السنة والشيعة وحدة الدين خلاف السياسة والتاريخ
المؤلف: أحمد الكاتبعن الدار العربية للعلوم - ناشرون
لم يكن الخلاف بين السنّة والشيعة قديماً أشدّ مما هو عليه هذه الأيام. العوامل المسبّبة لا تمتّ بصلة إلى العقيدة، بل تنبثق من خلاف سياسيّ تضرب على أوتاره دولٌ كبرى وفئات لها مصالح في زعزعة كيان الأمّة الإسلامية وإضعافها. لكن هذا الخلاف السياسي الذي يعود قروناً إلى الوراء فقد مبرّر وجوده اليوم بعد أن تطورت حياة المسلمين، ولم يبق منه سوى بعض الرواسب التي يغذيها أعداء الإسلام ليظلّ التناحر قائماً بين المسلمين. وللتخلص من هذه الرواسب التي تعيق بناء وحدة إسلامية متينة أقدم المؤلف أحمد الكاتب على طرح هذا الموضوع من مختلف جوانبه الدينية والتاريخية والسياسية انطلاقاً من إيمانه بأنه لا يوجد في الحقيقة خلاف جديّ بين الطائفتين ما عدا بعض الحواجز النفسية والمسائل البسيطة، وأن الخلافات التي تقع أحياناً داخل كل طائفة هي أقوى وأمرّ من الخلاف السنّي الشيعي الذي يتراجع إلى درجة كبيرة أمامها.لمعالجة الخلافات والرواسب، بحسب رأي المؤلف، ينبغي تحديد مصطلح «السنّة» ومصطلح «الشيعة» تمهيداً لتصفيتها من الأذهان. إن المفهوم الأوّل للسُّنّة هو «اتباع سُنّة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وهو لا يمكن أن يتناقض مع التشيُّع لأهل البيت الذي يتضمن اتباع السُّنّة، وبناءً على ذلك فإن السُّنّة هم شيعة لأهل البيت وان الشيعة هم جزء لا يتجزّأ من السُّنّة».وإذا كان التعرف إلى أي معضلة يشكل الخطوة الأولى على طريق حلّها، فإن طرح المسائل الخلافية والتمييز بين عناصرها الجوهرية والثانوية، والأصولية والفرعية، والموضوعية والمضخّمة، يصبح من الأولويات الواجبة.في الباب الأول من الكتاب ركّز أحمد الكاتب على وحدة الدين الإسلامي، فاستعرض في المبحث الأول المتفق عليه في العقائد كأسس مثل التوحيد حيث لا فرق بين عقيدة الشيعة وأهل السنّة لأن الشيعة تؤمن بوجود الله تعالى ووحدانيته إلا أنها أقرب إلى المعتزلة في المسائل الاعتقادية والكلامية، ومثل النبوّة فالشيعة تؤمن أيضاً بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم، ومثل المعاد أي الإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت والحساب والجنّة والنار فالخلاف على بعضها طفيف.الإمامةويتناول المؤلف مقال الدكتور علي أوزك الذي يعتبر أن «المسائل التي تختلف فيها الشيعة مع أهل السنة هي الإمامة، وإنما يقوم أساس اختلاف الفريقين على هذه المسألة، حيث أن فكرتهم حول مبدأ الإمامة إنما تمثّل الفارقة الأساسية للشيعة. إن الشيعة الإمامية الاثني عشرية يبنون كل شيء من عقائدهم على مبدأ النبوة والإمامة. فإن الإمام عندهم شارع ـ أي صالح للتشريع ـ كما أن النبي شارع. ويتلقى الإمام الوحي مثل النبي، ويقوم بحل الأمور عن طريق الوحي. والأئمة مسؤولون عن الشؤون الإدارية والسياسية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية للناس، فيقوم الإمام ببيان الأحكام ويفتي ويفسّر آيات الأحكام، ويؤولها وفق معتقداتهم. فبهذا الاعتبار على الناس اتباعه مطلقاً إلا أنه من حق الإمام أيضاًَ أن يلزم التقية بحسب الأحوال والمصالح». وهكذا يتضح أن التشيع نزعة سياسية أكثر من أن تكون عقيدة دينية، بيد أنها انقلبت إلى عقيدة دينية مع الزمان وغدا الاعتقاد بأن الخلافة مقصورة على سلالة علي مطلقاً، ما يتناقض وتعاليم القرآن والسنّة في الوقت عينه لأن عامة المسلمين تؤمن بأن محمداً (ص) هو خاتم الأنبياء والمرسلين وتؤمن بأن الوحي مختوم أيضاً ولم يعد أحد ذا عصمة على وجه الأرض بعد محمد (ص).لم يكن المؤلف من هذا الرأي الشائع الذي دحضه بتفسير من كتاب «الإمامة» للمطهري يقول فيه إن ما يذهب إليه أهل السنّة أن الإمامة تعني الحكومة وأن الإمام يعني الحاكم الذي يوحّد بين المسلمين وهو من الحيثية شخص من المسلمين ينبغي لهم انتخابه لممارسة الحكم. ويتابع المطهري: «وبهذه الصيغة لم يتعدّ أهل السنّة في الإمامة أكثر من حدّ الحكومة. أما الإمامة عند الشيعة فهي تأتي تالي تلو النبوّة، بل هي أرفع من بعض درجات النبوة. فأولو العزم من الأنبياء هم الذين جمعوا الإمامة إلى النبوّة، وكثير من الأنبياء لم يكونوا أئمة أما أولو العزم فقد بلغوا رتبة الإمامة في آخر المطاف».وقام بعض غلاة الإمامية بادعاء تحريف القرآن الكريم وحذف الآيات التي تنص بصراحة على الإمام وأهل البيت، لكنّ هذا الرأي لم يصبح عاماً ولا ملزماً للشيعة الإمامية الذين قام علماؤهم الأصوليون بنفي كل ما يتعارض مع القرآن الكريم، «والقرآن الذي يتلوه الشيعي ويتلوه السني... هو لا يختلف في كلمة ولا حرف».ويصل المؤلف في مباحثه إلى موضوع «التقية» الذي لعب دوراً سلبياً وأصبح عقدة لدى الكثير من أهل السنّة في تعاملهم مع إخوانهم الشيعة. فإذا كان الشيعة مارسوا التقية عبر التاريخ فلأنهم كانوا تلّة صغيرة وليس من المعقول ان يستمروا في ممارستها بعد أن أصبحوا طائفة كبيرة تضمّ الملايين، فضلاً عن أن نسبة التقية إلى عموم الشيعة فيها الكثير من الظلم والمبالغة.الخلافات الفقهيّةوفي مجال الفقه نجد أن معظم الخلافات الفقهية بسيط، وأهمها كيفية تقسيم ما يبقى من التركة بعد الفروض، والكفاءة في الزواج، والزواج الموقت وهو ما يعرف أيضاً بزواج المتعة، وفي بعض الأحكام المتعلقة بالزواج كالنفقة والإرث والعدد والعدّة. والحل عند المؤلف هو في الوصول إلى رأي وسطيّ جديد لا نقول فيه بالتحليل المطلق لزواج المتعة كما يقول الشيعة ولا بالتحريم المطلق كما يقول السنّة، وإنما بالإباحة عند الضرورة.خلاف التاريخ والسياسة يقع في الباب الثاني وقضيته الأولى الموقف من الصحابة. ومع أنها مسألة تاريخية إلا أنها وصلت أحياناً إلى مستوى العقيدة التي تفصل بين الناس فتدخل هذا في الدين أو تخرجه منه لتلقيه في النار، في الوقت الذي لم تكن هذه القضية تحتل أهمية كبرى لدى الصحابة أنفسهم في عصرهم.يوجز أحمد الكاتب دراسته في الباب الثالث ليشق الطريق إلى الوحدة بين المسلمين، وهي تبدأ من الديمقراطية التي تحترم التعددية وتقبل بالآخر وتعترف بحق الاختلاف. ولا بد من الاعتبار أنّ كل من يؤمن بالله واليوم الآخر وبنبوّة الرسول الأعظم محمد (ص) هو أخ مسلم بغض النظر عن هويته الطائفية.تذوّقاحتلّ صحابة الرسول (ص) دور الوسيط الناقل للرسالة الإسلامية ولتراث الرسول (ص) للأجيال اللاحقة، وشكلوا المثال الأعلى للأمة الإسلامية، فاستحقوا أن يمدحهم الله في كتابه الكريم في أكثر من موضع، ولكن، نظراً للفتنة التي حدثت في أيامهم أصبحوا مجالاً للجدل والتشكيك والتجريح، وظهر من يهاجمهم بقسوة ومن يدافع عنهم بتطرف حتى أصبح الحديث عنهم أو اتخاذ موقف منهم موضوعاً عقائدياً مهماً يوازي أركان الدين ويسهم في تقسيم المجتمع وتشكيل هوية الطوائف الثقافية والدينية. ولو كان الطرفان يتفقان على وجود قاسم مشترك يميز بين الصالحين والطالحين لما كانت هنالك حاجة ولا إثارة ولا توتر حول هذا الموضوع.