المعتصم بالله... مصارع الأُسود

نشر في 12-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 12-10-2007 | 00:00
عهِد الخليفة المأمون اثناء مرضة في طرسوس بالخلافة إلى اخية المعتصم وذلك دون ابنه العباس الذي كان موجودا معه في طرسوس لغزو الدولة البيزنطية، ورد هجماتها، ولعل ما جعل المأمون يؤثر أخاه بالحكم دون ابنه أن الخلافة العباسية كانت تتهددها الأخطار من الداخل والخارج في ثورة بابك الخرمي في فارس، وهجمات البيزنطيين، وكان المعتصم بطلا متمرسا في الحرب خبيرا بشؤونها، فآثر المأمون المصلحة العليا للخلافة بتولية من يصلح لهذه الفترة، وتمت البيعة بعد وفاته في 19رجب 218هـ، 10 أغسطس 833م.

وكان المعتصم يتميز بقوته الجسدية وشدته في الحرب، حتى قيل عنه إنه كان يصارع الأسود ويحمل ألف رطل، ويمشي بها خطوات، غير أنه لم يكن معنيًا بالعلوم والآداب كأخويه الأمين والمأمون.

كانت وصية المأمون لأخيه المعتصم أن يقضي على فتنة بابك الخرمي، وكان زعيم طائفة ضالة، يعتقد أصحابها بالحلول والتناسخ، ويدعون إلى الإباحية الجنسية، وبدأت تلك الفتنة في أذربيجان ثم اتسع نطاقها إلى همدان وأصبهان وبلاد الأكراد، وجرجان، وأصبحت خطرا يحدق بالدولة العباسية، ووجدت عونًا ومساندة من الروم.

وحاول المأمون أن يقضي على تلك الفتنة التي اشتعل أوارها، وأرسل إليها الحملات العسكرية، لكنها لم تستطع القضاء على تلك الفتنة، وتوفي المأمون من دون أن يتحقق أمله، وحمل المعتصم مهمة القضاء على هذه الحركة، فنجح في ذلك على الرغم من مهارة بابك الخرمي العسكرية، وقدرته على وضع الخطط العسكرية، مستغلا معرفته بطبيعة الإقليم الذي يتحصن فيه، من جبال ومضايق ووديان.

ولم يكد المعتصم يستريح من فتنة بابك الخرمي حتى شبّت فتنة أخرى في إقليم طبرستان، حيث قام واليها «المازيار» بشق عصا الطاعة، ومحاولة الاستقلال بالإقليم بعيدا عن سلطة الدولة العباسية، ولم تفلح المحاولات التي بذلها المعتصم لحل المشكلة سلمًا مع المازيار الذي تمادى في غيه، فلجأ المعتصم إلى السيف، حتى تمكن من القضاء عليه في سنة 224هـ، 839م.

لم يكن قد انقضى على بناء بغداد قرن واحد حتى عرضت للمعتصم فكرة بناء عاصمة جديدة، بعدما ضاقت بغداد بجنده الأتراك الذين أكثر من استخدامهم في الجيش، ولم تسلم العاصمة من مضايقاتهم، حتى أكثر الناس الشكوى من سلوكهم.

واختار المعتصم لعاصمته الجديدة مكانا يبعد 130 كم رأسا من شمال بغداد، شرقي نهر دجلة، وشرع في تخطيط عاصمته سنة 221هـ، 836م، وبعث إليها المهندسين والبنّاءين وأهل المهن من الحدادين والنجارين وغيرهم، وحمل إليها الأخشاب والرخام وكل ما يحتاج إليه البناء. 

وا معتصماه... فتحت عمورية

استغل الروم انشغال الخليفة المعتصم في القضاء على فتنة بابك الخرمي، وجهزوا جيشا ضخما قاده ملك الروم، بلغ أكثر من مئة ألف جندي، هاجم شمال الشام والجزيرة، ودخل مدينة «زِبَطْرة» التي تقع على الثغور، وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم، وقتل الجيش الرومي من بداخل حصون المدينة من الرجال، وانتقل إلى «ملطية» المجاورة فأغار عليها، وعلى كثير من الحصون، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسَمَلَ أعينهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى من المسلمات في ما قيل أكثر من ألف امرأة.

وصلت هذه الأنباء المروعة أسماع الخليفة، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل؛ فتحرك على الفور، وأمر بعمامة الغزاة فاعتم بها ونادى لساعته بالنفير والاستعداد للحرب.

ويذكر بعض الرواة أن امرأة ممن وقعن في أسر الروم قالت «وا معتصماه»، فنُقل إليه ذلك الحديث، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه، ونادى بالاستعداد للحرب.

وخرج المعتصم على رأس جيش كبير، وجهّزه بما لم يعدّه أحد من قبله من السلاح والمؤن وآلات الحرب والحصار، حتى وصل إلى منطقة الثغور، ودمّرت جيوشه مدينة أنقرة ثم اتجهت إلى عمورية في جمادى الأولى 223هـ، أبريل 838م وضربت حصارا على المدينة المنيعة دام نصف العام تقريبا، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت المدينة، ودخلها المسلمون في 17 رمضان سنة 223هـ، 13 أغسطس 838م بعد أن قُتل من أهلها ثلاثون ألفا، وغنم المسلمون غنائم عظيمة، وأمر الخليفة المعتصم بهدم أسوار المدينة المنيعة وأبوابها وكان لهذا الانتصار الكبير صداه في بلاد المسلمين.

وفاة المعتصم

ظل المعتصم يواصل فتوحاته وغزواته، ففُتحت بعض مدن صقلية، وغزت جنوده «قِلّورية» وتقع في جنوب إيطاليا، وتسمى الآن «كاليريا»، وكذلك جزيرة «مالطة» ولم تكن غُزيت من قبل.

وفي يوم الخميس الموافق 18 ربيع الأول 227هـ، 5 يناير 842م وافاه الأجل المحتوم، بعد أن أصبح اسمه نموذجا دائما للمروءة والدفاع عن الدين والوطن.

back to top