المأخوذ بالقمر

نشر في 18-07-2007
آخر تحديث 18-07-2007 | 00:00
 فوزية شويش السالم الضباب المتصاعد من الوادي. يتفشى فوق النهر والمباني. يتصاعد طبقات من كتل هشة سائرة يتراكم بعضها فوق بعضها. تلف الجبال والغابات، تحجب الرؤية عني. ينفلش البياض غطاء على المشهد كله. يداهمني في شرفتي. يحط على السور. المقاعد. الطاولة. وعلى تنورتي ويدي.

برودة قشدية تحيطني. تغلفني لفائف من دخان نقي محمل بعبق الأشجار وعرق النهر وانفاس الليل القادم. أمتلئ لحافتي بعذوبة محلاة بشجن يقطر في أعماقي أحاسيس مبهمة. نداءات سرية من نسيج محاك في غموض. ماض. أمكنة. ناس. حكايات ذابت في نهري الجارف. يبرق شيء منها على طرف لساني. اتحلب بريقي. أحاول قطفه بسرعة. يروغ بشكل مبهم بين أوصاف عديدة. ومعان غير محددة. أحاول اصطياده بشحذ الذاكرة وإشعال الاحساس.

ما هو يا ترى هذا الشيء المعذب؟ الذي تحسه بالروح وبالعقل وبالجسد وجميع الحواس تستحضره ولكن لا تقبض عليه.

شيء قريب جدا وبعيد جدا. ربما غائر في بعده أكثر مما أتصور احفر واحفر ولن أصل إلى مائي. سوى هذا الضباب المتراكم طبقات أمامي وحولي وفوقي. أعوم في سديمية لا أرى نفسي. بريق الحباحب المضيئة يحيط برأسي ويمرق كنجوم وسط حليب بارد. أشعر بالبرودة وباضطهاد الغاز معتمة. انسحب إلى الداخل بحنين لا يفرج عنه. استلقي على السرير. ومحاولة أخرى.

ما هذا الذي له حضور ولا نقبض عليه؟ يتملص في الغياب واحساسه في فمي.

يا الله. لطالما تداهمني هذه المشاعر الغامضة. تبرق واركض خلف بريقها المتواري في دهاليزي السرية. اطاردها وتطاردني. تتركني غير مقبوضة مني.

مثل خيال هذا القمر الراشح من الستائر الشفافة. يداهمني كفكرة تستولي عليّ. تشدني اليها، تجذبني من سريري. أنهض، تسحبني الى الباب. أخرج خلفها الى الشرفة الغارقة بضوء القمر. البدر المكتمل. الفائض في حضوره. يسكب بهرجته على البيوت والغابات وليل المدينة الساكن، بعد ان بدد الضباب وأناب سلطته. فردها وبسطها بقوة الأسر.

قوة تستحوذ عليّ. تأخذني مني.

قمر رهيب.كامل في سطوته. قمر مغرور في زهوة. يتوارى بين الجبال ويخرج. يسحب الضوء إكليلاً خلفه. يواصل اللعب. فن الاحتجاب والحضور. لعبة العتمة والنور.

النور الأخاذ الساطع. البارد يشدني نحوه. يناديني. يجذبني. يأتيني صوت من الداخل. انه هو. ذاك المتملص. ما تبحثين عنه. ما يناديك وتنادينه. المفقود الحاضر. الذي. من هو. من تريدين أن تعرفيه. ان تكشفي وجهه وتلتحمي بمضمونه.

خطوة واحدة تصلك به. قفزة الى النور اتسلق بها حافة الإفريز. ويشدني ملاكي الحارس من دماري المأخوذ بالقمر.

back to top