سوق الحريم... بسطات متهالكة تبحث عن الحياة

نشر في 23-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 23-10-2007 | 00:00

دخلنا سوق واجف، تحديداً سوق « الحريم» لنجد السوق مختلفة. لا نساء يفترشن الأرض ولا أصوات صاخبة تضج بها السوق. لا بسطات إلاّ تلك المتهالكة من الخشب، تعلو سطح الأرض، مهجورة ومغطاة بقطع من « الطربال». غابت النسوة المواطنات لتحل مكانهن آسيويات مرتديات العباءة والبرقع مرحّبات «هلا هبيبتي تفدلاي» ليبقى السؤال: أما زال سوق الحريم موجوداً؟ هل حافظ على هويته؟ أما زالت ثمة نساء كويتيات يبعن الحناء و«الديرم» ؟

إنتظرنا أم فريد وأم سمير (السيدتان الكويتيتان الوحيدتان الباقيتان في السوق)، لكن حرارة الطقس قد تكون سبباً في عدم حضورهما باكراً نظراً إلى كبر سنهما. تملك أم فريد، أعانها الله وأطال في عمرها، بسطة في السوق منذ نحو ستين عاماً بحسب زميلاتها، وهي الوحيدة التي عاشت تلك الحقبة الجميلة من الزمن وشهدت انتعاش هذه السوق. مللنا الانتظار فآثرنا التجوال في السوق نلملم آخر ما تبقى من تراثنا.

اقتربنا من بسطة أم علي الواقعة في منتصف السوق. بادرناها بالسلام لتردّ علينا قائلة «تفضلوا ... تفضلوا، حنة براقع شيلات كل شي موجود». أوضحنا لها الهدف من الزيارة، أي أننا نود إجراء لقاء معها عن السوق. رمقتنا بنظرة حزن وردت علينا بتنهيدة كادت تعصف بنا وبالمكان نظراً إلى الحال التي وصلت إليها السوق. قالت: «لم تعد السوق هي السوق. كل شي تغير وين زمن أول وحريم أول الكل راح بقينا إحنا والباجي كلهم أجانب. السوق تحتضر. لا منقذ لها من الاندثار»، مؤكدةً أن برقعها هو الشيء الوحيد الذي استطاعت الحفاظ عليه من السوق القديمة وبعض الذكريات الجميلة التي جمعتها برفيقاتها اللواتي منّ الله عليهنّ بالخير الوفير ورحلن.

سألناها عن الحال وعن البيع، قالت: «الحال شحيحة، أنتظر الزبائن على أمل أن يكون البيع أفضل من الأمس، لكن الحال هي الحال، في السابق كنت أبيع الدراعة بأسعار جيدة، لكن اليوم لا أحد يقبل لشرائها. تزدهر السوق فحسب في الأعياد والمناسبات مثل القرقيعان وسواها من المناسبات التراثية. لا إقبال على الحجر والمشط والحناء والكحل فالنساء أصبحن يفضلن «الحمرة» على «الديرمه»، كما أن الأجنبيات، خاصة الآسيويات، اكتسحن السوق لينافسننا في رزقنا، يبعن السلع والمنتجات الهندية وأشياء أخرى من دون رقابة من المسؤولين. أساء وجودهم إلى السوق صنيّع هويته التراثية». مضيفة: «وعدونا منذ زمن بترميم السوق لكننا لم نر شيئاً. نود أن يعود إلى سابق عهده. نفترش الحصير ونبيع تراثنا الجميل فتعود الحياة إلى سوق «الحريم» وتزدهر».

ما إن انهينا الحوار باحثين عن أخريات حتى سمعنا أم علي تقول بنبرة عليلة: «يا ريت الكويت ترد مثل أول ويرد الأمان اللي فقدناه».

سوق متهالكة

تؤكد الصوماليتان أم محمد وأم أحمد ما أسلفته أم علي، قالتا: «نحن هنا منذ قبيل الغزو العراقي على دولة الكويت وما زلنا حتى اليوم. تغيرت الحال ولم تعد السوق كما كانت. كثيرات من زميلاتنا اللواتي سبقننا في المهنة، منّ الله عليهن بنعمه واستغنين عن البسطة، لتحلّ مكانهن الآسيويات والنيباليات المفتقرات إلى اصالة المهنة. جميعهنّ يبعن السلع الهندية ما أفقد السوق تراثها الأصيل ليحل الساري مكان الدراعة و«البخنق». قد يحلّ ترميم السوق المشكلة، لأنها متهالكة وتحتاج إلى التعديل، كي يعود الإقبال عليها إلى سابق عهده».

ترجح أم بدر (صاحبة بسطة) أن قلة الإقبال على السوق تعود إلى انتشار الأسواق الشعبية والمجمعات التجارية وإلى عزوف الفتيات عن ارتداء الثياب التقليدية وإتباعهنّ الموضة العصرية.

مقاطعة هندية

يقول أبو خالد (55 عاماً) وهوأحد رواد السوق: «في السابق حين كنت أدخل السوق كنت أشعر بأنني في الكويت، أما اليوم فأشعر بأنني في مقاطعة من مقاطعات الهند. النساء رحلن ولم يعد ثمة من يباشر السوق. البضاعة اختلفت ولم تعد السلع كويتية. يا للأسف، لم يولِ المسؤولون السوق أيّ اهتمام»، مضيفاً: «أرجو من المسؤولين أن يسارعوا إلى المحافظة على ما تبقى من التراث كي لا يندثر. للأجيال المقبلة الحق في أن تتعرف إلى تراثها الكويتي وتلمسه بدلاً من أن تتعرف إليه عن طريق الكتب والمواقع الإلكترونية».

back to top