أهو شأن خاص؟!

نشر في 06-06-2007
آخر تحديث 06-06-2007 | 00:01
المرشحون للمناصب العامة، وهؤلاء الذين يشغلون مناصب إدارية عليا، لابد أن يحكم عليهم من خلال سياساتهم وأدائهم، وليس من خلال تصرفاتهم الشخصية التي لا ترتبط بمدى كفاءتهم في القيام بواجباتهم العامة. في بعض الأحيان قد يحدث تداخل بين الأمرين بطبيعة الحال
 بروجيكت سنديكيت هل من الممكن أن تتمتع الشخصية العامة بحياة خاصة؟ كانت الأحداث الأخيرة التي شهدتها ثلاثة بلدان سبباً في إلقاء الضوء على أهمية هذا السؤال.

ففي الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حاول كل من المرشحين إبقاء حياته الخاصة منفصلة عن حملته الانتخابية. سيغولين رويال ليست متزوجة من فرانسوا هولاند والد أبنائها الأربعة. وحين سئلت عما إذا كانا يقيمان معاً أجابت قائلة: «إن حياتنا تخصنا وحدنا». على نحو مماثل، وفي رد على شائعات تقول إن زوجة الرئيس المنتخب نيكولاس ساركوزي قد تركته، قال متحدث باسم ساركوزي : «هذه مسألة خاصة».

منذ أمد بعيد يتبنى الفرنسيون تقليد احترام خصوصية الحياة الشخصية لساستهم، والحقيقة أن الرأي العام الفرنسي أكثر تفتحاً من مثيله في الولايات المتحدة، حيث ليس من المتصور أن تحظى أم غير متزوجة لأربعة أبناء بأي فرصة للترشح للرئاسة من قِـبَل حزب كبير، بل لقد استقال راندال توبياس ، كبير مستشاري وزارة خارجية الولايات المتحدة من منصبه بعد إقراره بالاستعانة بخدمة المرافقة، التي وصفت بتقديم «ما يشبه الحلم من الإثارة الجنسية»، رغم تأكيد توبياس أنه لم يحصل إلا على جلسة تدليك.

وفي بريطانيا، اضطر اللورد جون براون المدير التنفيذي، الذي حول «بي بي» من شركة نفط أوروبية ثانوية إلى عملاق عالمي، إلى الاستقالة من منصبه بعد أن اعترف بالكذب في المحكمة بشأن الظروف التي التقى فيها برفيق من الشواذ جنسياً (ويبدو أنه التقى به من خلال إحدى وكالات تقديم خدمة المرافقين الذكور). وفي خطاب استقالته قال براون إنه كان ينظر دوماً إلى حياته الجنسية باعتبارها مسألة شخصية، وأنه أصيب بالإحباط وخيبة الرجاء حين قامت صحيفة «ذا ميل أون صنداي» بتحويل هذه المسألة الشخصية إلى قضية عامة.

إن المرشحين للمناصب العامة، وهؤلاء الذين يشغلون مناصب إدارية عليا، لابد أن يحكم عليهم من خلال سياساتهم وأدائهم، وليس من خلال تصرفاتهم الشخصية التي لا ترتبط بمدى كفاءتهم في القيام بواجباتهم العامة. في بعض الأحيان قد يحدث تداخل بين الأمرين بطبيعة الحال. وتستند صحيفة «ذا ميل أون صنداي» وصحيفة «ذا دايلي ميل» في تبريرهما لنشر الأسرار الخاصة برفيق براون السابق إلى أن هذه الأسرار تتضمن ادعاءات بشأن سماح براون لرفيقه باستخدام موارد الشركة في تحقيق مصالحه التجارية الخاصة. ولقد أنكرت الشركة أي صحة لهذه الادعاءات.

كان توبياس ، باعتباره مديراً إدارياً لوكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية، ينفذ السياسة التي تبنتها إدارة بوش والتي تلزم المنظمات العاملة في مجال مكافحة مرض الإيدز والفيروس المسبب له بإدانة البغاء والدعارة كشرط لحصولها على المساعدة من الولايات المتحدة. ولقد تعرضت هذه السياسة للانتقادات لأنها تجعل من الصعب مساعدة العاملين في هذه الصناعة، والذين هم عُـرضة لالتقاط عدوى الإيدز ونشره. وقد يزعم بعض الناس أن العامة لديهم مصلحة في الاطلاع على الحقيقة إذا كان القائمون على تنفيذ مثل هذه السياسات يدفعون المال في مقابل الحصول على خدمات جنسية.

إن لم يكن هناك ما يشير إلى أن إحدى المسائل الأخلاقية الشخصية كان لها تأثير على أداء أحد المديرين التجاريين أو المسؤولين الحكوميين، فيتعين علينا أن نحترم خصوصية ذلك الشخص. ولكن ماذا عن المرشحين للمناصب القيادية السياسية؟

ما دام الساسة يطالبوننا بائتمانهم على سلطات شاملة، فقد يزعم بعض الناس أننا لابد أن نتعرف بقدر الإمكان على كل ما يرتبط بأخلاقهم. على سبيل المثال، قد نسأل ما إذا كانوا يدفعون النصيب العادل المفروض عليهم من الضرائب، أو نستعلم عن تبرعاتهم لأعمال الخير. فمثل هذه الأمور تنبئنا عن مدى اهتمامهم بالمصلحة العامة. وعلى نحو مماثل، كان ما حدث منذ ثلاثة أعوام، حين كشفت الصحف عن اعتداء مارك لاثام ، زعيم المعارضة الأسترالية والطامح إلى منصب رئيس الوزراء آنذاك، على سائق سيارة أجرة على نحو أفضى إلى كسر ذراع السائق بعد نزاع بشأن مبلغ الأجرة، يشكل قدراً كبيراً من الأهمية بالنسبة لهؤلاء الذين يؤمنون بأن زعيم أي أمة لابد أن يكون قادراً على كظم غيظه.

ولكن هل نستطيع أن نقول إن المصلحة المشروعة في الاطلاع على أكبر قدر من سلوكيات أحد الساسة يمتد إلى التفاصيل الخاصة بعلاقاته الشخصية؟ الحقيقة أنه من الصعب أن نرسم خطاً من المبادئ حول أي منطقة، وأن نقرر ما إذا كان الاطلاع على خفايا هذه المنطقة سوف يزودنا بمعلومات وثيقة الصلة بشأن الشخصية الأخلاقية لذلك السياسي. والمشكلة هنا تكمن في أن أجهزة الإعلام لديها مصلحة في نشر المعلومات التي من شأنها أن تزيد من كثافة جمهورها، والمعلومات الشخصية، وذات الطبيعة الجنسية منها بصورة خاصة، كثيراً ما تحقق لأجهزة الإعلام هذه الغاية.

ومع ذلك، سواء اختار الناس أن يتزوجوا أو لا يتزوجوا، وسواء كانوا أسوياء جنسياً أو كانوا مثليين، وحتى إذا كانوا يدفعون في مقابل إشباع نزواتهم الجنسية، أو كانت لديهم نزوات يستطيعون إشباعها بلا مقابل، فإن كل ذلك لا ينبئنا إلا بالقليل عما إذا كان هؤلاء الأشخاص صالحين لائتمانهم وتوليتهم مناصب عليا إلا إذا كانت أقوالهم غير أفعالهم بالطبع. وإذا ما كان بوسعنا أن نغرس نوعاً من التسامح مع التنوع الإنساني، فإن الساسة، والقيادات التجارية، والمسؤولين الإداريين، سوف يصبحون أقل خوفاً من «الفضيحة» لأنهم سوف يدركون أنهم لم يفعلوا ما ينبغي عليهم أن يتستروا عليه.

إن الدعارة ممارسة غير مشروعة في أغلب الولايات المتحدة، بما في ذلك واشنطن، وقد يكون هذا أحد الأسباب وراء ضرورة استقالة توبياس . ولكن حين تسبب جون كورزاين حاكم ولاية نيو جيرسي في حادثة مرور خطيرة الشهر الماضي، تبين أنه خالف القانون الذي تطبقه ولايته حين لم يربط حزام الأمان. وإذا استعنا بأي مقياس عاقل، فلسوف نجد أن مخالفة كورزاين للقانون كانت أشد خطورة من مخالفة توبياس . ذلك أن القوانين التي تفرض ربط حزام الأمان تؤدي إلى إنقاذ العديد من الأرواح. أما القوانين التي تحرم الدعارة فهي لا تؤدي إلى أي خير واضح، بل قد يكون ضررها أشد من نفعها. ومع ذلك لم يقترح أحد أن كورزاين لابد أن يستقيل من منصبه بسبب تصرفه الأحمق المخالف للقانون. في الولايات المتحدة، على الأقل، مازال خرق القواعد الجنسية يشكل عاراً أخلاقياً لا يرتبط بأي ضرر حقيقي قد ينتج عنه.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون وأستاذ فخري بجامعة ميلبورن، ومن بين مؤلفاته كتاب «كيف ينبغي لنا أن نعيش»، وكتاب «كتابات حول حياة أخلاقية».

خاص بـ «الجريدة» بروجيكت سنديكيت، 2007.

back to top