تتناول حال أسرة متوسطة من البدون رحلة شقا دراما جادّة تحترم المشاهد
رغم زحمة المسلسلات والتباين في المستوى الفني، ثمة من فرض نفسه على المشاهد بدءاً من الحلقة الأولى. ذلك جليّ للمتابع القادر على التمييز بين الغثّ والسمين. من الأعمال البارزة مسلسل «رحلة شقا» الذي يبثّ حصرياً على «قناة أبوظبي»، إذ استطاع لفت الأنظار بجدّيته شكلاً ومضموناً، بعيداً عما يتناوله بعض المسلسلات من أشكال الانحطاط والشقق المفروشة وما يدور فيها من دعارة وإدمان.
نجح مؤلف العمل، ضيف الله زيد، في اختيار موضوع مختلف ومن زاوية لم يتطرق إليها أيّ عمل درامي محلي أو خليجي، لناحية تسليط الضوء على فئة البدون. ينسج قصة قوية الحبكة لعائلة ثرية. يسجل رب الأسرة ابن زوجته فهد (سعد الفرج) من البدون في ملفّه كي يحصل على الجنسية ولفهد أخت غير شقيقة من والدته هي أم فايز (هدى الخطيب) كما لديها شقيقان من والدها: سالم (سيف الغانم ) وسليمان (ناصر كرماني) وليسا في الحقيقة قريبين لفهد.يقع فيصل ابن فهد (أسامة المزيعل) في حبّ ابنة عمه سالم، لكنه لا يعرف عن الحقيقة شيئاً إلا بعد اصطدامه بالواقع حين يواجه عمّيه سالم وسليمان طالباً حق والده من إرث جده، لكن «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن» إذ يكتشف أن والده ليس شقيقاً لهما ولا حقوق له.تتعقد الأمور حين يذهب الأخوان، سالم وسليمان، للإبلاغ عن فهد لسحب الجنسية منه ظناً منهما أن فهد يريد الاستحواذ على ميراث أبيهم كاملاً. هنا تنقلب حياة أسرة فهد رأساً على عقب فقد عرفوا كمواطنين كويتيين ثم أصبحوا فجأة من البدون. يطير المستقبل الوظيفي الذي كان في انتظار فيصل، بينما يعود شقيقه الأكبر عبدالله (عبدالله الباروني) الى البلاد قاطعاً دراسته للطب لتتبعثر الآمال والأماني المعقودة عليه. ويذهب شقاء والدهم أبو عبدالله مع الرياح العاتية. أما شقيقته الصغرى دلال (شهد) فتتمكن مواصلة دراستها الجامعية في الكويت بفضل عمتها.من ناحيتها، يلقون مساعدة من أم فايز عمة أبناء فهد صاحبة المال والثراء. لا تبخل عليهم، في حين ان سليمان الذي يمثل جانب الشر والحقد والمتسبب الرئيسي بضياع أسرة أبوعبدالله وإهانته لا يتزوج ويلازم منزل العائلة مع شقيقه الأكبر سالم المتزوج من ليلى السلمان ولديهما ابنتان مي وأمل. يتدخل في أمورهم ويضمر الحقد والكراهية لأسرة فهد مع زوجة أخيه.يخرج فيصل من بيت والده بعد أن صفعه أبوه، متجهاً إلى صديقه بو حربه (فيصل بوغازي) فيقيم عنده. يقرر الاعتماد على نفسه بحثاً عن الرزق في ظل الوضع الاجتماعي الجديد. يأخذ سلفة من ابن عمته فايز (عمر اليعقوب) للمضي في أول مشروع فيفشل ثم يقرر بيع البطيخ (الرقي) مع شريكه بوحربه فيحقق ربحاً. يستمر في العملية، ومصادفة يراه والده فيصطحبه معه إلى المنزل بعد غياب شهر كامل. يسافر سليمان فجأة للعلاج في الخارج ويتأخر. في المقابل تتحطم آمال عبد الله في دراسة الطب فيقرر البقاء للعمل، تعرض عليه عمته العمل في الشركة ويصبح سكرتيراً خاصاً لسالم فيعجب الأخير بتربيته الحسنة وحرصه على العمل. تعلم أم فايز بأمر شقيقها فتسافر رغم الخلاف الذي نشب بسبب فقدان فهد للجنسية. وتشاء الأقدار أن تقع أمل ابنة سالم في علاقة حب عبد الله وقبلهما شقيقتها مي وفيصل. يعود سليمان إلى الكويت ويرى ابن فهد في الشركة فيغضب وينتهز فرصة علمه بخلاف السكرتير(عبدالله العتيبي) مع عبدالله متهماً إياه بتعطيل سيارته إذ قام الأول بتجريح هيكلها وأراد إهانته مثلما أهان شقيقه فيصل بالأسلوب نفسه، لكنه فوجىء بقوة الرد من عبدالله الذي لم يسمح له باهانته فيتدخل سالم.يعلم فهد بما حدث فيذهب مسرعاً إلى بيت سالم لمواجهة سليمان بكل ما أوتي من قوة طالباً إياه عدم التعرض له ولأبنائه متسائلاً لِمَ كل هذا الحقد عليه. يجيبه سليمان بأسلوب احتقار مع نية طرده من المنزل فيواجهه سالم مؤكداً ما قاله عنه فهد بأنه حاقد وناقم على الجميع فيطرد سليمان من البيت. وتتلاحق الحوادث بطلب سليمان فك شراكته عن أم فايز وسالم وبنصيبه من البيت.حمل النص عدة مضامين وتميز بالتسلسل الدرامي ووفّق في رسم الشخوص الدرامية بابعادها المختلفة، وتواتر الحوادث والصراع الدرامي بين قوتين متضادتين، الخير والشر.خبرة وتمييزاللافت في المسلسل أداء الفنان الكبير سعد الفرج شخصية سائق التاكسي فهد أبو عبدالله وهو من شريحة البدون فرسم إبداعه كعملاق ورائد وكما يقال بالمصرية «أستذة». فعلاً إنها الخبرة التي تفوق 45 عاماً في مجال الفن إذ سحرت المشاهد بابداع صاحبها. بلى، هؤلاء الكبار مخلصون ومتفانون في عملهم وملتزمون باعطاء ما في جعبتهم من خبرة للمحافظة على رسالتهم ونجوميتهم.أما الفنانة هدى الخطيب أو العمة أم فايز فأعطت الدور حقه بإخلاص، والمفاجأة في الأداء المتميز لعبدالله الباروني الذي نشاهد له غير دور في مسلسلات رمضان مثل «الأصيل» و«شاهين».الى ذلك، أجاد أسامة المزيعل في شخصية الابن المندفع والمتهور الذي يفيق من غفوته ليعتمد على نفسه مقدراً المسؤولية. أما ناصر كرماني فيؤدي باقتدار دور الحاقد والناقم. ولم تتغير ليلى السلمان في أدائها إذ قدّمت هذه الشخصية في «الأصيل» و«عندما تغني الزهور».والمخرج الأردني إياد الخزوز صاحب أعمال درامية تثير المناقشات بعد عرضها مثل «دعاة على أبواب جهنم» و «سلطانة» و«هيك ومش هيك» وأفلام حملت توقيعه مثل «العالم مر من هنا». حصل على عدد من الجوائز في المهرجانات العربية ويتبع المدرسة البصرية التي تجمع اللغة السينمائية بالتقنية التلفزيونية والتنوع الرشيق في زوايا الكاميرا ولقطاتها.في «رحلة شقا» كانت تنقلات كاميرا المخرج تمر من موقع الى آخر بسلاسة. نقل المسلسل حال أسرة متوسطة من البدون في دراما اجتماعية حملت رسالة موجهة. نقول للشركة المنتجة «دالميتا» و«قناة أبوظبي» شكراً على المسلسل الذي احترم المتلقين.