أفضل فيلم مصري لصيف ‏2007

نشر في 17-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 17-09-2007 | 00:00
في مقدّم الأفلام التي عرضتها السينما المصرية عام 2007 فيلم المخرج الكبير محمد خان «في شقة مصر الجديدة «الذي كتبته وسام سليمان، وفيلم «قص ولزق» إخراج المخرجة الشابة القديرة هالة خليل وتأليفها. إنهما أفضل أفلام العام حتى الآن.

عرض «قص ولزق» في صيف 2007 وهو الأنضج بلا منازع في كل ما شاهدناه خلال شهوره بل مختلف تماماً عن جميع أفلام موسم الصيف الأخرى، ليس لكونه خارج إطار أفلام الفكاهة المعتادة، بل هو تجربة فنية عميقة ومرهفة تنتمي إلى الأفلام الفنية المميزة جمالياً والنافذة رؤية ومضموناً.

من براعة هالة خليل فى «قص ولزق» أنها لم تجعلنا نشعر بأي اختناق أو بأن شيئاً يكتم أنفاسنا مشاهدين، مع أن شخوص الفيلم محاصرة طيلة الوقت، يمسك بخناقها شيء، بل أشياء صعبة وقاسية مصرة. إنهم شخوص في مصيدة.

عبرت هالة خليل عن الاختناق من دون أن تشعرنا به، بل جعلتنا نتأمله ونفكر فيه ونناقشه، تماماً كمن يبرع في التعبير عن الملل من دون أن يجعلنا نمل.

بل دفعتنا إلى الشعور بالمتعة الفنية الراقية عبر جماليات الفيلم النابعة من بساطة وصدق آسرين واضحين ومن اقتدار المخرجة / الكاتبة وتحكمها في عناصر العملية السينمائية. كما نرى أنضج مستويات التعبير الدقيق، بصرياً وسمعياً، عن الرؤية الكاملة للعمل، تصوير طارق التلمساني ومونتاج خالد مرعي وموسيقى تامر كروان.

بطلة الفيلم الشابة «جميلة» (حنان ترك) هي أكثر من يتحرك في الفيلم/ المجتمع/ المصيدة بقلق وتوتر وتمرد طيلة الوقت. تريد أن تخرج، أن تكسر كل شيء لتمضي. تفعل أي شيء حتى لو ببعض الفهلوة أو الاحتيال. تجمع النقود، توفر الشروط شرطاً فآخر من أجل الهجرة إلى «نيوزيلاندا» وآخر تلك الشروط المتاحة أن تتزوج. من هنا تبدأ العلاقة بـ «يوسف» (شريف منير) فتقنعه بأن يتزوجا حتى يستوفيا الشروط (!) فيجاريها. وفي النهاية يشعران بالحب فيمارسانه في نشوة، ربما تعويضاً عن الخيبة وفشل مشروع السفر أو محاولة إيجاد مهرب من الخناق الشامل.

لكن في اختلاف ملحوظ مع شخصيتهما، نجد شخصية «يوسف» الذي يقوم بعمل متواضع (تركيب طبق الاستقبال). يسعى في تؤدة واجتهاد وصبر على المكاره من أجل الخروج أيضاً والانعتاق.

نماذج أخرى: شقيقه (أشرف سرحان) الذي يحاول أن يتزوج ويستقر لكن لا تتوافر سوى شقة واحدة للشقيقين. يحاول أن يستقر بشيء من الاستسلام القدري للأوضاع الضاغطة والمخيمة كالقدر. يستعين على الصعوبة بقليل من النوم ويترك النفس لشيء من الاكتئاب من دون أن يدعه يبتلعه. يرخي لحيته بلا اعتناء أو حلاقة. يترك الأمور كما هي: لن تأتي بما هو أسوأ. ليست حالي هي الأسوأ، أليس كذلك؟ لا بأس!

صديقة البطلة (مروة البحراوي) وصديق البطل أيضاً (فتحي عبد الوهاب) يبحثان عن نسمات حب قد تجعلهما يحتملان الحياة تحت الأسر. درجات من التوتر أو البحث عن مخرج تلف الجميع.

لكن التوتر يبلغ أقصاه في بضع لحظات (ثلاثة مشاهد تحديداً) هي كل ما تظهر فيه «الزوجة والأم الشابة» (حنان مطاوع). سافر زوجها لكنه تركها وأطفالها في وحدة قاتلة بلا شريك أو ونيس. كل شيء ـ لا ما هو غريزي فحسب ـ يضغط على أعصابها حتى تنفجر في أطفالها في نوبة جنون. ونراها في المشهد الأخير مع شاب يشاهدان فيلماً. ليس الانحدار والسقوط بقدر ما هو الانفجار الذروة التي تلخص ضغط الواقع على كل الشخوص في المجتمع التي ينتظرها الانفجار بدورها، بصورة أو أخرى. إنه فيلم عن الانفجار المنتظر بقدر ما هو عمل عن عوامل الضغط المتراكمة المتفاقمة الشاملة.

المشكلة ليست في تلك النماذج، في هؤلاء الشباب، بل في المجتمع بأكمله، مصر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فإن لم تكن مصر في هذه الفترة الوطن المحاصر حتى الاختناق أو يكاد في مصيدة قاسية وخلف أسوار عاتية، الوطن المرشح لمزيد من الانحدار أو للانفجار فأي وطن تكون؟!

«قص ولزق» فيلم يتحدث في السياسة، عن مصر في عهد حسني مبارك بخاصة وفي الفترات الأخيرة من حكمه الطويل تحديداً، لكن من دون كلمة سياسية مباشرة واحدة! لم تجد هالة خليل ذلك ضرورياً بحكم طبيعة التناول الدرامي للعمل. عبرت عن القضية السياسية والاجتماعية (بل المجتمعية) على طريقتها الخاصة ملامسةً بدقة الأوجاع الحقيقية.

من في هذا الفيلم لم يؤدّ واجبه كاملاً ويمنح إبداعه تألقاً؟ نرى كلاً من حنان ترك وشريف منير في أفضل حال ومستوى. أديا الدورين بفهم دقيق للشخصية، أمسكا بجوهرها ولمسا معاناتها وقدماها في أداء شعري جميل ومكثف. ولم يكن فتحي عبد الوهاب أقل منهما في ذلك، ولا الوجهان الموهوبان اللذان يحسب لهالة خليل أنها قدمتهما في دورين مهمين مؤثرين، واثقة من قدراتهما، إنهما أشرف سرحان بتميزه ونكهة أدائه الخاصة التي تحتاج إليها السينما ووعيه العميق بمكونات الشخصية عبر النظرة والإيماءة، ومروة البحراوي بحيوية أدائها الدافقة وثقتها الواضحة بقدرتها على التعبير والتواصل مع المتلقي رغم حضورها الجديد على الشاشة. أما حنان مطاوع في الدور القصير (ثلاثة مشاهد) فتذكرنا في لحظاتها الصعبة الدقيقة بين الحاجة النفسية الملحة والهيجان النفسي إلى حد الغضب الشامل، بدورين رائعين لوالدتها الممثلة الكبيرة سهير المرشدي في «عودة الابن الضال» و «رغبة متوحشة». كما تذكرنا بالتأثير القوي الذي تركته في دور قصير بأدوار قصيرة جداً لعمالقة تركت انطباعاً جميلاً عذباً ومستمراً مثل نادية لطفي في «المومياء» وأمينة رزق فى «أريد حلاً». إنها من المواهب الشابة التي تمنحنا ثقة حقيقية وأملاً بمستقبل زاهر لفن الأداء في مصر.

back to top