المعجزات والتناقضات في مستقبل مجموعة الثماني

نشر في 20-06-2007
آخر تحديث 20-06-2007 | 00:00
قمة مجموعة الثماني لم تشهد أي معجزات حقيقية؛ بل إن مجموعة الثماني ذاتها أصبحت في حاجة إلى معجزة حتى لا تفقد أهميتها وثقلها.
 بروجيكت سنديكيت بعد مرور أسبوعين منذ التقى زعماء مجموعة الثماني في ألمانيا، مازلنا نشعر وكأنهم قد أتوا بمعجزة سياسية في هيليغيندام. فقد كان من المفترض في قمة مجموعة الثماني الأخيرة أن تنقذ ثلاثة أشياء: مناخ العالم، وأفريقيا، والعلاقة بين روسيا والولايات المتحدة.

لقد بدا الأمر وكأنه اجتماع لحكومة عالمية على شواطئ بحر البلطيق. ففي مواجهة الوحدة الأوروبية، تحول جورج دبليو بوش من آثم شرير يعمل ضد مناخ العالم إلى حامي حمى المناخ الذي ولد من جديد. والحقيقة أن بعض المراقبين ممن يتّسمون بالجرأة ينظرون إلى هذا التغيير الذي طرأ على موقف بوش باعتباره مؤشراً واضحاً لاضطلاع أوروبا بدور جديد في السياسة العالمية. إلا أن قمة مجموعة الثماني لم تشهد أي معجزات حقيقية؛ بل إن مجموعة الثماني ذاتها أصبحت في حاجة إلى معجزة حتى لا تفقد أهميتها وثقلها.

ولكن في أميركا البعيدة، وحيث الناس أكثر تديناً من أهل أوروبا القديمة، كان الإيمان بمعجزة هيليغيندام أقل انتشاراً. والحقيقة أن الأميركيين لم ينشغلوا كثيراً بهذه القمة. والسبب وراء هذا ليس فقط إلقاء القبض جهاراً نهاراً على باريس هيلتون، الشخصية المفضلة لدى الصحف الصفراء حالياً، بل يرجع ذلك أيضاً إلى أن التوقعات الوحيدة التي ينتظرها الأميركيون من الرئيس بوش الآن هي أن يكمل مدة ولايته فحسب. فبسبب عجز بوش الواضح، تصور الأميركيون أن هذه القمة غير قادرة على اتخاذ أي قرارات حقيقية.

ما الذي تقرر في هذه القمة إذاً؟ فلنبدأ بالقرار الذي اتخذته الدول الأعضاء في مجموعة الثماني «بالتفكير جدياً» في تقليص معدلات انبعاث الغازات الضارة على مستوى العالم إلى النصف بحلول العام 2050! إن هذه المدة الطويلة تعد دهراً في عالم السياسة. ومن المفترض أن هذه التسوية جاءت نتيجة لمفاوضات عسيرة. ولكن إذا ما ترجمنا القرار إلى لغتنا اليومية فلسوف نجد أن «التفكير» أو حتى «التفكير جدياً» لا يعني شيئاً سوى «التأجيل».

ذلك أن ما حدث في واقع الأمر أن الرئيس الأميركي، سواء قبل القمة أو أثناء انعقادها، نجح في تقويض أي محاولات لتحديد أهداف كمية يمكن قياسها، ورفض التعهد بأي التزامات قوية. وعلى هذا فلم يتبق في النهاية سوى الاختيار بين عدم القيام بأي شيء أو اتخاذ قرار «جدي» بتأجيل اتخاذ القرار. ويبدو أن هذه هي حال المؤتمرات الدولية في بعض الأحيان.

وعلى هذا، فمن المؤسف أن نعترف أن إسهام أوروبا في تحول الرئيس الأميركي بشأن تغير المناخ كان محدوداً للغاية. ذلك أن حال اليقظة التي ألمت بالرئيس بوش ترتبط على نحو واضح بتغير المناخ السياسي في الولايات المتحدة، حيث أصبحت مسألة تغير المناخ تشكل قضية حقيقية. بل نستطيع أن نقول إن المواقف التي اتخذها آل غور وحاكم كاليفورنيا آرنولد شوارزنيغر كانت أكثر إسهاماً من جميع الجهود التي بذلها زعماء أوروبا مجتمعين في تحول موقف بوش.

الحقيقة أن موافقة حكومة الولايات المتحدة على التفاوض فيما يتصل بعقد معاهدة جديدة خلفاً لبروتوكول (كيوتو) في إطار الأمم المتحدة، لا تشكل إشارة إلى تحقيق تقدم حقيقي. وذلك لأن أعضاء كل من الحزبين في كونغرس الولايات المتحدة ما زالوا يكررون نفس العبارة السحرية القديمة: «لن يتم أي شيء بدون تعاون الصين! وهذا الموقف لن يتغير بعد الانتخابات الرئاسية القادمة».

تتضح المشكلة حين نقارن بين حصة الفرد في الانبعاثات الغازية في الولايات المتحدة وحصة الفرد في الصين. فقد تكون الصين ثاني أضخم جهة مسببة لانبعاث غازات الاحتباس الحراري، طبقاً للأرقام الإجمالية (بعد الولايات المتحدة)، إلا أن حصة الفرد في الصين في انبعاث هذه الغازات ما زالت أقل كثيراً من حصة الفرد في الولايات المتحدة. والحقيقة أن محاولة الولايات المتحدة، صاحبة أضخم اقتصاد والمتسببة في أكبر قدر من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري على مستوى العالم، أن تتخفى خلف أضخم دولة ناشئة حين يتصل الأمر بالسياسة المناخية، لهو أمر لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل العالم.

وقضية تغير المناخ ليست المنطقة الوحيدة التي يبدو أن قمة الثماني لم تحقق فيها إنجازات ترقى إلى مستوى المعجزة. فأثناء الإعداد للقمة، أعلنت ألمانيا أنها تعتزم زيادة مساعداتها الأجنبية إلى أفريقيا بحوالي 700 مليون يورو. وكانت هذه هي الخطوة الوحيدة الثابتة التي تستحق الثناء. ولكن فيما عدا ذلك فإن قمة مجموعة الثماني الأخيرة لم تسفر إلا عن إعادة التأكيد على القرار الذي اتخذ منذ عامين في غلين ايغلز باسكتلندا. أي أن أفريقيا لم تحصل في حقيقة الأمر إلا على المزيد من الخطب الرنانة. ومن المؤسف أننا لا نرى ما يشير إلى أن تكرار نفس الوعود الفارغة قد يؤدي إلى أي تغيير.

لا نستطيع أن نحمل الرئاسة الألمانية لقمة مجموعة الثماني هذا العام المسؤولية عن الوضع الحالي. ولا نستطيع في ظل الظروف الحالية أن نرى كيف كان من الممكن أن يتحقق أي قدر إضافي من الإنجاز، نظراً للظروف السياسية الداخلية التي تمر بها الدول المشاركة في القمة.

هذا يعني أن النتائج التي توصلت إليها القمة لم ترق إلى مستوى المعجزة بأي حال من الأحوال. وما يستحق الاهتمام بالفعل في قمة هيليغيندام ليس القرارات التي اتخذت من قِـبَل أي حكومة عالمية مزعومة، بل إنه ما تأكد لنا من أن أيام مجموعة الثماني أصبحت معدودة، كما يبدو.

لقد أصبحت الصين والهند اليوم أشد أهمية من بعض الدول الأوروبية الأعضاء في مجموعة الثماني، على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ويتعين على الأوروبيين أن يدركوا أن وجهة النظر هذه تنتشر في جميع أنحاء العالم، وبصورة خاصة على الجانب الآخر من الأطلنطي.

ولقد جاء سلوك الرئيس بوتين أثناء القمة معبراً بوضوح عن رأيه في الأوروبيين؛ فهو يرى أنهم لا يشكلون قدراً كبيراً من الأهمية. فبينما كان الأوروبيون يحلمون بالاضطلاع بدور الوسيط بين الولايات المتحدة وروسيا، كان الرئيس الروسي قد عقد العزم على التوصل من خلال المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة إلى حلول للمسائل المتعلقة بنظام الصواريخ الدفاعية الأميركية ومسألة كوسوفو.

وكما كانت الحال في أيام الحرب الباردة، فإن روسيا تود لو تجلس مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات بمفردها مع أميركا. أما الأوروبيون بانقساماتهم وضعفهم فإنهم لا يشكلون أي ضرورة في نظره، بل وربما يعتبرهم مصدراً للإزعاج أيضاً. وإذا ما استمر الأوروبيون في نثر بذور الضعف والفُـرقة فيما بينهم، فقد تصبح أوروبا بلا أهمية تُـذكر في الأجندة الدولية.

لقد انتهت قمة مجموعة الثماني لهذا العام. وفي ديسمبر المقبل سوف تتخذ الأمور منعطفاً في غاية الجدية. فمن المقرر أن يجتمع وزراء البيئة من جميع دول العالم في بالي لحضور مؤتمر المناخ المقبل الذي تنظمه الأمم المتحدة. وآنذاك فقط سوف نتيقن ما إذا كانت المعجزة قد حدثت في هيليغيندام أو ما إذا كانت القمة الأخيرة مجرد «مسرحية سياسية» أخرى.

يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا ونائب مستشارها الأسبق- أحد زعماء حزب الخضر لما يقرب من عشرين عاماً، ويعمل الآن أستاذاً زائراً لكلية وودرو ويلسون في جامعة برينستون.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top