشنطن والعواصم الأوروبية - على خلفية تقلبات السياسة العربية في الآونة الأخيرة - لمحورية مجموعة من المتغيرات تجمع في بنيتها بين الداخلي والخارجي حين النظر إلى أدوار الحركات الإسلامية. فكما تظهر الخبرة المغربية والكويتية بجلاء، يسهم البعد الجغرافي عن الصراع العربي - الإسرائيلي في تهدئة مخاوف الغرب من صعود الإسلاميين، في حين يرتب تعدد خطوط التماس مع هذا الصراع في حالتي مصر والأردن فضلاً عن علاقات التحالف الاستراتيجية المهمة التي تربط الولايات المتحدة وأوروبا بالنخب الحاكمة في القاهرة وعمان، نتائج عكسية. إلا أن طبيعة الساحة السياسية في المغرب والكويت تقدم عنصراً إضافياً محفزاً للغرب على قبول الإسلاميين وعدم ممانعة مشاركتهم في تسيير الشأن العام، ألا وهو تنوع الفاعلين الرافعين للشعارات الدينية وغياب ظاهرة احتكار حركة واحدة لحق الحديث باسم الإسلام في السياسة كشأن مصر والأردن. ثم تضع خصائص البنية المجتمعية وحالة مؤسسات الدولة الرتوش النهائية على القراءة الغربية. فمركزية الانقسام الطائفي الشيعي - السني في البحرين وهشاشة الدولة اليمنية وما ينتجاه من خوف غربي على استقرار نخب الحكم الحليفة في البلدين، يحولان دون التعامل مع «الوفاق» و«الإصلاح»، على التوالي، كمعارضات طبيعية تشارك سلمياً في الحياة السياسية، في حين يدفع انهيار فاعلية مؤسسات الدولة في فلسطين ولبنان والعراق الولايات المتحدة وأوروبا إلى محاربة القوى الإسلامية المؤثرة هناك، خوفاً من التباس العسكري بالسياسي في بنيتها الداخلية ومن استئثارها بالساحة السياسية مع الإبقاء على قنوات غير رسمية للحوار معها اعترافاً بقوتها على الأرض.ما كان لبراغماتية الغرب الرسمي، أميركياً كان أو أوروبياً، بأن تسمح باستمرار التعميم والاختزال حين التعامل مع ملف الحركات الإسلامية في العالم العربي إلى ما لا نهاية!* أكاديمي مصري في مؤسسة «كارنيجي لدراسات السلام» - واشنطن