كِشِّة ضايعة!!

نشر في 06-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 06-09-2007 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

بات علينا أن نقرر إما المضي قدما في سفينة غارقة، وإما القفز منها قبل أن تغرق، وإما إصلاحها، وهو كما يبدو لم يعد خياراً بين بدائل، بل ضرورة حتمية لا مناص منها ولا مندوحة عنها، وهو نهج لا بديل عنه فنحن على أي حال في الوقت بدل الضائع.

كنا نظن أن هناك حالة احتقان سياسي في البلاد بحاجة الى مخارج، فاكتشفنا أننا في حالة ضياع شاملة. وعادة ما يكون الاحتقان السياسي ناتجاً عن صراع سياسي تقوده قوى سياسية واجتماعية تحيد بعضها بعضاً دون إمكان لحسم أو قبول بحلول وسط، ومع مضي الوقت وتراكم المؤشرات والدلالات يتضح أن البلاد والعباد في حالة ضياع، فلا رؤية، ولا حكمة، ولا رشد مزعوما، ولا هم يحزنون.

ومع إقرارنا بأن الحكم والحكومة من بعده يتحملان مسؤولية حالة الضياع هذه، إلا أن المسألة، كما يبدو، أبعد من ذلك، وأكثر شمولية. إنها ضياع و«توهان» للبوصلة تقع مسؤوليتها على الجميع بما فيهم النواب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والفعاليات الاقتصادية والتكوينات الاجتماعية المتعددة كل بقدر معلوم.

الحالة، التي تمر بها البلاد، حالة «زبينة» ومزرية، لا يعرف لها «راس من كرياس» وهي «كِشِّةٍ ضايعة»، بل إن مجرد وصفها بالعملية السياسية أو الصراع السياسي أكبر من حجمها، فللصراع السياسي قواعد وأصول هي غائبة تماماً، وهي عملية هشة مفككة تشعرك بأن البلاد تمشي على رأسها. الكل مرتبك، الكل ضعيف، والكل لا قيمة له، ولا وزن سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً له، وفي الوقت ذاته الكل يظهر نفسه على أنه قوي ومهم ومؤثر.

ضاعت القيم ومقاييس الثقافة السياسية فبدت متهافتة لا محددات ولا معايير لها. فالسياسة كما نفهمها هي عبارة عن علاقات القوة في المجتمع، والديموقراطية ليست إلا وسيلة لتنظيم وتقنين علاقات القوة تلك، فأين علاقات القوة في مجتمعنا اليوم، وكيف نقيسها؟ وهل يتم تحديد مخرجاتها في شاليه، أم في ديوانية، أم في يخت، أم في جاخور، أم حتى «محكر حمام»؟.

لم يعد بالضرورة البحث في التفاصيل فهي كثيرة ومحسوسة يستشعرها الجميع ويتحدث بها الجميع، وحالة الضياع قد أصبحت عامة شاملة تنبئ بكارثة قادمة، وبات علينا جميعا الاعتراف بها والتواضع قليلاً والتخلص من تلك «النفخة الكدابة»، وبات علينا أن نقرر إما المضي قدما في سفينة غارقة، وإما القفز منها قبل أن تغرق، وإما إصلاحها، وهو كما يبدو لم يعد خياراً بين بدائل، بل ضرورة حتمية لا مناص منها ولا مندوحة عنها، وهو نهج لا بديل عنه فنحن على أي حال في الوقت بدل الضائع.

فليتفاهم الجميع على تحديد البوصلة حتى تنتهي هذه «الدربكة» السياسية.

آن الأوان «للتكامل» بدلا من «التفاضل».

back to top