الوجه البشع من صناعة الخطف!
كانت لعبة تشاد، في الخامس والعشرين من أكتوبر من عام 2007، هذه المرة مع 103 أطفال أُحبطت عملية تهريبهم في اللحظة الأخيرة، لكن الرقم المستهدف هو عشرة آلاف طفل.وصف بعض كتاب الأعمدة القائمين بعملية تشاد بـ«قناصي الأطفال»، المتهمة بها جمعية خيرية تدعى، «أرك زو» الفرنسية الصنع، كجمعية خيرية تحمل علامات فارقة ومشبوهة ككل العلامات التجارية المغشوشة، التي تبحث في سوق النخاسة عن سلعة اسمها بيع العبيد في الألفية الثالثة، وهذه المرة تتحفنا الجمعية المذكورة بتخصص يهتم بتهريب الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وعشر سنوات.ما يقال في الأعمدة والمقالات عن تلك الجمعية من نعوت قليل، إذا ما ربطناه بفعلها المخزي الذي حدث في حاضرنا المعاصر، الذي بات مهتماً بكل صغيرة وكبيرة متعلقة بحقوق الإنسان وكل ما يتعرض له من انتهاكات مشينة. ربما أفضل العناوين وأبسطها كان عنوان «أوغاد في تشاد» وهذا أبسط لقب وُصِموا به، فكيف تمّت مسرحيّة هذا الفعل المشين؟! نحن بحاجة إلى سماع أقوال كل الرواة حول تلك العملية التي يندى لها جبين كل ضمير حي:الرواة كثيرون: الضحايا أنفسهم، العائلات، الدبلوماسيون، الجهات الرسمية في تشاد والسودان، المنظمات الرسمية العالمية ورموزها وممثلوها في الأمم المتحدة، شخصيات تعمل في المنظمات غير الحكومية، محامون ورجال أمن وقضاة وقانونيون، وأشخاص وقعوا ضحايا اللعبة، إذ اعتقدوا أنهم يشترون أطفالاً شرعيين بهدف التبني الإنساني، باعتبار أن أولئك الأطفال هم يتامى وضحايا حرب، فكانت الصفقة مفيدة للطرفين: الباحثين عن التبني وأطفالاً مخدوعين تم اصطيادهم بالشكولاته والبسكويت وأحلام المدرسة ووعود تناسب الصغار، وأخيراً عصابة متورطة، حبكت لعبتها بسيناريو جيد لأنها تعرف مخارج الحروب الأهلية ومداخلها وما تفرزه من مخيمات اللجوء. فأفرزت الحرب في دارفور والعنف بين المعارضة والسلطات في تشاد، مخيمات عديدة بلغت 230 ألف لاجئ وفق الإحصاءات الرسمية، وصاروا 180 ألفاً بعد أن نشبت أعمال عنف داخلية بين أولئك اللاجئين ونصفهم من الأطفال، فكان ذلك الوضع فرصة جيّدة لمن يودّ اصطياد البشر الصغار، وهم هاربون في البراري الرمليّة والقاتلة بالعطش والجوع والمرض. وتحتفظ شرق تشاد المحاذية للحدود السودانية بقرى صغيرة قريبة من مدينة «أدري وتين» من الحدود التشادية القريبة مع حدود السودان. بعد قنص الأطفال وخداعهم نقلوا إلى أبيشي مسرح الحدث وكشف الجريمة، ومارس المتورطون أكاذيبهم، عندما قالوا للإعلام إنهم يمتلكون تصريحات شرعية من السلطات التشادية، ولكنهم في قاعة المحكمة لم يستطيعوا إظهار أي ورقة تدلل على ادعاءاتهم الكاذبة، وبقدر ما كذب المتهمون السبعة على السلطات التشادية، فإننا لا نستغرب وجود خيوط أخرى ممتدة، إذ لا بد من أشخاص أُخفيت الحقيقة عن دورهم، وهم يتربعون على قيادة منظمات دولية متخصصة في تهريب البشر، وقد كانت لعبة تشاد، في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام 2007، هذه المرة مع 103 أطفال أُحبطت عملية تهريبهم في اللحظة الأخيرة، لكن الرقم المستهدف هو عشرة آلاف طفل، وحدث ذلك عندما هبطت طائرة جارتر في مطار أبيشي لانتظار نقل «أطفال مخطوفين» تحت غطاء منظمة تدّعي أنها تنقذ الأيتام وضحايا الحروب، فأثار ذلك الادّعاء الكاذب كل المنظمات الدولية ابتداء من منظمة «أنقذوا الأطفال» ومنظمات مثل الصليب الأحمر ووكالات غوث اللاجئين واليونيسيف إلى جانب منظمة مكافحة الجريمة والمخدرات التابعة جميعها للأمم المتحدة ولديها ممثلوها ولجانها الشرعية، وجميعهم قالوا الكثير عن تلك الفعلة وأدانوها بقوة، إذ ليس الرئيس الفرنسي وحده من حاول إنقاذ ماء الوجه لتورط مواطنيه، فجميع الاتهامات صبّت لعنتها على أولئك الذين أخفوا المعلومات عن فعلتهم المرتبة جنائياً، فهم استأجروا الطائرة الجارتر المسجلة في برشلونة من شركة «غيرجت» لجمعية خيرية فرنسية عبر وسيط سمسار، لهذا كان طاقم الطائرة إسبانيّاً ما عدا واحداً هو الطيار البلجيكي، وكان القانون معهم، فهم وفق القوانين والإجراءات معنيون فقط بنقل الركاب، وبشروط الإقلاع والهبوط المصرح به رسميّاً من السلطات المحلية كالجوازات والجمارك والطيران المدني، فكل طرف يفحص معاملات محددة. أما البقية وعددهم 9 فكان أحدهم المصور الفوتوغرافي والصحافي مارك غارمريان لوكالة «كابا التلفازية» مع زميله «جين دانيال غيلو» المصوّر في «وكالة سنكرو أكس»، وكانت مهمتهما تغطية حدث وإنجاز مهني بدا مأساوياً، وبقيت جوانب من الصعب إثباتها –فالتحقيق جار- مثل مدى تورط الصحافيين في مهمة من الصعب معرفة خيوطها، لهذا كان من الأسهل نقلهما مع السبعة في الطائرة الجارتر، فقد سهلت الجوانب القانونية مهمة الرئيس ساركوزي، وظلّ السبعة رهن الحجز، من طاقم كان عدده 16 شخصا ينتمون إلى ثلاث جنسيات أوروبية، هي فرنسا وبلجيكا وإسبانيا. وستكون أوضاع الصحافية ماري بيلران من بين السبعة المتورطين في سوق النخاسة هذا صعبة، كونها غامرت في اللعبة بمهمة شخصية كما أكد مدير المحطة التلفزيونية التي تعمل فيها « تي في 3 مدتريان». ربما خدعت أو دفعتها روح المغامرة من أجل سبق صحفي لمادة تلفزيونية، وإن كانت مرتبطة مهنياً بمحطة صغيرة غير قادرة على دفع حتى مصاريف المحامي، أو تم إغراؤها بمبلغ مجز في لعبة كانت تجهل أبعادها، بينما المتورطون في الجريمة كانوا يدركون أن الطاقم الصحافي غطاء جيد في اللعبة، فقد كانت ماري تقوم بتصوير أعضاء «أرك زو» في عمليتهم كاملة... من هنا كان الفيلم المصور مغرياً للبيع لاحقاً لمحطات تلفزيونية تدفع بشكل مجز لجمعية خيرية تنقذ أطفال العالم اليتامى ضحايا الحروب!! * كاتب بحريني