المشاريع المتحاربة فتية والحرب طويلة

نشر في 13-02-2008
آخر تحديث 13-02-2008 | 00:00
 بلال خبيز

الحرب أصبحت في ركن الدار، والقوى التي تخوضها محلياً تحمل مشاريع وطموحات تؤهلها للصمود طويلاً، والمصالح الدولية والعربية المتشابكة لا بد أن تجد ضالتها المنشودة في مثل هذه المشاريع الفتية. وأغلب الظن أن أسلحة كثيرة تنتظر في عرض البحر شارة بدء القتال لتصل إلى أصحابها من الجهتين.

ينتظر الصحافيون والمراقبون بصبر مشوب بالحذر بداية اندلاع الاشتباكات في لبنان بين جماهير المعارضة والموالاة، لقد بشر هؤلاء كثيراً ولزمن طويل بأن العدة أعدت والعتاد أصبح جاهزاً والتدريبات قائمة على قدم وساق، والخطط باتت معدة سلفاً، ولم يبق إلا الإعلان عن ساعة الصفر.

وعليه يكون الهجوم السوري المعاكس الذي بدأت فصوله منذ أواخر العام 2005 على الساحة اللبنانية في لحظة الاستعداد للمعركة الأخيرة مع خصومه في الداخل اللبناني، بعدما ثبت من دون لبس أن سورية ذات دور مؤثر وراجح في الداخل اللبناني، حيث نجحت الإدارة السورية طوال أعوام ثلاثة من بدء هجومها المعاكس بعد فترة الارتباك التي سادت لدى الإدارة السورية في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

لقد نجحت هذه الإدارة في إثبات قدرتها على التعطيل واستدرار التدخلات الدولية والعربية التي تدعوها ومازالت تدعوها إلى عقد تسوية في لبنان، تجنب هذا البلد أخطاراً يصعب التكهن بمضاعفاتها على المنطقة عموماً. لكن الإدارة السورية لا تخشى في هذا السياق شيئاً. ذلك أن لسان الحال السوري يقول ليس ثمة ما تخسره سورية إذا ضاع لبنان، مادامت ليست هي من يحكمه ويتحكم بموارده. على هذا لا تبدو الضغوط العربية والدولية قادرة على ردع الهجوم السوري وجره إلى تسوية في الملف اللبناني، لا تجعله واحداً من اللاعبين الأساسيين، في المرحلة الأولى، تمهيداً للانقضاض الكامل على خصومه والاستفراد مجدداً في إدارة الساحة اللبنانية. وهذا بالضبط ما كانت عليه الحال في العام 1989 يوم عقد اللبنانيون اتفاق الطائف برعاية المملكة العربية السعودية. ومما يجدر ذكره في هذا المجال، أن اللجنة العربية الثلاثية التي رعت اتفاق الطائف لم تكن تضم عضواً سورياً في عدادها، بل كان التوجه العربي المرعي أميركياً في ذلك الوقت يريد إنهاء الحرب اللبنانية من دون أن يقدم إلى سورية أي جائزة ترضية. لكن هذا لم يمنع سورية التي راهنت ومازالت تراهن على الوقت أن تنتظر بصبر وثبات خفوت الاهتمام العربي والدولي في لبنان، تمهيداً للاستفراد في إدارة شؤونه.

اليوم المشهد نفسه يتكرر من دون تعديل تقريباً في شقه الدولي والعربي. ولم يعد خافياً على أحد أن التسليم الدولي والعربي بنفوذ سورية في لبنان بات أمراً لا يقبل الجدال. وبالتالي يعرف الجميع أن أي تسوية، ولو موقتة في لبنان، لا يمكن أن تمر أو يكتب لها النجاح من دون موافقة سورية على بنودها، خصوصاً أن الاجتماع الأخير الذي عقده عمرو موسى مع العماد ميشال عون ممثلاً عن المعارضة اللبنانية والرئيس أمين الجميل والنائب سعد الحريري من الموالاة، أثبت بما لا يقبل الجدل أن المعارضة لا تريد عقد أي تسوية ولا تريد تسهيل الحلول في لبنان، وأن مطلب المشاركة الذي ترفعه المعارضة اللبنانية اسم على غير مسمى.

ما يختلف بين ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته واليوم، يتعلق فعلاً بالمشهد اللبناني الداخلي، حيث يتنازع البلد مشروعان كبيران يتصلان بصلات دولية حاسمة في تبنيها، مما يجعل الانقسام الفعلي في البلد انقساماً سنياً – شيعياً، برعايات خارجية واضحة. وهذا يعني في ما يعنيه أن الطائفة السنية التي كانت منهكة في الثمانينيات وتعاني هزيمة مدوية لمشروع تحالفها مع المقاومة الفلسطينية طوال فترة الستينيات والسبعينيات والشطر الأول من الثمانينيات، كانت تريد الأمن بأي ثمن ولم يكن ثمة لديها بعد ما تريد الدفاع عنه، وعلى النحو نفسه كانت الطائفة المارونية، التي شكلت عماد المشروع الذي اضطلع بمقاومة مشروع المقاومة الفلسطينية المرتكزة على دعم سني واضح، قد شهدت هزيمتها المدوية أيضاً في مواجهة مشاريع طائفية كانت في لحظة فتوتها الأولى يومذاك.

اليوم يشعر السنة اللبنانيون بأنهم أصحاب مشروع يملك كل المقومات التي تبيح لهم الدفاع عنه، وبالتالي استدرار الدعم العربي والدولي في الصراع الأهلي مع المشروع الشيعي المدعوم إيرانياً وسورياً. وفي هذه الحماسة التي تضرب غمارها في لدن الطائفة السنية ما يجعل كسر عودها وتخفيت نبضها أصعب من أن تنجح في تحقيق خطط عتيقة، وأعتق ما فيها أنها معروفة للقاصي والداني.

الحرب أصبحت في ركن الدار، والقوى التي تخوضها محلياً تحمل مشاريع وطموحات تؤهلها للصمود طويلاً، والمصالح الدولية والعربية المتشابكة لا بد أن تجد ضالتها المنشودة في مثل هذه المشاريع الفتية. وأغلب الظن أن أسلحة كثيرة تنتظر في عرض البحر شارة بدء القتال لتصل إلى أصحابها من الجهتين.

* كاتب لبناني

back to top