القوة الناعمة للأمم المتحدة

نشر في 14-11-2007
آخر تحديث 14-11-2007 | 00:01
يتضمن عمل الأمين العام للأمم المتحدة القليل جداً من القوة الصلبة، ولكن بعض الشخصيات أدار هذا المنصب بفاعلية عالية، فاستخدم القوة اللينة التي يمتلكها في تفعيل القوة الصلبة للحكومات الأعضاء.
 بروجيكت سنديكيت ألغى جوزيف ستالين أهمية «القوة الناعمة» عندما سأل «كم يمتلك البابا من القوات؟»، وفي يومنا هذا، يلغي كثير من الواقعيين أهمية الأمم المتحدة ويعتبرونها منزوعة القوى، ويعتقدون بإمكان تجاهلها. إنهم مخطئون.

تعني القوة القدرة على التأثير على الآخرين لكي ينتجوا ما يريده المرء، وتعمل القوة الصلبة من خلال الدفع والإكراه (أو مبدأ الجزرة والعصا)؛ وتعمل القوة الناعمة، أو اللينة، من خلال الجذب والخيار المشترك، ومن دون قوى تمتلكها مباشرة وضمن ميزانية ضئيلة نسبياً، تمتلك الأمم المتحدة قوى صلبة بمقدار ما يمكنها أن تستعيره من دولها الأعضاء، لقد تم تأسيسها في عام 1945 لتكون خادماً لهذه الدول، وتحمي المادة 2-7 من ميثاقها استقلالية السلطات القضائية لأعضائها.

وبعد فشل عصبة الأمم في الثلاثينيات من القرن الماضي (1930)، صممت الأمم المتحدة ليكون الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن بمنزلة رجال الأمن المسؤولين عن الأمن الجمعي ككل، وعندما اتفقت القوى العظمى، امتلكت الأمم المتحدة قوى صلبة مذهلة، الأمر الذي تمثل في الحرب الكورية وفي حرب الخليج الأولى، ولكن كانت مثل هذه الحالات استثناءً، إذ كان مجلس الأمن منقسماً على نفسه أثناء الحرب الباردة، وكما وصفه أحد الخبراء: كان فيتو الأعضاء الدائمين بمنزلة علبة الصمامات الكهربائية في النظام الكهربائي؛ إذ يُفضَل أن تنقطع الأنوار لبرهة بدلاً من أن يحترق البيت كله.

وعلى الرغم من هذه القيود، تمتلك الأمم المتحدة قوى لينة لا يستهان بها تتولد من قدرتها على شرعنة أفعال أعضائها، وخصوصاً ما تعلق منها باستخدام القوة، إذ لا يحيا الناس بقوة الكلمة وحدها في الوقت الذي لا يمكننا أن نقول إنهم يحيون كلياً بقوة السيف، وعلى سبيل المثال، لم تستطع الأمم المتحدة أن تمنع اجتياح العراق في عام 2003، ولكن عدم موافقتها رفع وبفداحة تكاليف وخسائر الدولتين البريطانية والأميركية.

عندها، حاول بعض القادة الأميركيين نزع شرعية الأمم المتحدة والدعوة إلى تأسيس تحالف بديل مؤلف من الديموقراطيات، ولكنه أغفل المعنى الحقيقي وضل الطريق الصحيح؛ إذ ان السياسات، التي اتبعت في العراق، ساهمت في تفريق هذه الديموقراطيات، وأن العضوية العالمية للأمم المتحدة أبقتها مصدراً مهماً للشرعية في عيون معظم العالم.

لقد كان الضرر الأكبر، الذي أصاب شرعية الأمم المتحدة، داخلياً. وعلى سبيل المثال، فخلال السنوات القليلة الماضية أنتجت سياسات التكتلات الداخلية في ما بين الدول الأعضاء مجلس حقوق إنسان مهتماً بشكل سقيم بالإجراءات العادلة، أو وجود حقوق إنسان من أصلها، وعلى المنوال ذاته، أفضى انعدام الكفاءة الإدارية إلى مستوىات أداء متردية لبرامج دولية مهمة مثلما حدث مع برنامج «النفط مقابل الغذاء».

يتضمن عمل الأمين العام للأمم المتحدة القليل جداً من القوة الصلبة، ولكن بعض الشخصيات أدار هذا المنصب بفاعلية عالية، فاستخدم القوة اللينة التي يمتلكها في تفعيل القوة الصلبة للحكومات الأعضاء، وعلى سبيل المثال، استطاع داغ هامارشولد أن يغتنم فرصة «أزمة السويس» التي سببها غزو بريطانيا وفرنسا لمصر في عام 1956 لكي يحفز الحكومات على خلق قوات حفظ السلام، وهي مؤسسة ليست مذكورة في الميثاق الرئيسي للأمم المتحدة، وخلال الصفعة التي تلقتها الأمم المتحدة في فشلها في منع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في رواندا وكوسوفو في التسعينيات، عمل كوفي عنان مع غيره من أجل دفع الحكومات لكي تتحمل مسؤولية جديدة في حماية الشعوب المهددة بالخطر.

ولكن لمثل هذه المبادرات حدودها، بعد الحرب الإسرائيلية اللبنانية في صيف عام 2006، التفتت الدول مرة أخرى إلى قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام تماماً مثلما فعلت في الكونغو ودارفور، ولكن، على الرغم من وجود ما يزيد على 100 ألف من القوات متعددة الجنسيات، التي تخدم في قوات حفظ السلام حول العالم، فإن الدول الأعضاء لا تقدم المصادر المناسبة أو التدريب أو المعدات، وعلاوة على ذلك وجدت الدول الكثير من الطرق لتأخير التحرك العالمي الفعال، كما هي الحال في السودان، إذ لا يزال علينا أن ننتظر الوقت الذي تجد فيه الصين نفسها مستعدة لزيادة الضغط على السودان من دون ألا يهدد هذا الفعل تجارة النفط المتبادلة بينهما بما يهدد أولمبياد الـ2008 التي ستقام على الأراضي الصينية.

وبالمثل، وبينما اتفقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن الدول تتحمل «مسؤولية الحماية» لم يوافق كثير من الأعضاء إلا بشكل محدود على هذه الفكرة، ومنها العديد من الدول النامية، غيرة منها وحرصاً على استقلاليتها وخوفاً من أن يؤثر هذا التوجه الجديد في هذه الاستقلالية، وعلى سبيل المثال، وبعد انهيار الحكومة اخيراً في ميانمار (بورما)، استطاع الأمين العام أن يرسل ممثلاً عن الأمم المتحدة إليها، ولكن بصلاحيات محدودة فيما يتعلق بإعداد تقارير ومحاولات الوساطة بين الأطراف المتنازعة، وقد يكون ذلك كافياً بالنسبة إلى بعض الدول، ولكنه لم يردع الحكومة البورمية عن طرد ممثل الأمم المتحدة عندما حذر من «تدهور الوضع الإنساني».

تمتلك الأم المتحدة قوىً لا يستهان بها صلبة كانت أم لينة في حال اتفقت الدول على السياسات المذكورة في الفصل السابع من المادة: تمتلك الأمم المتحدة قوة لينة متواضعة، ولكن مفيدة في حال عدم اتفاق القوى العظمى، ولكن مع إرادتها للانصياع للتحرك العام، بينما تمتلك الأمم المتحدة القليل جداً من القوة في حال عارضت القوى العظمى تحركاً ما، أو في حال دفعت هذه القوى الدول الأعضاء إلى تجاهل الدعوات بـ«مسؤولية الحماية»، وفي مثل هذه الحالات ليس هناك من معنى للوم الأمم المتحدة، إن القوة اللينة حقيقية، ولكن لها حدودها، ولا يكمن الخطأ في الأمم المتحدة، وإنما يكمن في قلة اتفاق دولها الأعضاء.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top