هيلاري كلينتون: لن أتنحى جانباً...

نشر في 03-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 03-04-2008 | 00:00

«دافني، بما أنني لن أترشح للرئاسة هذه السنة، رافقتكِ إلى هذا المنتجع لأعمل على تحسين مظهري...». هذا ما قالته لي هيلاري كلينتون في صيف العام 2004 في منتجع «كانيون رانش» في لينوكس هيلز بماساتشوستس. ومع أنني كنت قد أقمت مأدبة عشاء لجمع التبرعات لها قبل بضعة أشهر، والجميع في الوسط السياسي عرفوا سبب هذا العشاء، كانت هذه المرة الأولى التي تتحدّث فيها عن ترّشحها للرئاسة.

عرّفتُها إلى الدكتور مارك هيمان الذي يعالجني وبعض المشاهير ويساعدنا على تحمّل أعباء حياتنا المُرهِقة المليئة بالضغوط. وفي الحال إنضمت إلينا هي وبيل وتشيلسي.

بعيد فوز جون كيري بترشيح الحزب الديمقراطي في بوسطن، قررنا أن نروّح قليلاً عن أنفسنا. وأيّ مكان أفضل من منتجع كانيون رانش؟ فالدكتور هيمان يقيم على مقربةٍ منه ويمكنه الإشراف على حالتنا عن كثب. أحضرت معي منتجتي، في حين اصطحبت هيلاري والدتها دوروثي وابنتها تشيلسي. كانت الروابط اللصيقة التي تجمع بين هذه الأجيال الثلاثة واضحة، وخصوصاً بين هيلاري وتشيلسي. كنَّ يمشين الهوينة وهنَّ متوجهات بمناشف الاستحمام إلى صالة العلاج أو الجاكوزي. بَدَون كأنهن لا يأبهن بسائر المرضى من حولهن. في تلك الفترة، كنت عدت لتوّي من الأردن بعد أن أجريت مقابلة مع ابنة صدام حسين رغد. فراحت هيلاري وتشيلسي تتحادثان بصوت مرتفع عن رغد، ذاكرتين أسماء نساء مشهورات أخريات مثل بناظير بوتو، ما دفع بالنساء القادمات من التدليك بالحجارة إلى وضع سدادات في أذانهن... وازداد الوضع تعقيداً حين أدركت أنّ بين المريضات في المنتجع جينا وباربرا بوش، إبنتا الرئيس بوش...

لا أعرف لمَ عادت ذكريات تلك العطلة في منتجع كانيون رانش إلى ذهني هذا الأسبوع، حين التقيتها مرة أخرى على العشاء في أحد المنازل ورافقَتها ابنتها تشيلسي إلى هذه المناسبة. تمرّ هيلاري حالياً بمرحلة عصيبة. فقد أخبرتني في مناسبات عدة أن عودتها إلى البيت الأبيض ستكون سهلة، لأنّها لا تواجه أي منافسة. وبما أنني متشائمة بطبعي، كنت أردّد دوماً على مسامعها أنها حققت تقدماً كبيراً وجمعت الكثير من المال في وقت أبكر من اللازم. ولطالما اعتقدتُ بصراحة أن ثمة أسباباً تظهر في آخر لحظة وتؤدي إلى الفشل. فهذا ما حدث مع جون كيري، وهيلاري توافقني الرأي. أما أسباب الفشل التي تواجهها حالياً فترتبط بذلك الشاب الأسود الوسيم والجذاب باراك أوباما.

عليَّ أن أقر أنها بدت بعيدة عن الفوز هذا الأسبوع. فقد ظهرت علامات التعب واضحة على محياها. وكانت نظراتها حزينة توحي بأنها لا تصدق ما كان يحصل لها. تأخرت ساعة ونصف الساعة عن موعد العشاء في واشنطن العاصمة، بعد أن أرجئت طائرتها. فرحنا أنا ومضيفتنا نتبادل النظرات وكأننا نقول إحدانا للأخرى إن الأقدار تعاكسها.

وصلت إلى منزل صديقتي برفقة تشيلسي. كانت هذه الأخيرة ترتدي بنطال جينز وسترة، وشعرها ينسدل مسترسلاً على كتفَيها، فسحرت الضيوف المئة الموجودين في الغرفة، مما جعلني أشعر بالفخر. فهذه هي تشيلسي التي ساعدها طبيبي منذ ثلاث سنوات لتخسر نحو 10 كيلوغرامات من وزنها. لم تستطع آنذاك تقبُّل فكرة أنها ابنة بيل وهيلاري. فقد أخبرتني أنها تحب لندن وأنها شعرت بالأسى عندما اضطرت إلى العودة إلى نيويورك لأن والدتها لن تسمح لها بمساكنة رجل من دون زواج... وها هي تلك الفتاة الشابة المتحررة تتبادل الأحاديث مع أناس لم تلتقِ بهم من قبل، معربة عن ثقة كبير بوالدتها، والأهم من ذلك مشجعة الناس على دعمها.

قالت بكل بساطة: «أودُّ حقاً أن أشكر كل مَن يدعم والدتي. لا شك في أنها ستكون رئيسة ممتازة... تعلمتُ الكثير من هذه التجربة. فزرت 85 حرماً جامعياً. لم يسبق لي أن شاركت في حدث عام. لذلك شعرت بحماسة عارمة حين قابلت هؤلاء الأشخاص كلهم. آمل ألا أخيِّب ظنهم...». ففازت بإعجاب مضيفتي. عندما كنا في المصعد، سألتني تشيلسي عن إصابتي التي تعرّضت لها قرب فندق دورتشيستر في لندن. فقالت: «كيف حال قدميك؟ كيف تشعرين الآن؟».

ما كان ممكناً اختيار موقع أفضل لإقامة هذا العشاء. كنا في أحد أفخم المساكن في واشنطن العاصمة. وتحيط بالمبنى حديقة تحدها أشجار، مما أضفى على المكان جواً من الخصوصية. كان الطعام بسيطاً: تشيلي وخبز ذرة ومشروبات وتيراميسو للتحلية. وبخلاف حفل العشاء الذي أقمته على شرف بيل واضطررت خلاله إلى طرح الكثير من الأسئلة لأبدأ بالحديث... لم يكن بإمكاني فعل ذلك الآن. فقد بدت هيلاري منهكة. وكان عليها السفر بالطائرة في الخامسة صباحاً إلى بنسيلفانيا، تلك الولاية التي ستحدد مصير الترشيحات.

لكن السؤال الذي لم يتجرأ أحد على التفوه به في تلك الأمسية طرحه علانية بعد 24 ساعة أحد ممثلي الحزب الديمقراطي: «لمَ لا تستسلم هيلاري وتفسح في المجال أمام أوباما من أجل وحدة الحزب وقدرته على الوقوف في وجه الجمهوريين؟».

لم نتطرق إلى هذا السؤال في تلك الليلة المضنية. لكنها ردت عليه في الصباح التالي، قائلة: «دافني، هل لاحظتِ أن ثمة نمطاً يتكرر؟».

ماذا تقصدين؟

كلما اكتسبت حملتي قوة وزخماً، اقترح الناس علي الاستسلام والتخلي عن ترشيح الحزب الديمقراطي... لا يتصرف أولئك المتحمسون لتهميشنا على هذا النحو لأنهم يظنون أنني سأخسر الانتخابات التمهيدية المقبلة... فهم يدركون أنني في موقع يسمح لي بالفوز.

إذاً، ما هو موقف هيلاري من المسائل الأساسية؟ من العراق مثلاً؟

ستكون أولويتي وقف الحرب. أتعلمين يا دافني؟ فقدنا احترام العالم... ألا تظنين أن الأوان قد حان لنستميل العالم مجدداً؟ أعتقد أنه من الضروري في الوقت الراهن أن نبني علاقات مع البلدان الأخرى. أظن أنني الشخص المناسب لإصلاح هذه الإخفاقات. بات الناس في البلدان الأخرى يكرهون الولايات المتحدة. وعلينا معالجة هذا الوضع.

هل يمكنك معالجته؟

أشعر أنني الشخص الملائم للاضطلاع بهذه المهمة. قمت بأسفار عدة إلى بلدان أجنبية عندما كنت السيدة الأولى. فاكتسبت خبرة واسعة وصنعت الكثير من الصداقات. والأهم من ذلك أنني أرغب حقاً في إصلاح هذا الوضع. أود من كل قلبي أن أكون الشخص الذي يعيد أولادنا إلى الوطن من العراق.

لمَ تعتقدين أن هذه الانتخابات مختلفة؟

أعتقد ذلك، يا دافني، لأن الانتخابات ستقدّم الجواب عن سؤالين محددين: إلى أين تتجه الولايات المتحدة؟ وما الدور الذي ستؤديه على الصعيد العالمي؟

نلاحظ الآن مقالات وشائعات كثيرة عنك وعن بيل.

نشكل أنا وبيل فريقاً. سمعت الكثير من الشائعات...

تحب هيلاري بيل. وما من اتفاق بينهما. صدقوني، أنا مقربة جداً منها. وهو أيضاً يحبها كثيراً، إنما على طريقته الخاصة.

أتحدث إلى بيل مرات عدة في اليوم. فهو مستشاري. لا، لا أعتقد أنه أساء إلى حملتي. فقد وقف إلى جانب زوجته وساندها... ما كنت لأترشح لو لم أناقش المسألة معه. دعم هذه الفكرة كاملاً بعد أن تأكد من أن هذا ما أريده فعلاً. إنه صديقي الحميم. أعلم أن الشائعات تقول إننا بالكاد نرى بعضنا. لكننا نتحادث باستمرار عبر الهاتف. فهو مَن قال لي: «إذا عجزت عن الفوز، نكون قد خضنا تجربة مذهلة وسنمضي حياة رائعة».

عليّ أن أعترف أنني، كما تعلمين، أفوز دائماً. ولم أعتد الخسارة. ولكن ما العمل في حال خسرت؟ هل فكرت في الموضوع؟

دافني... لا أعلم... أعتقد أن علي أن أبذل قصارى جهدي... كلما استيقظت في الصباح، فكرت في ما يمكنني تحقيقه كل يوم. هل انتابك يوماً هذا الشعور؟

بيل كلينتون في معرض حديثه عن هيلاري:

الحياة جميلة...

عندما أجريت مقابلة مع بيل وأقمت حفل عشاء على شرفه قبل بضعة أشهر، عبّر عن مشاعره بكلمات رقيقة وقال لي: «سألتني هيلاري عما إذا كان يجب أن تترشح للرئاسة. فأجبتها: إذا كنت تظنين أنك مؤهلة لهذا المنصب، فلمَ لا؟ ونصحتها بأن تبذل قصارى جهدها. وإن لم تنجح في تحقيق غايتها، نتابع حياتنا ونمضي أوقاتاً مرحة... سنسافر ونلتقي بأناس جدد ونستمتع بحياتنا... ستكون الحياة جميلة».

أعتقد أنّ بيل كان يتكلّم بشكل افتراضي حين دار هذا الحديث بيننا... (وقعت هذه الحادثة في ربيع عام 2007). فقد كانت هيلاري آنذاك متقدّمة على خصومها ولا تواجه أي منافسة تُذكر. وعندما أخبرتُ بعض الأشخاص أنني دُعيت لمقابلة باراك أوباما ورجال آخرين من وجهاء نيويورك، رمقوني بنظرة استغراب... متسائلين: «لمَ تزعج شخصية مرموقة نفسها وتذهب لمقابلته؟». أعتقد أن «الفضول» غاب عن أذهانهم... وكم تبدلت الأوضاع خلال أربعة أو خمسة أشهر!

بصفتي صديقة هيلاري، يمكنني القول بصدق إنها تحب بيل. إنها تعشقه، وهما يشكّلان ثنائياً رائعاً. يرغب بيل من كلّ قلبه في فوز هيلاري. ولكن لا شك في أن كثيرين من الناس يعتبرونه (بسبب مونيكا، بولا...) عبئاً.

تشيلسي كلينتون:

«تأثرت كثيراً...»

تقول تشيلسي كلينتون، إبنة هيلاري، لدافني: «... من المهم جداً أن أدعم حملة أمي الانتخابية... فهي على وشك أن تخوض معركة قاسية... ولي ملء الثقة أنها تستطيع الفوز... فهي تعمل بكدٍّ في جولتها الانتخابية... تحدثت إلى أناس كثيرين متحمسين جداً لفوز والدتي وتبوئها سدة الرئاسة. ونحن جميعاً نبذل قصارى جهدنا لتحقيق هذه الغاية... تأثرت كثيراً حين رأيت هذا العدد الكبير من الناس الذين يضعون ثقتهم في أمي ويحاولون مساعدتها كي تفوز. أنا متأكدة من أنها ستكون رئيسة ممتازة... ألا تعتقدين ذلك؟ نعم، هذه مسألة تمسُّني شخصياً، لأنني مقربة جداً من والدتي. فنحن نشكل فريقاً واحداً».

back to top