التصويت بالأرجل!

نشر في 30-01-2008
آخر تحديث 30-01-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي خروج 750 ألف فلسطيني من غزة ورفح إلى الأراضي المصرية هو ما يمكن تسميته «تصويت بالأرجل» ضد سياسة حكومة «حماس» مقابل تصويتهم لها بالأيدي في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. فبعد أن كان الفلسطينيون يطالبون بحق العودة نجدهم اليوم يطالبون بحق الخروج من الأراضي الفلسطينية. كيف تحولوا من المطالبة بحق العودة إلى المطالبة بحق الخروج؟ هذا هو السؤال اليوم. لا أعتقد أنه يوجد عربي واحد لا يتعاطف كلياً مع مأساة الفلسطينيين، لذا يجب عدم التشكيك في نوايا أحد عندما يحاول مناقشة الوضع الفلسطيني بشيء من الجدية الصارمة. لقد دلّل العرب (مشاعرياً) الفلسطينيين كثيراً لدرجة عدم القدرة على محاسبتهم، أو حتى مناقشتهم، عندما يخطئون. ترى ماذا يعنى الخروج من غزة بشكل استراتيجي؟

أول ما يعني هو بداية تصفية القضية الفلسطينية كما نعرفها، والعودة ستين عاماً إلى الوراء، هذا في أحسن الأحوال وأحسن الظنون. أي أن تتسلم مصر إدارة قطاع غزة كما كان الحال قبل عام 1967، وبالمقابل تتسلم الأردن إدارة الضفة الغربية أيضاً كما كان الحال قبل عام 1967. فهل هذا ما تريده «حماس»؟

الخروج من غزة أيضا يعني أن تصدر اسرائيل مسألة غزة كعبء إلى مصر، أي تنقل المسؤولية الحياتية والأخلاقية من الإسرائيليين إلى المصريين. وعلى مصر أن تستوعب هؤلاء البشر وتدير شؤونهم.

الخروج من غزة أيضاً يعني أن يقيم الفلسطينيون بشكل مؤقت على أرض سيناء، وتدريجياً يتحول الوضع المؤقت إلى وضع دائم، ألم يكن وجود الفلسطينيين في لبنان وضعاً مؤقتاً ذات يوم، وأصبح الحديث اليوم عن توطين الفلسطينيين في لبنان؟ ألم يكن وجود الفلسطينيين في الأردن وضعاً مؤقتاً، واليوم يتحدث الإسرائيليون عن أن الأردن هي فلسطين، أو فلسطين هي الأردن؟

الوضع في سيناء لن يختلف كثيراً. ستبقى في سيناء أعداد من الفلسطينيين، وسيوطنون، وستشرب مصر المقلب وسط زفة إعلامية ووطنية جارفة تشكر مصر على قرارها، ثم ما يلبث الوضع أن يتعقد ويندم الجميع على هذا القرار.

في مؤتمر هرتسليا للدراسات الاستراتيجية، طرح أخيراً تصور جديد للسلام بين العرب وإسرائيل. الأساس في هذا التصور هو تعديل خرائط الشرق الأوسط بشكله الحالي. أي أن يُستقطع جزء من شمال سيناء ويُعطى للفلسطينيين وتعوَّض مصر عن هذه الأرض في صحراء النقب. قُدم هذا التصور على أنه رحمة بالفلسطينيين المكدسين في تلك البقعة الصغيرة من الأرض كي تتسع بهم المساحات ويمكن لحظتها الحديث عن دولة فلسطينية لها قدرة على الحياة. هذا التصور طرح أيضاً تعديل الحدود مع لبنان وسورية والأردن. تصور يجب على العرب أن يقرؤوه بشكل جيد.

ملفت للنظر أن إسرائيل التي كانت دائماً مسكونة بهاجس سيطرتها على الحدود مع مصر والأردن، لم تقل شيئاً ذا قيمة فيما يخص تكسير وامتهان قدسية الحدود بين مصر وإسرائيل التي قام بها رجال «حماس» ونساؤها.

إسرائيل لم تتحرك لأن هذا السلوك يصب في الخطة المرسومة لتصفية القضية الفلسطينية. فإذا ما أصبحت غزة موضوعاً مصرياً، وإذا ما أصبح الخروج هو الهاجس الفلسطيني الأوحد، فلن يتحدث عاقل في العالم عن موضوع حق العودة. لن يتحدث عاقل أيضاً عن دولة فلسطينية مقطعة الأوصال. فرؤية بوش التي تكلم فيها عن دولة فلسطينية مترابطة جغرافياً قد سقطت بخروج 750 ألف مواطن من غزة إلى مصر، أي ما يساوي عدد سكان قطر أو البحرين. انتهى حلم الدولة. وهنا تكمن الغرابة، بقرار عربي ظاهره رحيم وباطنه جحيم. إنها سياسة «الترانسفير» (أي نقل الفلسطينيين إلى الجانب الآخر) البطيئة. خروج الفلسطينيين من غزة هو حلم إسرائيل في «الترانسفير»، وها هي «حماس» ومعها كثير من العرب يقدمون أكبر خدمة لإسرائيل مصحوبة بكل الهتاف وكل الـ «حماس».

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top