الحرية قبل الخبز دائماً

نشر في 26-10-2007
آخر تحديث 26-10-2007 | 00:00
 محمد خلف الجنفاوي كان صباح الأول من فئة الحكام الذين يعلون فوق هامة الكرسي وليس العكس، ورغم شظف العيش وقلة الموارد أنشأ أكبر أسطول بحري في المنطقة بأسرها لم ينقل البضائع من الكويت وإليها فحسب، بل ساهم في نقل حضارات وتجارب إنسانية راقية أيضاً.

هل لزاماً أن يكون هنالك موارد اقتصادية قوية ومتنوعة وفيرة وانفتاح اجتماعي كشروط سابقة لإقامة ديموقراطية راسخة؟ أم أن البناء السياسي للنظام الديموقراطي وآلياته من انتخابات، وفصل سلطات، وسيادة القضاء والقانون، هو الشرط الأوّل لكل نجاح اقتصادي وتوازن اجتماعي؟

في ضوء تجربة الكويت ونشأتها الزاخرة بتنوع شعبها وشغفهم بالحرية والحلم بمشروع الدولة الحديثة، تكون الإجابة على السؤال الأول بالطبع لا... أما الإجابة على التساؤل الثاني فهي نعم... وبكل تأكيد.

ولعل التوافق بشأن إقرار عقد اجتماعي متفق عليه، هو أصعب ما يواجه أغلب الدول لدى نشأتها، وإذا نظرنا في تجربة الكويت، فمنذ وصول الهجرات الأولى إلى هذه الأرض الغالية الخالية من الموارد، جاءت أسرة آل صباح ومعها أسر عدة من وسط الجزيرة العربية قبل أكثر من ثلاثة قرون، وقتذاك قبلت الأسر العمل بمفهوم التوافق والوصول إلى عقد متبادل يقوم على الاحترام المتبادل، ولم تكن الأسرة ساعية وراء الحكم، بل حازته بكل حب.

وتذكر بعض الروايات أن صباح الأول، الذي كان يتمتع بسداد الرأي والحكمة وبُعد النظر، قد تحلقت حوله شرائح من المجتمع آنذاك ليصبح حكماً عليهم، وكان رده شديد الذكاء والحنكة بأنه «ليس ساعيا إلى سلطة»... وكان ردهم «نحن مالك ورجالك»، فكان من فئة الحكام الذين يعلون فوق هامة الكرسي وليس العكس. ورغم شظف العيش وقلة الموارد أنشأ أكبر أسطول بحري في المنطقة بأسرها لم ينقل البضائع من الكويت وإليها فحسب، بل ساهم في نقل حضارات وتجارب إنسانية راقية أيضاً.

حتى جاء عهد مبارك الصباح الذي وثّق وأمّن حدود الكويت برغم وجود الدولة العثمانية وعقدة المعاهدة مع بريطانيا العظمى آنذاك، ونجح في أن يصبح حاكماً يمثل دولة وشعب مستقلين في قراراتهما، بينما كانت معظم دول المنطقة تغوص في الفوضى وتخضع لاستعمار عنيف ومباشر.

ثم جاء عهد عبدالله السالم «أبو الدستور والدولة الحديثة»، وحلت انجازات رجال ونساء تلك الحقبة لتنعكس أصداؤها على ما نعيشه الآن من حرية قلّ نظيرها في منطقتنا.

ويأتي هذا السرد لتلك الحقب التي مرت على هذه الأرض رداً على بعض الأصوات النشاز، وإن كانت أقلية، التي تزعم أن الديموقراطية سبب الأزمات والاحتقان وتعطيل التنمية في أغلب المجالات التي تمس حياة كل من يعيش على أرضنا الطيبة، وهم بذلك ربما تناسوا أن مراحل التراجع من تزوير انتخابات 1967 وحل مجلسي 76 و85، وتفتيت الدوائر الانتخابية، والتجنيس العشوائي الذي لم يراع أن الكويت مجتمع منفتح ومتنوع ليس من المفروض أن يكون له لون واحد، بل ألوان متعددة، وأن سياسة «سيف ومنسف» أو سياسة المنح، لم تكن واردة في فكر المؤسسين لهذه الدولة منذ أكثر من ثلاثة قرون لأنهم عرفوا أن المانح سيمنع ما منحه لأنه لايُحاسَب، وأن من يضرب بسياط الحاكم لابد أن يسمعها على ظهره يوما ما. كان ذلك في تلك الأيام التي تنتشر الأفكار المنغلقة والباب العالي فما بالك أيامنا هذه التي نعيش فيها عصر السماوات المفتوحة والتكتلات الضخمة.

إن حل مشاكل الديموقراطية لا يأتى إلا بالمزيد منها، وهو ما يشكل حماية ودرءاً من صروف الأيام وتبدل الأحوال لأن من يروج لهذه الأفكار لايرى أبعد من أنفه.

فالحرية قبل الخبز دائماً، ولسنا هنا بحاجة إلى أن نعدد دولاً تملك موارد وفيرة، لكن شعوبها تعاني فقراً مدقعاً وفوضى وتخبطاً. ويمكننا أن نقول إنه لا يوجد على ظهر البسيطة دول فقيرة، ولكن هنالك دولاً أساءت أو أسيء التعامل مع امكاناتها وثرواتها، في ظل غياب نظام حر يطلق طاقات الفرد ويحفظ حريته وكرامته.

back to top