فيتو حماس

نشر في 23-01-2008
آخر تحديث 23-01-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي «حماس» هي التي أدخلت غزة في الظلمات. فمن يطلق الصواريخ لا بد أن يكون جاهزاً لردة الفعل. إسرائيل لن ترد على الصواريخ بالورود. نحن نقول ليل نهار إن إسرائيل دولة محتلة، فهل نتوقع منها أن تتصرف كالمسيح وتدير الخد الآخر لصواريخ «حماس»؟ بالطبع لا يمكن أن ننتقد الضحية، وهو الشعب الفلسطيني، ولكن بالتأكيد مَن انقلبوا على الرئيس محمود عباس في غزة وتباهوا بأن خيارهم لحل الصراع مع إسرائيل هو الخيار العسكري، هم المسؤولون عن مأساة اليوم في المقام الأول. الاحتلال هكذا غاشم، لم يعرف التاريخ احتلالا إنسانيا. أما جماعة «حماس»، فإن لم يكونوا يبحثون عن مجد شخصي مقابل التضحية بالفقراء والمتعبين، فأولى مسؤولياتهم هي حماية شعبهم.

اليوم نسمع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، مطالباً مصر والرئيس المصري حسني مبارك بتوصيل الكهرباء إلى غزة، وأنا أضم صوتي إلى صوته، ولكن كيف يصبح مبارك هو المسؤول عن نتائج مواقف خالد مشعل وإسماعيل هنية؟ أليست مصر هي الدولة ذاتها، ومبارك هو الرئيس ذاته، اللذان وجه إليهما اللوم في قصة الحجاج الفلسطينيين العالقين على المعابر؟ أوليست مصر، في نهاية المطاف، هي الدولة التي أغضبت أميركا وإسرائيل والأوروبيين عندما قررت من طرف واحد أن تدخل الحجاج؟

الدول العربية جميعها اختارت السلام كمبادرة، فكيف لفصيل فلسطيني أن يكون له حق «فيتو» على الدول العربية كلها؟ كيف لـ«حماس» أن تشذ عن قرارات وإجماع الدول العربية، ثم تتوقع أن تساندها هذه الدول؟ ليست «حماس» وحدها التي تمارس حق «الفيتو» ضد قرارات الدول العربية، «حزب الله» أيضا يمارس الحق نفسه. لك أن ترى ما يقوم به «حزب الله» في لبنان ضد الإجماع العربي والمبادرة العربية، التي صادرها.

قرارات الدول العربية مجتمعة لا تساوي قوة فيتو «حزب الله». جزء كبير من الشارع العربي اليوم هو لـ «حماس» لا لمحمود عباس والسلطة الفلسطينية. وكذلك الإعلام، فكل من أمسك ميكرفوناً وكل من تعلم الكتابة يريد أن يكون بطلاً مقاوماً من أول السطر، والأغرب أنني قابلت كثيراً من المسؤولين في الدول العربية ممن يؤيدون مواقف «حزب الله» و«حماس»، إذا كان هذا هو رأي الخاصة وليس العامة فقط، فلا عجب أن يكون للحركات في العالم العربي «فيتو» على قرارات الدول، ولا عجب أن يكون لـ«حماس» حق «الفيتو» والقدرة على شل أي إجماع تتفق عليه أكثر من عشرين دولة عضواً في الجامعة العربية.

الحقيقة التي يجب أن تدركها «حماس»، أن حسني مبارك لم يكن هو مَن أصدر أوامر إطلاق الصواريخ على إسرائيل، فكيف لها أن تطلب من الرجل أن يدفع ثمن قرارات اسماعيل هنية وخالد مشعل؟ لماذا لا يدفع مَن يريد أن يكون بطلاً شعبياً ثمن قراراته الفاشلة؟ هل استشار هنية ومشعل العرب، حتى يحتجا على العرب اليوم؟ لا تمتلك الحركات حق «فيتو» على قرارات الدول، إلا إذا كانت هذه الدول مهزوزة.

«حماس» هي التى أطلقت الصواريخ، وهي التى يجب أن تدفع ثمن هذا القرار الأهوج. أما أن يتصرف قادة «حماس» بكل هذه الرعونة ثم يصيحوا «الحقونا» بعد أن تقع الفأس في الرأس، فهذا أمر غير مقبول، رغم كل الآلام التى تفطر القلب من جراء ما نرى، لأن البشر العاديين في غزة هم الذين يدفعون ثمن خيارات غير محسوبة وغير منطقية. هل ترضى «حماس» بأن تعاملها الدول العربية بالمثل، أي أن تمنحها تعاطفاً وشجباً على الشاشات ولا تفعل شيئاً على أرض الواقع؟ ويبقى لـ«حماس» حق «الفيتو»، ويبقى لنا حق الاختلاف.

* رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top