همجية الفكر بين الفرد والأمة

نشر في 04-01-2008
آخر تحديث 04-01-2008 | 00:00
 د. محمد لطفـي

إذا كانت همجية الأمة في غياب ضميرها يمكن الاتفاق أو الاختلاف بشأنها، ويمكن علاجها والتخلص منها، فإن همجية الفكر في غياب ضمير الكاتب لا يمكن علاجها، فهي كالداء الذي وصفه الشاعر العربي «الهمجي» يوماً بأنه يعدي من يحاول علاجه.

منذ فترة نشرت «الجريدة» مقالاً «بين الهمجية والمدنية» وكان انشغالي بمجموعة المقالات حول ذكرى زيارة القدس سبباً في تأخير التعليق حول هذا المقال «الكارثة»، وعذراً للوصف فأن ينتمي فرد إلى نظام ما أو يدافع عن سياسة بذاتها فهذا حقه، وأن يعشق عربي أميركا ويتيه بها شوقاً فهو حرّ في ذلك، ولكن أن يبدل كاتب الحقائق ويزيف الأحداث ليخدع شباب العرب، ويهيل التراب على الأمة العربية فلابد من وقفة أعلم أنها قد لا تعيد الكاتب إلى جادة الصواب، ولكنها تفضح الخداع وتعيد الأمل إلى الشباب العربي في أمته التي يدّعي البعض همجيتها.

تحدث الكاتب عن الفرق بين المدنيّة والهمجية وفي نقاط محددة فقال: «إن لكل أمة همجها وأميركا ليست مستثناة -شكراً لهذا التوضيح- ولكن المهم وجود الضمير الذي يستنكر ويدين، وهو الفارق بين أمة همجية بكاملها وأفراد همج داخل هذه الأمة، ويبدو غياب الضمير عندما لا تدين الأمة همجية أفرادها بل تكافئ جلاديها وتصفق للهمج وتغدق عليهم الأوسمة والألقاب... إن أمة الثأر بالدم هي أمة البداوة المتخلفة»... هذا باختصار ما ذكره الكاتب.

وللاستدلال على مدنية أميركا ذكر الكاتب ما حدث في سجن أبوغريب وأعاد الحديث إلى أنه يكفيها فخراً أنها هي من كشفت ما حدث، وكما رددنا سابقاً على هذا القول نذكره بعبارة الشيخ العربي «الهمجي» التي صارت مثلاً «ليتها لم تزنِ ولم تتصدّق» فيا ليت ما حدث في أبوغريب ممن ادّعوا أن مجيئهم ليعلمونا المدنيّة والحضارة والديموقراطية، ليته لم يحدث كي لا تتصدّق علينا أميركا بكشفه وفضحه، وإذا كان ما حدث همجية أفراد كما تؤمن وتدّعي فهل ما حدث في هيروشيما همجية أفراد؟ أم همجية دولة وأمة؟ وهل ما حدث في ناغازاكي يؤكد أنها أمة الحضارة والمدنية أم أمة البداوة والثأر بالدم؟ وهل لك أن تعدد الألقاب والأوسمة التي منحتها أمة الحضارة الأميركية طياريها الهمج الذين ألقوا القنبلة على هيروشيما؟ وكم وساماً قلّدت؟ وكم لقباً منحت أمة الحضارة أفرادها الهمج؟

لقد أدانت الأمة العربية كلها ما حدث في 11 سبتمبر ولكنك لم تسمع ولم تر أو بالأدق لا تريد أن تسمع أو ترى، وهذه مشكلة الإنسان المتحضر الذي لا يريد رؤية الحقيقة وليست مشكلة الأمة العربية «الهمجية» ذات الضمير الذي أدان واستنكر. أتمنى أن يكون الحديث واضحاً وإن كان مختصراً.

وفي النهاية إذا كانت همجية الأمة في غياب ضميرها يمكن الاتفاق أو الاختلاف بشأنها، ويمكن علاجها والتخلص منها فإن همجية الفكر في غياب ضمير الكاتب لا يمكن علاجها، فهي كالداء الذي وصفه الشاعر العربي «الهمجي» يوماً بأنه يعدي من يحاول علاجه فلا أمل ولا رجاء في الشفاء.

back to top