فلسطين توني بلير

نشر في 02-04-2008
آخر تحديث 02-04-2008 | 00:00
من المفترض ألا يعرض بلير على الفلسطينيين تأسيس دولتهم قبل التوصل إلى اتفاق على الحدود النهائية، فليس من الممكن أن تنشأ الدولة الفلسطينية من دون التعامل مع مستعمرات الضفة الغربية.
 بروجيكت سنديكيت يتمتع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بالعديد من السمات الإيجابية، بما في ذلك الكثير من الجاذبية. ولسوف يحتاج إلى كل مهاراته كي يتمكن من التعامل مع ذلك الحجم المربك من المهام العالمية المحيرة التي أخذها على عاتقه منذ أزاحه عن منصبه خلفه العنيد غوردون براون. وبعد أن كان يدير بريطانيا أصبح عمله اليومي الأساسي هو جلب السلام للشرق الأوسط من خلال المساعدة في إنشاء المؤسسات الحاكمة للدولة الفلسطينية.

منذ ذلك الوقت، أصبح بلير ناصحاً للبنوك (التي باتت في حاجة إلى كل النصائح التي تستطيع الحصول عليها في هذه الأيام)، ويجوب العالم للترويج لسياسة عقلانية فيما يتصل بالاحترار العالمي وتغير المناخ، وأنشأ مؤسسة للمساعدة في التقريب بين العقائد المختلفة، كما سيلقي محاضرات عن الأديان في جامعة يال. ولم يبق إلا أن يعيد أمجاد فريق كرة القدم الوطني الانكليزي وفريق الكروكيه. وربما يستطيع أن يخصص الوقت لهذه المهمة في العطلات الأسبوعية.

إلا أن بلير ألقى أخيراً تعليقا مفيداً بشأن فلسطين وإسرائيل، ويستحق أن يؤخذ على محمل الجد. فخلال السنوات الطويلة لهذه المأساة الدامية حاولنا شق طريقنا ببطء شديد نحو التوصل إلى تسوية عن طريق خطوات بناء الثقة، أو عن طريق دفع كل من طرفي الصراع إلى اتخاذ خطوات متوازية نحو التوصل إلى اتفاق، كما هي الحال مع خريطة الطريق التي توفيت منذ أمد بعيد. ويقترح بعض المراقبين، وعلى رأسهم أنصار السلام الجادين بين الإسرائيليين، أسلوباً مختلفاً في التعامل مع الأمر.

فهم يزعمون أن النجاح لن يتأتى أبدا بتلمس الطريق ببطء نحو التوصل إلى اتفاق نهائي. ويقترحون بدلاً من ذلك القفز إلى الحل النهائي مباشرة. وبما أن الحصول على موافقة الطرفين ليس بالأمر الوارد، فلابد من فرض الحل النهائي عليهما من الخارج.

بيد أن هذه النتيجة الطموحة وصفها أسهل من تحقيقها. فرغم أن الرأي العام الإسرائيلي يبدو في العادة متقدماً إلى حد كبير عن الزعامات السياسية في إسرائيل فيما يتصل بالتعامل مع مسألة السلام، إلا أنه من العسير أن نتصور أي وسيلة لتخطي هذه الزعامات في اتخاذ القرار. بل لابد من حثهم ودفعهم إلى الدخول في مفاوضات ناجحة.

ولكن ماذا قد يعني التوجه مباشرة نحو تأسيس الدولة الفلسطينية؟

من المفترض ألا يعرض بلير على الفلسطينيين تأسيس دولتهم قبل التوصل إلى اتفاق على الحدود النهائية. فليس من الممكن أن تنشأ الدولة الفلسطينية من دون التعامل مع مستعمرات الضفة الغربية. وإن كنت لا تصدقني فما عليك إلا أن تقوم بزيارة إلى الضفة الغربية لكي ترى، على سبيل المثال، كيف يخترق التطوير المدني المقترح للقدس الغربية قلب المناطق الفلسطينية باتجاه البحر الميت. كيف لنا أن نتصور دولة قابلة للبقاء وهي مقسمة بالأسوار، والطرق العسكرية، والأسلاك الشائكة؟

إن أي دولة فلسطينية لابد أن تكون داخل حدود 1967 (مع تعديل تلك الحدود تبعاً للمفاوضات). نجح نشطاء السلام على الجانبين في حل هذه المسألة في مبادرة جنيف. ولقد اقترب ياسر عرفات وإيهود باراك من تحقيق هذه الغاية في كامب ديفيد قبل ثماني سنوات تقريبا.

علاوة على هذا فإن الدولة الفلسطينية لن تتكون من غزة والضفة الغربية فقط، بل من المفترض أن تعمل على التوفيق بين الأحزاب السياسية الرئيسية في كل منطقة. ولم ولن تنجح محاولات تدمير حماس ـ سواء على الصعيد السياسي أو المادي. لقد ارتكب الأميركيون والأوروبيون خطأ جسيماً بالتآمر على إفشال حكومة الوحدة الوطنية بين «فتح» و«حماس»، التي يرجع القدر الأعظم من الفضل في تشكيلها إلى دبلوماسية المملكة العربية السعودية وغيرها من بلدان الجامعة العربية.

أتمنى أن يكون بلير حريصاً على نقل هذه الصورة إلى أصدقائه الأميركيين. كان التوصل إلى اتفاق السلام في أيرلندا الشمالية من أعظم إنجازاته. ولقد اعتمد هذا النصر التاريخي على استمالة ساسة الشين فين ـ زعماء الحركة الجمهورية الأيرلندية الذين لم يكن من اليسير في العديد من الأحوال التمييز بينهم وبين الجيش الجمهوري الأيرلندي، الذي قصف المدنيين وأطلق عليهم الرصاص وأصابهم بالعاهات، في سعيه إلى تحقيق غاياته السياسية.

ما الذي يجعل ما نجح بالفعل في أيرلندا الشمالية ـ بضغط من الولايات المتحدة على بريطانيا ـ مستحيل الحدوث في الشرق الأوسط؟ وهل نحن في الغرب مذنبون بتبني معايير مزدوجة من جديد؟

بطبيعة الحال، أنا أمقت أيّ وكل عمل إرهابي، سواء من قِبَل «حماس» أو أي جهة أخرى، ولي صديق قتله الإرهابيون. ولكن منذ متى كانت المشاعر والإدانة الأخلاقية من المكونات الكافية لأي عملية سياسية؟ ومتى كان النجاح من نصيب رد الفعل العسكري غير المتكافئ في مواجهة الإرهاب؟

يتلخص التحدي الثالث فيما يتصل بتأسيس الدولة الفلسطينية في إنشاء مؤسسات الدولة: المستشفيات، والموانئ، والمطارات، والطرق، والمحاكم، وأقسام الشرطة، وإدارات الضرائب، وسجلات المحفوظات الحكومية. حين كنت أشغل منصب المفوض الأوروبي، نجحنا في توفير الأرصدة المالية اللازمة، من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين، لتمويل هذه المؤسسات. ثم رأينا إسرائيل وهي تحطم وتدمر كل شيء على نحو منظم، ردا على الانتفاضة الثانية.

كيف يؤدي تحطيم مكاتب رخص القيادة في فلسطين إلى الحفاظ على الأمن الإسرائيلي؟ وكيف تسنى الحفاظ عليه بتخريب ممرات الطائرات، واقتلاع أشجار الزيتون، وتسميم مياه الآبار؟

إن الدولة الفلسطينية لابد أن تُبنى من القاع إلى القمة، وما يُـبنى لا ينبغي أن يُهدَم بأي حال من الأحوال.

أريد أن أرى ـ وأنا على يقين من أن بلير أيضاً يريد هذا ـ دولة فلسطينية مسالمة إلى جانب إسرائيل الآمنة في منطقة يوحدها الرخاء والاستقرار، وربما يعرف بلير كيف تتحقق مثل هذه الغاية. ولكن يتعين عليه أن يجد الوقت لإمعان النظر في كل ما يرتبط بهذا التوجه من عواقب، فيما بين اجتماعات مجالس الإدارة، والمحاضرات، ومناسبات التقاط الصور.

* كريس باتن | Chris Patten ، حاكم هونغ كونغ الأسبق والمفوض الأوروبي السابق للشؤون الخارجية. ويشغل حالياً منصب رئيس جامعة أكسفورد والرئيس المشارك لمجموعة الأزمات الدولية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».

back to top