جامع الحاكم بأمر الله... ثاني أقدم مساجد القاهرة
الجامع الحاكمي أو الجامع الأنور هو ثاني أقدم مساجد مدينة القاهرة بعد الأزهر، بدأ الخليفة الفاطمي العزيز بالله تشييده في رمضان سنة 380هـ (990م)، وقبل أن يستكمل البناء صليت به الجمعة الثالثة من رمضان عام 381هـ، فلما تولى الخلافة الحاكم بأمر الله أمر باستكمال إنشاء الجامع في عام 393هـ (1002م)، وعندما ظهر خلل في مئذنتي الجامع أمر الحاكم ببناء قاعدتين هرميتين لتدعيمهما، وفي سنة 403هـ (1013م) كمل بناء الجامع وفرش وصليت به الجمعة في الخامس من رمضان سنة 403هـ (20 مارس 1013م).وقد عرف الجامع أولاً بجامع الخطبة ثم الجامع الأنور وأيضاً الجامع الحاكمي ويرجع السبب في تشييده خارج أسوار القاهرة التي شيدها جوهر الصقلي إلى امتداد العمران خارج السور الشمالي وازدحام الأزهر بالمصلين والأنشطة الدعوية والتعليمية، فأراد العزيز بالله أن ينقل خطبة الجمعة إلى مسجد فسيح لا تتوفر مساحة له داخل أسوار القاهرة. فلما قام بدر الجمالي في عام 480هـ بإنشاء أسوار جديدة للقاهرة ضم جامع الحاكم بأمر الله داخل الأسوار الشمالية الجديدة.
ويحتل الجامع مساحة مستطيلة (120م × 113م) ويتبع في تخطيطه طراز المساجد الجامعة الأولى فبوسطه صحن مكشوف مستطيل الأبعاد (78م × 66م) تحدق به أربع ظلات للصلاة أكبرها وأعمقها ظلة القبلة ونظراً لاتساع مساحته فقد استخدمت الدعامات المبنية بالطوب الأحمر لحمل العقود المدببة التي ترتكز عليها أسقف ظلات الصلاة.وبظلة القبلة خمسة أروقة موازية لجدار القبلة ويتوسط الأروقة مجاز قاطع مرتفع تسير عقوده بشكل عمودي على جدار القبلة وينتهي هذا المجاز بقبة أعلى المحراب كما نجد في طرفي رواق المحراب قبتين صغيرتين وذلك بهدف زيادة كمية الإضاءة الطبيعية في الرواق. ومحراب جامع الحاكم بأمر الله كان في الأصل مكسوا بالجص الأبيض ثم قام نقيب الأشراف عمر مكرم في القرن التاسع عشر بكسوته بأشرطة من الرخام الملون.وتحتوي الظلتان الجانبيتان على ثلاثة أروقة في كل منهما وتسير عقود الظلتين بشكل عمودي على جدار القبلة أما الظلة الخلفية فبها رواقان فقط. وللجامع مدخل تذكاري رئيسي يبرز عن سمت جدار الواجهة الشمالية الغربية بحوالي ستة أمتار وقد شيد باستخدام الأحجار ويعتبر أقدم الأبواب البارزة في المنشآت الدينية بمصر ويحيط شريط من كتابات كوفية تحمل اسم الخليفة الحاكم بأمر الله.ويشتهر الجامع الحاكمي بمئذنتيه الفريدتين، والمئذنة الشمالية منهما تتألف من قاعدة مربعة هى طابقها الأول وتعلوها ثلاثة طوابق أسطوانية مستديرة، أما المئذنة الغربية فتتكون من قاعدة مكعبة يليها طابق مربع ثم خمسة طوابق مثمنة، وهما محاطتان ببدنات مربعة لتدعيم بناء المئذنتين.وقد مر الجامع الأنور بأطوار من الازدهار والإهمال عبر تاريخه الطويل، بدأت بنقل الخطبة إليه في بداية العصر الأيوبي عندما أغلق صلاح الدين الأيوبي الجامع الأزهر.وفي عام 702هـ (1302م) تأثر الجامع بزلزال عنيف ضرب القاهرة، فتهدمت أعالي المئذنتين وبعض أسقف وجدران ظلات الصلاة وقام الأمير المملوكي بيبرس الجاشنكير بتجديد الدعامات وأقام سقوف الجامع وبيضه حتى عاد جديداً وأضاف للمئذنتين قمتين جديدتين على طراز نهايات المآذن المملوكية المبكرة والمعروف باسم المبخرة وهى عبارة عن قباب مضلعة.ولكن الجامع تخرب في القرن التاسع الهجري وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر اتخذت منه إسطبلاً لخيولها ومن مآذنه أبراجاً للمراقبة واحتلت مدرسة ابتدائية أجزاء من ظلاله في بداية القرن العشرين كما استخدم كمخزن للآثار الإسلامية قبل نقلها للمتحف الإسلامي بباب الخلق، وقامت طائفة البهرة منذ ثمانينيات القرن الماضي بالإنفاق على أعمال التجديد به وهو اليوم في أجمل صورة من التأنق.