رجل من الزمن الجميل

نشر في 16-07-2007
آخر تحديث 16-07-2007 | 00:00
 نايف الأزيمع تعودت أن أقرأ صحف الصباح قبل النوم كل ليلة!.. وهي عادة جدّت علي بحكم السن والمعاناة والغربة... وقد منحتنا ثورة التكنولوجيا اشتراكاً مجانياً دائماً بكل الصحف المحلية والعربية والأجنبية... وكالعادة أيضا، كنت اختم قراءتي بمقال طريف خفيف يغسل أوجاع العناوين والصفحات الأولى... وكثيراً ما كنت أجد ضالتي عند العزيز (أبي طلال) في «القبس»، الذي حولت عنوان عموده اليومي إلى «تصبح على خير»!

لكن هذه المرة، وتلك الليلة، وصباح ذلك اليوم، تحولت نهاية الزاوية إلى نهاية للفرح، وبداية للأحزان. ما كنت أصدق ما أقرؤه! لقد رحل عبدالعالي!. أعدت قراءة الاسم أكثر من مرة، ثم عدت إلى قائمة الوفيات -التي أكرهها– أدقق في الأسماء، ثلاثية ورباعية حتى صدمتني الحقيقة المرة المؤلمة... نعم... هو عبدالعالي ناصر العبدالمحسن العبدالعالي.

الأخ والصديق والرفيق.. صاحب الموقف الواضح، والرأي الناصح، الصادق الصدوق، والطاهر الخلوق... كان ضميرنا الحي، وصوتنا الجلي، لايخشى في الحق لومة لائم، ويأبى في الوطنية والعروبة أن يساوم.

اعتقله بعث العراق في الستينيات لأنه كان قومياً ناصرياً، وطارده الغزاة إبان الاحتلال لأنه كان وطنيا كويتيا... في سرداب بيته في الخالدية كانت تعقد الاجتماعات للتصدي للغزو، وهناك وبمعيته، كُتب أول بيان للعمل الوطني الرافض للاحتلال.

«أبو ناصر» كنتَ تحس به معك وإن غاب عنك، كنت تراه وتسمعه في كل حادث أو حديث له علاقة بالوطن وبالعروبة، وبالإنسانية، بالأخلاق والطهارة، بالإخلاص والمحبة، بالوفاء والمودة.

قبل شهرين أو أكثر هاتفني بعد انقطاع، قال لي بصوته الوادع الحنون، وعلى طريقته السمحة: «ما عندي شي.. بس ولهان عليك»! وكانت هذه العبارة تكفي أن تغسل شهوراً من الفراق... «ولهان عليك» تجسيداً للحب والحنان، للأخوة والصداقة، للرجولة والوفاء.

عبارة لايقولها لصديق إلا صاحب القلب الكبير، والمعدن الأصيل، والتربية الحقة.

عبدالعالي ناصر، كان دائماً وأبداً في طليعة القوى الوطنية والديموقراطية الفاعلة.

كان مناضلاً قومياً في فترة العمل القومي العربي، وكان ناشطاً ديموقراطياً عندما بدأ العمل الديموقراطي، وأحد مرشحي «نواب الشعب» في الانتخابات، وكان داعية لحقوق الإنسان في أول بروز للمدافعين عن هذه الحقوق.

ومع كل هذا النشاط والعطاء والمثابرة.. كان لا يحب الظهور، ويمقت الادّعاء، ويكره «الأنا».

على المستوى الشخصي وبين كل الأصدقاء، كان خافت الصوت، دائم البسمة، شديد الحياء، لكنه عند قول الحق، وأمام الحقيقة كان دائماً عالي النبرة، قوي المراس، واسع الدهاء.. كان عبدالعالي الغائب الحاضر، والوادع الثائر، والباذل القادر.. كنسمة صيف عبر، سقى كوابل المطر، وأثمر كأخضر الشجر، ويبقى خالد الذكر... لقد عاش بهدوء، ومات بهدوء، وتركنا وفي العين دمعة، وفي القلب غصة، وفي النفس حسرة.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

عبدالعالي ناصر «رحمه الله» كان رجلاً من ذلك الزمن الجميل...

back to top