أين الرسالة؟
إذا كان وزير النفط الشيخ علي الجراح يعتقد أن الذهاب إلى المنصة نزهة سهلة، فهو إما مطمئن أكثر مما يجب، وإما مخطئ موغل في سوء التقدير.فالصعود إلى المنصة في 25 الجاري لن يشبه النزول منها على الاطلاق، ومن قرر أن يُصعده إليها لن يضمن له بالضرورة عودته منها منتصراً على مستجوبيه، بل إنه لن يضمن له أن يعود إلى مقاعد الوزراء غير مثخن بالجراح... هذا إذا عاد!لا يثير موقف الجراح الدهشة، فالذي اعتبر علي الخليفة استاذه لن يتردد في التمسك بالكرسي حتى ولو صار «مخلّعاً»، ولن يرحل لمجرد أن استجواباً قوياً تناوله بالدلائل والحقائق، أو لأن المصلحة العامة تقتضي نزع فتيل «التوتر» من علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية. لكن ما يثير الاستغراب هو أن تعلن الحكومة مساندتها وزيرها رغم ارادة المجلس، ورغم الضرر الذي يلحقه بها هذا الموقف الذي يتعارض مع المزاجين الشعبي والنيابي، ولا يعطي المسيرة الديموقراطية السلاسة المفروضة التي تضمنها الأعراف البرلمانية ومصلحة البلاد العليا، أكثر مما تضمنها نصوص الدستور. ويهون الأمر لو اقتصر على موقف حكومي فرضته تقاليد التضامن الحكومي، أو نصرة الزميل، أو خشية فقدان الحظوة المشتركة، لكن المسألة تتعدى ذلك إلى سلوك بات يستسهل الصيف والشتاء على سقف واحد، وصار يكيل بمكيالين في التعامل مع أبناء الأسرة.السلوك نفسه هو الذي رجح التخلي عن أحمد العبدالله رغم أنه من ذرية مبارك، ورغم أنه لم يكن مسؤولاً مباشرة عن محاور الاستجواب الذي قُدِّم ضده على خلفية العلاج في الخارج. صحيح أن هذا الملف هو رواية بفصول ممتلئة بالشوائب، لكن الصحيح أيضاً أن التضحية بوزير كان يمكن - دستورياً - أن يصل إلى أعلى درجات المسؤولية ليست منطقية، إذا ما قورنت بموقف الحكم اليوم وقيست على قياس الحاضر.
إنه لتناقض واضح بين التخلي عن وزير من ذرية مبارك، وُرِّط من دون ذنب، والتمسك بوزير ورَّط نفسه، و«نفخ عليها» هو وأصدقاؤه من السياسيين، وهو الذي ورط الحكومة في مساندته، بدل أن يبادر إلى الاستقالة. إنه الخطأ المزدوج، إذ يجب أن يكون للوقوف مع الوزير، أو التخلي عنه أسباب واضحة، ومعايير ليست حمّالة أوجه، ولا تقبل الشك، ويجب أن تكون وراء قرار الدعم أو الاستغناء، رسالة واضحة تهدف إلى تنبيه، أو تحذير، أو إصلاح... فأين الرسالة؟ ومن يسعى إلى الاصلاح؟!