الشيخ محمد الراوي لـ الجريدة: كثرت الفتاوى عندما كثر الفساد
يعد الشيخ محمد الراوي، العالم الإسلامي الجليل والعضو في مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ في جامعة الأزهر، من المفكرين الإسلاميين المستنيرين، فهو صاحب فكر خصب، يمتاز بشفافية عالية في رؤيته لكتاب الله.
ومن أكثر المعاني التي حرص على ذكرها الشيخ الراوي كأساس في العلاقة مع الله هي تربية الفطرة الإنسانية على محبة الله والقرب منه، وعدم التصنّع أو التحضير أمام الناس لإظهار تلك العلاقة على أحسن ما تكون، مشيرا إلى منهجه الحياتي الذي يسير عليه في علاقته مع الله من خلال الحوار الذي أجرته معه «الجريدة» في القاهرة:• ما مفهوم الجهاد وكيف ترى فقه القتل والقتال؟- الجهاد هو نصرة حق ولو كان مع غيرنا وإزهاق باطل ولو كان منّا، فالجهاد شرعه حق وعدل لإنصاف المظلوم وردع الظالم حتى لو كان المظلوم غير مسلم وكان الظالم مسلما، ومع بالغ الأسى أن أمة الإسلام تخلت به وتركت هذه الفريضة خوفاً من وصفها بـ«الإرهاب» وسكتت عن ذلك سكوتاً مؤسفاً مضلاً وانشغلت بالدنيا التي افتتحت، والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «أخشى أن تفتح عليكم الدنيا» ففتحت فدمرت كثيراً من النفوس ولم تحقق فينا براً ولا إنصافاً.• هل الشباب الآن مفتقد لقدوة إسلامية صحيحة، أم ماذا؟- بعدما أرسل لنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ القرآن، وأبقى فينا النبي (صلى الله عليه وسلم) هل ينتظر الشباب شيئاً آخر، هذا هو السبيل ولا سبيل غير ذلك، إن خير قدوة للناس أجمعين هو المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ثم إن اتبع الشباب عالماً أو زاهداً أو رئيساً إلى ما غير ذلك، من يتبع هؤلاء ألن يتبعوا نهج الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) ألن يتخذوه قدوة لهم، إذاً في الأصل في اتباع القدوة والمثل هو النبي (صلى الله عليه وسلم) النبي هو أحق من يتبع ويقتدي به وليس غيره، وهذا الأمر أيضاً يهم شبابنا ما يؤدي بشبابنا على الفرقة، فأنا أدعوهم أن يتخلوا عن كل هذه الفروع وأن يعودوا إلى الأصل ويلتفوا حول محمد الأمين (صلى الله عليه وسلم).• ماذا عن كثرة الفتاوى التي تخرج على الناس كل يوم؟- في البداية أحب أن أسجل موقفي من كثرة الفتاوى التي تشهدها الساحة الدينية الآن، وهو الرفض، أنا غير مؤمن بكثرة الفتاوى، وذلك لأن الفتاوى كثرت عندما كثر الفساد، ولقد رأينا أن أبا بكر الصديق في مدة خلافته قد ولى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أمر القضاء، فجاء إلى أبي بكر بعدها بعامين وقال: «يا خليفة قد وليتني أمراً لم يأتني فيه أحد». وهذا خير دليل على معرفة أهل هذا العصر بالحلال والحرام معرفة جيدة، أما الآن فانظر كيف تسير الأمور، الناس تستفتي في كل كبيرة وصغيرة، هامة وغير هامة، وأنا أعول كثرة الفتاوى هذه الأيام على كثرة الفساد، وأدعو الشباب مرة أخرى بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم). • ما الأساس في العلاقة بينك وبين الله؟- علاقتي مع الله أساسها فطري، لأنها تعتمد على حبه عز وجل، فلا أستطيع القول بأن لدي أسلوبا معيناً، وأعني بذلك أنني أذكره ذكر ما لا أنساه، وأجعل ما داخل نفسي لله أكثر من خارجي، وأجعل من علاقتي معه سبباً في الخروج من أي أزمة تعترضني، لدرجة أنني عندما يصيبني ضيق وأتذكر الله عز وجل يذهب هذا الضيق عني وحبي لله هو حب العبد لربه وهو الحب الذي له تأثير في كلامي قد يشعر به السامع، فأنا أحب الله حب عبد بحاجة إلى الله تعالى دائماً، والقرآن له فضل كبير في توجيهي لهذا الحب عن طريق اتباع تعاليمه في كيفية العلاقة مع الله.• هل تعتقد أن المرأة وصلت إلى الحرية التي أرادها لها الإسلام؟- لو عرفنا كيف كرم الإسلام المرأة، لأدركنا أنها لم تصل إلى الحرية بعد، رغم كل مشاهد الحرية المزينة التي نشاهدها الآن، ووصول المرأة إلى الحرية التي أعنيها، هي اقتدائهن بأمهات المؤمنين، أنظر ماذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أم عمارة في غزوة أحد، قال: «ما تلفت يميناً أو شمالاً إلا ورأيت أم عمارة تدافع عني»، فأين نساء اليوم من ذلك؟ أليست هذه حرية أن تقاتل المرأة بجانب الرجل أم أن الحرية هى قتال الرجل للرجل بسبب فتنة المرأة، أرجو أن تراجع كل مسلمة موقعها من نساء بيت النبي (صلى الله عليه وسلم).• ما القضية التي تشغل بالك دوماً وتبحث لها عن حل؟- ما يشغل بالي بالليل والنهار، وأحلم أن يتحقق هو أن أرى عز أمتنا، وعز أمتنا هو الإسلام، هو السلام الذي يعم الأرض ويكسوها العدل بين الناس، وحفظ الدماء والأعراض والأموال، وكل هذا لن يتحقق إلا إذا تحققت لأمتنا العزة، لأن الإسلام فقط ولا شريك غيره، هو القادر على إرساء هذه المبادئ السمحة الجميلة. منذ سنوات كنت ذاهبا لأصلي العصر في مسجد الحسين ـ رضى الله عنه ـ وكان يجلس بين الناس رجل هرم كبير في السن وفجأة اسرع نحوي وارتمى في أحضاني وقال لي وهو مبحوح الحس «اللهم أرني عز أمتي قبل أن تقبضني» وأنا أحلم الحلم ذاته.• من أكثر الأشخاص الذين أثروا في حياتك وفي علاقتك مع الله؟- كان هناك رجل يدرس لنا التفاسير وأنا صبي، وكان هذا الرجل يحب القرآن كان اسمه الشيخ هاشم، هذا الشيخ كان إذا قرأ نفهم منه القرآن، وكنت أقول له عقب قراءته للقرآن: لا تفسر وإنما يكفي أن نسمعك، فكان إذا قرأ كان الطلاب يستشعرون الخشوع إلى الله، ولذلك كأنك هو في القرآن المثل الأعلى، وقد كنت أناقشه كثيراً حتى أتعلم منه، وهو الذي نصحني بألا أترك القرآن، وكان هذا من الأسباب التي دفعتني إلى دخول كلية أصول الدين، وتمسكت بتعلم علوم القرآن، لذلك سيظل للشيخ هاشم في نفسي مكانة كبيرة أظل أذكرها طوال حياتي.• ما شعائرك اليومية في رمضان؟- شعائري في رمضان لا تختلف كثيراً عن شعائري طوال العام، وذلك لأن رمضان في نظري لا يقيم بيننا ثلاثين يوماً وإنما يقيم رمضان بيننا العمر كله، لذلك كان رمضان زاداً لنا في جميع حياتنا نستمسك بفضائله وجوده وكرمه طوال أشهر السنة، ولذلك فأنا دائم الشعائر الدينية سواء كانت في رمضان أو غير رمضان وهذه الشعائر علاقات خاصة أقيمها بيني وبين المولى ـ سبحانه وتعالى ـ منها ما هو معلوم كالصلاة والصيام ومنها ما هو ليس بمعلوم.