غلاء وازدحام ... ظاهرة عالمية

نشر في 06-03-2008
آخر تحديث 06-03-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي

هناك مشكلتان شديدتا الوضوح يلمسهما الجميع؛ الزحام المروري والغلاء. يتذرع بعض المسؤولين بأنها «ظاهرة عالمية». وهنا أقول لهم إن لدينا وضعاً مختلفاً بالطبع لأن مشكلتنا من صنع أيدينا، ونتاجاً لسوء الإدارة بلا شك، والقول إنها «ظاهرة عالمية» لن يغير من كوننا عاجزين عن حلها، فمن الأفضل أن يفسح بعض المسؤولين، القابعين في مراكزهم منذ دهور، المجال لغيرهم، لعل الحل يكون على أيديهم!

حين يعجز الإنسان عن أداء مهمة توكل إليه، فإنه يبحث أحيانا عن عذر مقنع يبرر عجزه، فإن لم يجد عذراً مقبولاً، سيعزي حينها نفسه ومَن اعتمد عليه بادعاء أن الفشل كان فشلاً عاماً شمل الجميع، وأنه ليس الوحيد الذي لم يستطع إنجاز المهمة، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، كالطالب الذي يرسب في المدرسة، فيخبرك بأن أغلب الطلبة قد سقط مثله، متبعا استراتيجية «حشر مع الناس عيد» ولكن على طريقته الخاصة!

ويبدو أن بعض المسؤولين الحكوميين، قد وجد في مصطلح «ظاهرة عالمية»، مخرجاً لكثير من الأخطاء التي تخصه، ففيه العذر لأي فشل يسقط فيه، ولذلك صرت تراه يردده كثيراً، لأنه على ما يبدو يخلصه من بعض المواقف المحرجة، حين يُسأل عن الحلول التي وضعت لمشكلات في نطاق اختصاصه، فيكون الرد الذي يمثل طوق النجاة له، أن هذه المشكلة «ظاهرة عالمية»!

فمثلا حين يكون الحديث عن الزحام المروري اليومي، والحلول التي أعدها المسؤولون لحل المشكلة، يأتي الجواب من أحدهم، وعلى وجهه ترتسم ملامح الجد والحزم كلها، إن الازدحامات المرورية هي «ظاهرة عالمية» يعانيها كثير من الدول، ثم يقدم لك حلولاً لا تقدم ولا تؤخر، لو سألت شخصاً عادياً لأعطاك مثلها وأفضل!

وحين يُسأل آخر عن الإجراءات التي اتخذتها وزارته لمشكلة غلاء الأسعار، التي تطحن المواطنين والمقيمين على حد سواء، يقول لك بثقة كصاحبه، وكأنه يخبرك لب المشكلة وحلها في آن واحد، إن غلاء الأسعار هو «ظاهرة عالمية»!

والحقيقة أن جميعنا يعلم أن الزحام المروري وغلاء الأسعار، يعتبران من الظواهر العالمية، فلا جديد في الأمر، ولكن.. هل الظروف التي أدت إلى جعلهما ظواهر عالمية موجودة في الكويت؟ وهل من المنطقي أن يكون لدينا هذه الظواهر والمشاكل؟ وهل كون المشكلة عالمية، يعني أن ليس هناك حل لها لدينا؟!

لنستعرض الأمور بنظرة واقعية، ونقارن وضعنا بأوضاع الآخرين، فبطبيعة الحال هناك الكثير من الدول تعاني الازدحام المروري، لكن هذا الازدحام يكون محصوراً بالعاصمة والمدن الكبيرة فقط، حيث الكثافة السكانية العالية، التي تصل أحياناً إلى عشرات الملايين من البشر، وله أوقات ذروة معروفة بالساعة والدقيقة، وقت ذهاب وعودة الموظفين من وإلى أعمالهم، وقد استنفذت هذه الدول الحلول جميعها لحل المشكلة، حسب الامكانات المتاحة لكل دولة، من بناء جسور وتوسعة شوارع، وتوفير وسائل النقل الجماعي الحديثة من قطارات ومترو أنفاق وغيرها!

أما الزحام الحاصل عندنا، فهو غير مبرر على الإطلاق، فمدننا ليست كثيفة السكان، كبانكوك أو القاهرة أو حتى الرياض، وزحامنا يأتي في الأوقات كلها، وفي شتى المناطق والطرق كافة، وليس له وقت للذروة، فأوقاتنا كلها ذروة، لأن شوارعنا الرئيسية على حالها منذ الغزو، والدولة لم توفر وسائل نقل جماعية معتبرة، ورخص القيادة تمنح للجميع وبسهولة، والوعي المروري ضعيف للغاية.

لدينا وضع مختلف بالتأكيد، فمشكلتنا من صنع أيدينا، ونتاج لسوء الإدارة بلا شك، والقول إنها «ظاهرة عالمية» لن يغير من كوننا عاجزين عن حلها، ومن الأفضل أن يفسح بعض المسؤولين، القابعين في مراكزهم منذ دهور، المجال لغيرهم، لعل الحل يكون على أيديهم!

صحيح أن غلاء الأسعار ظاهرة عالمية يعانيها الكثير من الدول، لكن تجار هذه الدول وضعهم مختلف عن تجارنا، فهم يدفعون ضريبة دخل للدولة، لا تقل في كثير من الأحيان عن 50 في المئة، وجمارك تتجاوز أحياناً الـ100 في المئة، ويأخذ العاملون هناك أجوراً مرتفعة، لذلك فالتاجر معذور إن رفع السعر. أما هنا في الكويت فلا يدفع التجار أي ضرائب، ويدفعون للجمارك نسبة رمزية، وكثير منهم يوظف العمالة الرخيصة، ومع هذا فالأسعار لدينا تجاوزت أسعار تلك الدول في كثير من السلع الغذائية على وجه الخصوص!

المشكلة إذن ليس في كونها «ظاهرة عالمية»، بل في عدم التعامل السليم مع بعض التجار الجشعين، وترك الأمور سائبة لبعضهم ليمتص دماء الكادحين!

back to top