«ترقيم»

نشر في 06-06-2007
آخر تحديث 06-06-2007 | 00:00
 أحمد عيسى

بما أن الكويتي مرتبط بـ «الترقيم»، يمكن الاستدلال على تطور القيم والمفاهيم في المجتمع، فبعد أن كان الكويتي يستهل أي «مشروع عاطفي» بسؤال التي أمامه «ممكن تاخذين الرقم»، نجد السؤال تحول الآن إلى «أمر» بـ «خلصينا، سجلي رقمي عندك»، ما يؤكد على أننا نعيش في بلد «ترقيم»، وإن اختلفت الأرقام وضاعت الحسبة!

فيما يقابل المواطن الأميركي رقماً واحداً للدلالة عليه عند الدولة، هو رقم الضمان الاجتماعي (Social Security Number)، يتميز الكويتي بأنه أكثر مواطن في العالم امتلاكا للأرقام الخاصة بالتدليل.

الكويتي تبدأ رحلته مع الترقيم صغيرا عندما يولد حاملاً رقماً مدنياً، ثم يشب فيتحول إلى رقم بكشف الحضور المدرسي، وبعدها يحصل على رقم جامعي تسجل أمامه علاماته الدراسية، ليتخرج ويوفق عندما يمتلك رقما وظيفيا مادة أولى بالتأسيس!

وخلال هذه المرحلة من حياته، يحمل رخصة سوق لها رقم مختلف عن جواز السفر ووثيقة الجنسية، برغم أنها جميعها صادرة عن وزارة الداخلية، التي تعطي لكل مواطن رقماً موحداً لا تستخدمه في أي من معاملاتها، على عكس البلدية التي تعطيه رقماً موحداً يكتب على شاهد القبر عند وفاته، بعد أن يترك الدنيا بما فيها من أرقام هاتف أرضي وعمل وصندوق بريد وجمعية ورقم حساب في البنك ورقم ملف في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

وعلى عكس أهمية الأرقام بالنسبة للكويتي، نجد الدولة تعامله على أنه مجرد «رقم مهمل» على هامش المعادلة السياسية، فالحكومة طالبت بالدوائر العشر خلال مواجهتها مع من كان «يبيها خمسا»، وعندما كان صاحباً راضياً بالعشر، قررت الدولة تحويلها إلى خمس وعشرين!

ومن الأرقام يمكنك التدليل على شخص حاملها، فإذا كان من فئة «أربعة ثمانية»، أو «اثنين خمسة»، فهو حتما ليس كمن ينتمي لفئة «أربعة سبعة» أو «ثلاثة تسعة»، وهذا يرتبط أيضا بتجسيد شيوع الثروة بعد النفط، الذي ترجم إلى أرقام مميزة على لوحات السيارات الفارهة، والهواتف النقالة، وكذلك أرقام الحسابات البنكية داخلياً وخارجياً، ومنها «سبعة سبعة ثلاثة صفر» المميز بما فيه من أرقام على اليسار تسبق الرقم الأهم على اليمين.

وبما أن الكويتي مرتبط بـ «الترقيم»، يمكن الاستدلال على تطور القيم والمفاهيم في المجتمع، فبعد أن كان الكويتي يستهل أي «مشروع عاطفي» بسؤال التي أمامه «ممكن تاخذين الرقم»، نجد السؤال تحول الآن إلى «أمر» بـ «خلصينا، سجلي رقمي عندك»، ما يؤكد على أننا نعيش في بلد «ترقيم»، وإن اختلفت الأرقام وضاعت الحسبة!

back to top