الاستجواب المُدبر... والبرلمان الحائر

نشر في 21-07-2007 | 00:00
آخر تحديث 21-07-2007 | 00:00
 عبدالكريم السيد عبداللطيف الغربللي

إذا لم يحُل مجلس الأمة بشكل استباقي عند استجواب وزير المالية. فالسوابق التاريخية تقرر أن الاستجواب الثاني لا يمكن القبول به في ثقافة وأدبيات أعرافنا البرلمانية، وعليه يتم حل المجلس أو استقالة الحكومة، وبذلك تتحقق أهداف الاستجواب المُدبر.

 

لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ

ولا سَـراةَ إذا جُهَّالُهُـمْ ســادوا

تُلفَى الأمورُ بأهل الرُّشْدِ ما صَلَحَتْ

فـإِنْ تَوَلَّـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ

لا يحتاج الأمر إلى خبير لاستقراء مآل واقعنا السياسي المتوتر إثر التمادي بممارسة لعبة هز القارب «Rocking the Boat» وقرب بداية الهجوم -الاستجواب البرلماني- المُدبر والمخطط والإعداد له، كما يبدو، بدهاء كبير، والذي وظّفت له الامكانات -الأسلحة- التقليدية وغير التقليدية كلها. وهو بشكل عام -حتى الآن- ما زال داخل إطار قواعد اللعبة السياسية وضمن الإطار الدستوري. فإذا ما نظرنا بتجرد فالاستجواب هو حق دستوري لكل نائب حتى وإن استقبل «معاليه» مشروع الاستجواب بعبارات من نوع «شعللها». أما محاور الاستجواب وما قد تشتمل عليه من مادة فهي متوافرة وبسخاء منذ عهد يسبق عهد الوزير الحالي، ولكنها مستمرة. فوزارة الداخلية خدماتها ترتبط بشكل مباشر مع مصالح المواطنين والمقيمين كافة. وسلبيات وتخلف أدائها -رغم تفاني بعض المخلصين فيها- كثيرة ولا توجد صعوبة في رصدها وتوثيقها وتصويرها. ونذكر منها اختلال التركيبة السكانية إلى درجة الخطر، وازدحام وربكة المرور، وانتشار الجريمة والمخدرات، وعدم تقيد وانضباط بعض العاملين بنظم ولوائح العمل... بما في ذلك ضباط المباحث التي تكتظ صورهم بالصحف جنباً إلى جانب مع المجرمين، وغيرها من الأمور التي سوف يجد الوزير نفسه في موقف لا يحسد عليه عند إثارتها، ولسنا بحاجة الى التدليل على تزايد الوضع عند إضافة أعباء وزارة الدفاع الى الموضوع، أي أن وضع الوزير سوف يكون مثل «جدر الولائم الكبيرة» كله مماسك!

كما أن الاستجواب المُدبر قد جُحفل بأدوات ومهارات وإمكانات هجومية مُدمرة، فلو تمعنا في ما نشر في الإنترنت من مواد نجد أن «قيادة الهجوم» متبنية سياسة الأرض المحروقة وإلحاق أكبر أذى بالخصم، إضافة الى ذلك فإن استخدام سلاح النبش في الأرشيف والأحداث والتصريحات التاريخية -مهما كانت قديمة- والسيرة الذاتية للأشخاص هو سلاح لا يمكن الاستهانة به، أما سلاح المقالات الهجومية فقد وظف لشن حملة قاسية وشرسة تجاوزت في بعض الأحيان المقالات الهجومية التقليدية إذا ما نظرنا بعين اعتبار «أنزلوا الناس منازلهم»... هكذا تستمر لعبة «هز القارب» في تصاعد والقارب يترنح تحت وطأة الممارسات الخشنة والمتعمدة، فإذا ما استمر هذا اللعب الخشن من دون تدخل حازم من قبل الحكم فماذا يحدث؟!

ستجد القوى والتكتلات السياسية نفسها أمام وضع مُحيّر غير موافق الأعراف السائدة، ولكنه ضمن شروط القواعد الدستورية، ولا يمكن أن تعترض عليه، فمن حيث المبدأ لا تستطيع التكتلات السياسية الاعتراض على الاستجواب لا من حيث الشكل ولا الموضوع، في الوقت نفسه فإن التكتلات السياسية متوجسة وغير مطمئنة لمقاصد وأهداف هذا الاستجواب المُدبر، فهل يحاكمون النوايا؟! أم يسيرون ضمن القواعد الدستورية وينجح الهجوم في تحقيق أهدافه؟! أنصح بمطالعة رائعة الأديب الكبير توفيق الحكيم المسرحية الكوميدية الساخرة «السلطان الحائر» فربما تدلهم حبكتها على الموقف المناسب.

الوضع في الغالب -والله أعلم- سوف يستمر في التصعيد، وسيدخل الهجوم المُدبر مرحلة جديدة بعد عودة البرلمان من الإجازة الصيفية حيث من المتوقع تقديم استجواب إلى وزير المالية، يليه وبشكل مباشر تقديم استجواب -تاريخي- جديد لأول مرة في التاريخ السياسي الكويتي ضد قطب حكومي بدرجة «النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الداخلية وزير الدفاع».

النتيجة، إذا لم يحُل مجلس الأمة بشكل استباقي عند استجواب وزير المالية. فالسوابق التاريخية تقرر أن الاستجواب الثاني لا يمكن القبول به في ثقافة وأدبيات أعرافنا البرلمانية، وعليه يتم حل المجلس أو استقالة الحكومة، وبذلك تتحقق أهداف الاستجواب المُدبر.

إن حل المجلس بشكل دستوري، هو أمر قد يرحب به بعض المتحمسين وأنصار نظام الانتخابات الجديد ودوائره الخمس، إذا ما امتنعت الحكومة عن تنفيذ أو عقد مشاريع مهمة في غياب المجلس مثل عقود حقول الشمال، أو شراء الأسلحة، وإبرام العقود الضخمة.

ويبقى السؤال هل هذا الاستجواب «المُدبر» هو استجواب حق أريد به... حق؟! الجواب يكمن باستجلاء الأمور وتقييمها بشكل موضوعي، وباستعراض السيرة الذاتية لمقدميه وسجلات مواقفهم الوطنية، أخيراً هل القوى الوطنية مستعدة لتداعيات انقلاب القارب، والانتخابات المبكرة -غالباً في ديسمبر من هذه السنة -في ظل نظام الانتخابات الجديد؟!

back to top