في العمران والديموقراطية 2 -4

نشر في 21-03-2008
آخر تحديث 21-03-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي ظاهرة وضع اليد كإثبات للأحقية أو الملكية، تترافق معها ظاهرة أكثر شيوعاً وهي التوريث، تشكلان معا معمار الحكم في العالم العربي اليوم، إذا أخذنا مصر كمثال، نجد أن من الأحاديث التي طفت على سطح الحوار هي قصة توريث الحكم، واستمر بعض المصريين في إذكائها، ومحاولة الارتفاع بمصداقيتها لدرجة ترقى فيها الشائعة إلى حقيقة اجتماعية. محاولة الحديث عن توريث من في القمة هي بدافع تحويل الأنظار عن عمليات التوريث اليومية التي تحدث في وسط الهرم الاجتماعي وفي طبقات المجتمع المختلفة؟! في الثقافة، وفي الإعلام، والأحزاب، وفي الداخلية، والخارجية؟! يتمنى بعضهم أن يحل جمال مبارك محل والده لإضفاء الشرعية على الوريث من أسفل، وهو عمل مصري يحدث كل يوم! أي بدلاً من أن ينكشف أمر عمليات التوريث المختلفة، يحاول بعضهم أن يورث قمة الهرم السياسي حتى لا يبدو ما يفعله شاذا. وبذلك سيصبح ما يقوم به نمطاً سائداً من قمة هرم السلطة حتى سفحه، بدلاً من كونه عملاً يمارس من أسفل، ولكنه مرفوض وتنقصه الشرعية من أعلى. المخيال الاجتماعي Social Imagination The مبني على أيديولوجية العائلية ونظام القرابة والتوريث، وبالعائلية هنا أعني العائلية اللا أخلاقية amoral familism التي تحدث عنها الأنثروبولوجي إدوارد بانفيلد. عائلية تهتف للدولة نهارا، وتسرق أضواء الشوارع وأعمدة الكهرباء ليلا. نظام بدأ يتمكن من الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، فالناظر إلى أحزاب المعارضة في مصر لن يأخذ من الوقت طويلا حتى يكتشف أنها أحزاب عائلية في المقام الأول تسيطر عليها أسر سياسية بعينها، لا فرق في ذلك بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين، لا فرق فيها بين الإسلاميين من ناحية والشيوعيين المصريين من ناحية أخرى. ألم يكن الحديث في أروقة حزب الوفد منذ عامين عمن يخلف فؤاد باشا سراج الدين، رحمه الله، هل هو ياسين سراج الدين أم أحد أقاربه؟! ألم ينشق الحزب إلى أجنحة مرتبطة بعلاقات القرابة بعد فوز نعمان جمعة برئاسة الحزب؟! نفس الشيء حدث في حزب العمل الإسلامي في توريث أمانة الحزب من المرحوم عادل حسين إلى ابن أخيه مجدي أحمد حسين، ومجدي حسين هو أيضا ابن أحمد حسين رجل حزب مصر الفتاة، والقمصان الزرق ومشروع القرش. الشيوعيون المصريون أيضا رغم كل حديثهم عن التوافق الفكري بين أبناء الطبقة العاملة، إلا أن معظم من في قمة الحزب الشيوعي المصري هم من طبقة الأرستقراطية القديمة... من سكان الزمالك والمعادي تربطهم علاقات دم ونسب وزيجات أكبر بكثير من الرباط الفكري، وقد يكون هذا السلوك العائلي لبعض الشيوعيين واليساريين في مصر ناتجاً عن حالة تهميشهم سياسيا، ولكن تبقى سمة الارتباط العائلي والتوريث هي السمة السائدة في بناء مؤسساتهم السياسية. الاسلاميون أيضا من الاخوان مازالوا ينظرون الى عائلة حسن البنا كمرجع، وأيضا أقارب سيد قطب، وكذلك أقارب زينب الغزالي، حتى عندما بدأ الحديث عن أيمن الظواهري رسم كثير من المصريين له شجرة عائلة تأخذه إلى جده الشيخ الظواهري، أحد مشايخ الأزهر السابقين، وكأن التفسير الإسلامي وبناء الأفكار الإسلامية يتم تلاقحهما عبر علاقات الدم، لا علاقات الفكر.

النقطة الأساسية هنا هي أن النظام السياسي للمعارضة في مصر هو نظام وراثي، إذن عندما تتحدث المعارضة المصرية عن التوريث فهي لا ترفض الموضوع برمته إنما تتحدث عنه وكأنه أمر محتمل، هناك على قمة هرم السلطة، بدافع إبعاد الناس وإلهائهم عما يحدث في مساحات المعارضة نفسها، وكم أتمنى أن يقوم باحث نشط بتبويب علاقات القرابة والتوريث في الصحافة وفي البنوك العامة وفي الأحزاب، على غرار ما قامت به زميلتنا سامية إمام في كتابها الموسوم «من يملك مصر» الذي أوضحت فيه بشكل علمي وإحصائي عدد العائلات السياسية والاقتصادية التي تسيطر على الحياة الاقتصادية في مصر. ورغم أن الكتاب كان رسالة ماجستير فإن فيه من غزير المادة ما يستحق البناء عليه، وليت آخرين يتخذون من منهجها طريقا لتقديم قراءة علمية للمجتمع السياسي والاقتصادي المصري. في قراءة المجتمعات العربية بعين جديدة تكون أولى المحاولات للخروج من مستنقع التوريث الفكري أيضا.

* مدير برنامج الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية-IISS

back to top