أزمة نفوس لا أزمة نصوص

نشر في 07-07-2007
آخر تحديث 07-07-2007 | 00:00
 سعد العجمي الحديث الذي دار بين الشيخ ناصر المحمد والشيخ أحمد الفهد، ونشرته الزميلة «عالم اليوم»، حديث ذو شجون، يختزل حالة سياسية مضطربة تعيشها الكويت منذ فترة، تداخلت فيها النوايا والأفعال والأقوال والتحليلات، حالة عنوانها الرئيس، عدم الثقة بالآخر، وهي نتاج طبيعي لمماحكات وتجاذبات، تجاوزت حدودها الطبيعية والمنطقية لأسباب ليست خافية على أحد.

لن ندخل في حديث النوايا، فنحن لا نتهم أحداً، ولا نبرئ أحداً مما يحدث الآن، ولو مارسنا أبسط حدود جلد الذات، لقلنا إننا كإعلام وصحافة، أحد الشرايين المغذية لحالة الاحتقان والتشنج التي يمارسها كل طرف ضد الآخر. أما حديث الواقع والمنطق، فيكشف عن وجود اختلاف في الرؤى بين أفراد في الأسرة الحاكمة، أحدث نوعاً من الانقسام النيابي- النيابي وصل إلى حد الاحتراب موقفاً ولفظاً.

ما دار بين الشيخين كان مصارحة مطلوبة تحتمها استحقاقات المرحلة، لكننا معنيون بنتائجها لا بمدلولاتها وأسبابها، ففي وضعنا السياسي الحالي، هناك حق، وهناك حقيقة... الحق أن تخفيف أجواء التوتر والتأزيم مسؤولية الجميع كل حسب موقعه في مؤسسة صنع القرار، لكن الحقيقه غير ذلك. الحق ما يطلقه بعض النواب من أنهم يسعون إلى التهدئة ومد جسور التعاون مع الحكومة، والحقيقه تتجلى فيما يتبعونه من ابتزاز سياسي، الحق أن وزراء حكومتنا تولوا حقائبهم انسجاما مع النفس الإصلاحي للحكومة، أما الحقيقة فهي أن مصالح تياراتهم وكتلهم، هي مقياس الإصلاح بالنسبة لهم... الحق أن الجميع، وزراء ونوابا وكتابا، أعلنوا اعتزازهم وتقديرهم لدعوة سمو الأمير الصادقة بنبذ الخلافات والتفرغ للعمل والانجاز، لكن الحقيقة المؤلمة أن هناك من خذله.

ترى هل تستحق الكويت منا كل ذلك؟ وهل تتحمل مساحة بلادنا الصغيرة، حجم خلافاتنا التي وصلت الى مرحلة «كسر العظم»؟ لماذا نتصيد أخطاء بعضنا البعض؟ لماذا بتنا نبحث عن أي هفوة أو مَمسك على الآخر، لننفث في نار الفرقة والخلاف، بسبب من ولمصلحة من يحدث ذلك؟

من الواضح أن هناك بحثاً عن نفوذ وموطئ لقدم في السلطة من قبل بعض الأطراف، يقابله رغبه في البقاء من قبل أطراف أخرى موجودة في الأصل داخل دائرة القرار السياسي، والمشكلة أن كل طرف بات يمارس الإقصاء ضد الآخر بكل الأساليب حتى غير المشروعة منها، وكأن الساحه لا تسع الجميع... الطموح السياسي حق مشروع لكل أبناء أسرة الحكم، ولكن وفق حدود المعقول وفن الممكن، والاعتبارات الأخرى كالعمر والكفاءة والقبول لدى الشارع، وليس وفق ما يحدث الآن.

الأخطر في هذا كله هو إقحام تلك الأطراف للمؤسسة التشريعية في خصوماتها، عبر استخدام بعض الكتل والنواب «كمخلب قط» في لعبة تصفية الحسابات، وهو منحى خطير لمفهوم ودور العمل البرلماني، لكن البعض بدأ يمارسه للأسف الشديد.

على كل نتمنى أن يكون ذلك الحديث الذي تم بين الشيخ ناصر والشيخ أحمد قد أضاء شمعة في ليل علاقة السلطتين المظلم، رغم أن بين أيدينا (نور) الدستور، الذي لو حكَّم صناع القرار نصوصه وجعلوه الفيصل في أي خلاف، لما وصلنا إلى هذه المرحلة الحبلى بالخصومات السياسية والشخصية، لكن المشكلة أننا، نعيش أزمة «نفوس» لا أزمة «نصوص»، حلها ليس في مواد الدستور، بل في يد القيادة.

back to top