مرض المواسير!

نشر في 18-01-2008
آخر تحديث 18-01-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي

ماذا لو تخيلنا أن مشاكلنا العربية كما لو كانت مشاكل سباكة، ترى هل كنا سنبقى هكذا والماء، نقية كانت أم سيئة، تخرّ من حولنا طيلة هذا الوقت؟ لا أقلل من أهمية مشاكلنا، ولكن اسمحوا لي باستخدام هذه المقارنة كي تتضّح عبثية مواقفنا في القضايا التي ندّعي جميعاً أنها ملحة. فلسطين، مثلاً، ماسورة مفتوحة منذ عام 1948 ولم يحاول أحد جدياً أن يوقف تدفق الماء أو الدم منها. العراق بالوعة فتحها الأميركيون ولا يوجد سبّاك واحد جاد يحاول قفلها، كثير من الأنظمة العربية تعاني انسدادات تمنع المشاركة والتحرك إلى أعلى، هذه مشاكل سباكة بامتياز. المطلوب فيها الاعتراف بالمشكلة، وتحديد العطب، ثم إصلاحه. ولكن انظر ماذا نحن فاعلون!

في فلسطين، تجد أن مغاربياً من أقصى المغرب متحمس للماسورة ومعطّل كل أعماله وأحلامه، فهو غاضب ومتوتّر لأن أحداً لم يتحرّك لقفل الماسورة. جزائري يفخخ نفسه ويفجّرها بماسورة في وهران لأنه، من وجهة نظره، لابد من إغراق الجزائر حتى يحس العباد والبلاد بما تحسّ به جماعة الماسورة. تونسي يرى أن الحل في احتضان جماعة الماسورة لأجيال وأجيال حتى تحلّ المسألة، وهذا ليبي يقرر تشييد النهر العظيم لإيجاد بديل مائي لأن مسألة حل الماسورة أمر غير مجد. ولا ننسى أن مصرياً غاضباً هو الآخر حلف ذات يوم بحياة الماسورة المكسورة فأطلق النار على رئيسه في استعراض عسكري كان هو أحد ضباطه، والسوري يتعاطف مع فريق العمل البديل الذي يحاول إصلاح الماسورة على الطريقة الإسلامية، أما السعودي فيدفع الأموال ويقول لجماعة الماسورة «هاتو لكم سباك بمعرفتكم». لكن كثيراً ممن يسكنون إلى جوار الماسورة قد استمرأوا الأمر وبدأوا يشحذون النفوس باسم الماسورة المكسورة، وهكذا... هناك من يحلف بحياة الماسورة، وهناك من يفجّر مواسير دول أخرى حتى نكون «في الهوا سوا»، وهناك من لا يقبل بإصلاح الماسورة إلا إذا تم إصلاح كل المواسير. أما أصحاب الماسورة أنفسهم فهم يرون في بقائها معطلة مصلحة لهم، حيث تدرّ عليهم عطف جماعات المواسير الأخرى، ويكون بمقدورهم ابتزاز أصحاب المواسير السالكة ليدفعوا لهم حتى لا يفضحوهم أمام العالم بحجة تجاهلهم لهم في الوقت الذي يقدم فيه الغرباء من «كفار» أوروبا الدعم والهبات ليس لإصلاح الماسورة إنما لتهدئة نفوس أصحابها المكسورة.

مرض المواسير الذي بدأ بالانتشار في العالم العربي لا يحتاج إلى مراهم أو مسكّنات، إنه مرض جديّ يحتاج إلى عمليات جراحية، أما أن يعيش العالم العربي في وهم خلقه بعض المحللين والمحرّمين للإبقاء على الماسورة مكسورة، لأن مصلحتهم ترتبط ببقائها معطلة، فهم يتسولون باسمها، كل يكسر ذراعه ويشحذ عليها في الفضائيات والصحف والمؤتمرات والعواصم العربية، فهذا أمر لا يمكن أن يدوم طويلاً.

ماسورة فلسطين المكسورة لا تحتاج إلى أن نحلف بها وعليها، فقط تحتاج إلى الشجاعة من أجل الحل، دولة أقل تكون منطلقاً لمكتسبات مستقبلية أكبر أفضل من لا دولة... فقط من فضلكم خلصونا من مرض المواسير.

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي  للدراسات الاستراتيجية - IISS

back to top