على هامش سان كلو أميركا تلعب في وقت سورية الضائع

نشر في 17-07-2007
آخر تحديث 17-07-2007 | 00:00
 بلال خبيز خاض «حزب الله» سجالاً سياسياً مع الإدارة الفرنسية، إثر تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي وصف فيها بعض أعمال «حزب الله» بالإرهابية. في هذا السجال شكل «حزب الله» مخلب قط متقدماً للسياسة الإيرانية في المنطقة. لكن سلاحه هذه المرة لم يكن راجمات الصواريخ، بل نشاط دبلوماسي وإعلامي كثيف. والذين يعرفون طبيعة ما يجري اليوم في لبنان والمنطقة، يدركون أن «حزب الله» كان ينتظر ويتوقع، في الوقت نفسه، تراجعاً فرنسياً عن التصريحات المثيرة للجدل. ذلك أن لقاء «سان كلو» بالنسبة لـ«حزب الله» كان لقاءً مهماً ولا يريد التخلف عنه. لكن أهمية لقاء «سان كلو» بالنسبة لـ«حزب الله» لا تتعلق بأهميته بالنسبة للبنان، أو بحاجته الملحة إلى تقديم لغة الحوار الداخلي على لغة الشتائم التي يتقاذفها اللبنانيون في ما بينهم. فـ «حزب الله»، والإدارة الإيرانية من ورائه، يريد تعميق الفصل بين سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وسياسة فرنسا، خصوصاً حيال لبنان. وهو فصل له ما يبرره فعلاً بسبب تعثر السياسة الأميركية، والجدال الحامي الوطيس الذي يخوضه الديموقراطيون والجمهوريون في الولايات المتحدة حيال السياسات الأنسب التي يجدر بالولايات المتحدة اتباعها في المنطقة.

في الجهة المقابلة من جهات الأزمة اللبنانية المفتوحة والمتواصلة، يشيع فريق الموالاة اللبنانية تحليلات سياسية وينقل معلومات صحفية تحاول تحديد الفوارق بين السياسة الإيرانية في لبنان والسياسة السورية فيه وتظهيرها. ويحلو للبعض ان يذكر ان الخارجية الإيرانية لم تصرم كل حبال الود مع الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، التي تعتبرها المعارضة اللبنانية فاقدة للشرعية، وأن الخارجية الإيرانية من أبرز رعاة سان كلو ومن الذين عملوا لإنجاحه في الحدود التي كانت مقررة له. بل وذهبت الخارجية الإيرانية إلى تسريب معلومات عن احتمال مقايضة سلاح حزب الله في لبنان ببعض التعديلات في طبيعة النظام السياسي لمصلحة الطائفة الشيعية حصراً. هذا، ومازال الجميع يتذكر أن باريس كانت المحطة التي أعلن فيها المسؤول عن الملف النووي الإيراني، وتالياً عن العلاقة الإيرانية مع الغرب، اقتراحات لحل الأزمة اللبنانية، في تصريحات لصحيفة «الفيغارو» الواسعة الانتشار، ذهب بعضها، (أي التصريحات)، إلى طرح حلول لمسألة سلاح «حزب الله» عبر دمجه بالجيش اللبناني.

في اللحظة الراهنة لبنانياً واقليمياً، يجهد الفرقاء اللبنانيون والإقليميون لحصر المشكلات اللبنانية بسورية والولايات المتحدة الأميركية من دون حلفائهما في المنطقة والعالم. ففرنسا ساركوزي ليست مطية للسياسات الأميركية في لبنان بحسب المعارضة اللبنانية، و«حزب الله» ليس مطية للسياسات السورية في لبنان بحسب الموالاة. والخلاصة أننا أمام محاولات لشق جبهات المتحالفين تمهيداً لتحقيق نوع من المراوحة اللبنانية عند الحدود التي بلغتها الأزمة الحالية.

والأرجح أن هذا كله يهدف إلى تبريد السخونة في الملف اللبناني لا أكثر ولا أقل. فلا الإدارة السورية قصيرة الباع في لبنان، وسورية كما يعلم الجميع، ليست حجراً متقلقلاً يمكن رميه على العدو والتخلص منه إلى الأبد. وغني عن القول إن الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية التي لا يمكن اعتبارها لاعباً ضعيفاً في أي حال من الأحوال. إذ قد تخسر أميركا وقد تربح في المنطقة، لكنها في خسارتها قد تسحل دولاً كاملة عن الخارطة، وفي ربحها قد تفعل ذلك، أيضاً.

ما تقدم لا يمنع المتحاورين اللبنانيين في سان كلو من محاولة تسجيل نقاط على بعض الأطراف الخارجية المتدخلة في الأزمة اللبنانية. وواقع الحال أنه في المدى الأميركي المنظور ثمة حال من المراوحة حيال سياساتها في المنطقة، ما يتيح لفرنسا أو غيرها الركض في ميدان تبريد حدة الأزمة وإبقاء الأمور على الحال التي وصلت إليه من دون انفجارات دراماتيكية. لكن الأمر لا يصح بالدرجة نفسها على سورية التي لا تملك الكثير من الوقت لتعدل الخسارة التي منيت بها. فالإدارة السورية التي مازالت تتغذى من ريع الموقع الجغرافي الذي جعلها تتوسط قلب الأزمات في المنطقة، تعرف جيداً أن هذ الموقع لن يبقى على أهميته في حال استمرار الحصار الدبلوماسي عليها. ذلك انها تنظر بعين القلق إلى المصير الذي آل إليه الموقع العراقي بعدما كان على مدى قرون طويلة السد المنيع الذي يفصل المشاريع الإمبراطورية الآسيوية عن نفط المنطقة العربية وثرواتها، وها هو اليوم موقعاً مستباحاً لكل من تسول له نفسه أن يتحول إلى بطل أو شهيد.

 

كاتب لبناني

back to top