حركة طالبان... رهانات الماضي والمستقبل

نشر في 15-08-2007
آخر تحديث 15-08-2007 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

حركة طالبان كانت حاضرة في اجتماع ممثلي القبائل الأفغانية والباكستانية (لويا جركا) بشكل غير مباشر عبر قبائل وزيرستان، ودلالات التوصيات الصادرة عن ذلك الاجتماع الذي يطلق عليه مجلس الحل والعقد، تعني بوضوح أن «طالبان» مازالت رقماً سياسياً في أفغانستان رغم مرور سنوات على الإطاحة العسكرية بها.

ينطوي اجتماع ممثلي القبائل الأفغانية والباكستانية في ما يطلق عليه مجلس الحل والعقد (لويا جركا)؛ الذي عقد في العاصمة الأفغانية كابول قبل أيام قليلة وبمشاركة الرئيس الباكستاني برويز مشرف والأفغاني حامد كرزاي، على دلالات تفوق في أهميتها ما صدر عنه من توصيات. صحيح أن المؤتمر انتهى بتوصيات فضفاضة وعامة مثل مكافحة الإرهاب، وتنشيط النمو الاقتصادي على الحدود ومكافحة تهريب وزراعة المخدرات، ولكن التوصية الأخيرة المحملة بالدلالات أشارت إلى ضرورة فتح قنوات الحوار مع حركة طالبان الأفغانية.

وعكست توصيات مؤتمر القبائل نقطة التوازن للفاعلين الأربعة المنخرطين في أزمة الحدود الأفغانية-الباكستانية وهم: الرئيس الباكستاني برويز مشرف، والأفغاني حامد كرزاي وقبائل منطقة وزيرستان المنتشرة على الحدود، بالإضافة إلى حركة طالبان. إذ تفاقمت الضغوط الأميركية على مشرف ووصلت إلى حد التهديد بقصف حدود باكستان مع وزيرستان إذا لم ينجح في ضبط الوضع هناك، فإن التكتيك الباكستاني تلخص في تصدير أزمته إلى أفغانستان حكومة وقبائل، فخرج الاجتماع بتوصية «مكافحة الإرهاب» لتدعمه في مواجهة خصومه في باكستان وفي مواجهة واشنطن. أما كرزاي فلم يستطع حتى الآن الاستقرار في حكمه بسبب العمليات العسكرية التي تقوم بها حركة طالبان ضد الجيش الأفغاني والقوات الأجنبية على حد سواء، بالإضافة إلى أن «طالبان» تشكل تهديداً إضافياً له بسبب التنازع على تمثيل الباشتون أكبر الأعراق عدداً وأكثرهم نفوذاً في أفغانستان.

أما قبائل وزيرستان فهي محكومة بتوازنات متناقضة مع باكستان، فهي من جهة ترتبط بعلاقات دينية عميقة مع قوى باكستانية مثل تيار مولاي فضل الرحمن، ومن جهة أخرى لها مطالب تاريخية في أراضٍ باكستانية. ولا تخرج حركة طالبان عن تضارب المصالح والأولويات، فالمعين الفكري الذي تنهل منه «طالبان» هو في مدارس باكستان الدينية المتطرفة، وهي فضلاً عن ذلك صناعة باكستانية بامتياز، قصدت إسلام آباد بتشكيلها تحقيق أهداف عدة مثل إنهاء التناحر بين المجاهدين عقب الانسحاب السوفييتي من أفغانستان، وتثبيت حليف خالص الولاء في مواقع السلطة في كابول كساحة لنفوذ باكستان الإقليمي. وعلى الناحية المقابلة لا تستطيع «طالبان» نسيان أن إزاحتها من السلطة في كابول لم يكن ليتم من دون أن ترفع باكستان الغطاء الإقليمي عنها، وأن تحالف برويز مشرف مع واشنطن هو العامل الأساس المتسبب في إطاحتها.

فقدت حركة طالبان الأفغانية سلطتها في نهاية عام 2001 وانسحبت من كابول لتلوذ بالجبال وبمناطق القبائل على الحدود مع باكستان. وتولى حامد كرزاي مقاليد السلطة في كابول وبحراسة القوات الأجنبية التي مازالت موجودة في أفغانستان بعد مرور ست سنوات على إطاحة «طالبان»، في إشارة لا تخطئ إلى هشاشة الأوضاع في أفغانستان. انتمت حركة «طالبان» عرقياً إلى الباشتون مثلما ينتمي الرئيس الحالي حامد كرزاي، ومعهما نصف الشعب الأفغاني المكون من موزاييك عرقي فريد من نوعه. ذهب الانتماء العرقي في أفغانستان مؤشراً لا يخيب لقياس قدرة أي فصيل سياسي على تأدية دور في المجتمع الأفغاني. امتلك الباشتون، لعوامل عددية وتاريخية، زمام المبادرة في أفغانستان ووصلوا إلى الحكم سواء في عصر أحمد شاه دوراني قبل قرنين من الزمان أو في عصر الملك السابق. حتى تحت حكم الشيوعيين كان العنصر الباشتوني حاضراً بشده تحت الأغطية الأيديولوجية الفاقعة، واستمر ذلك التقليد مع حكم المجاهدين بعد طرد قوات الاحتلال السوفييتي مع قلب الدين حكمتيار وصبغة الله مجددي.

كان العامل العرقي الباشتوني واضحاً على حكم «طالبان» لأفغانستان في النصف الثاني من التسعينيات، على الرغم من الحمولة الفكرية المتشددة التي ناءت بحملها. ووفق المنطق ذاته وقع الاختيار على حامد كرزاي ليقود حكومة ما بعد «طالبان»، استناداً إلى معايير عدة كان شرطها الأساس الانتماء إلى عرقية الباشتون.

وفي حين شدد كل من كرزاي ومشرف قبل المؤتمر على استبعاد «طالبان» من اجتماع القبائل الأفغانية والباكستانية، إلا أن حركة طالبان كانت حاضرة في الاجتماع بشكل غير مباشر عبر قبائل وزيرستان. ودلالات التوصيات الصادرة عن الـ(لويا جيركا) تعني بوضوح أن حركة «طالبان» مازالت رقماً سياسياً في أفغانستان رغم مرور سنوات على الإطاحة العسكرية بها. ويفتح هذا المعنى بالتحديد الباب أمام احتمالات «تسوية قبائلية» في المستقبل المنظور، ربما تدمج بمقتضاها حركة طالبان في السلطة السياسية الأفغانية مزاحمة كرزاي في ذلك.

بكلمات أخرى يستند الأفق السياسي لحركة طالبان حالياً الى تمثيلها العرقي المتراكم من الماضي، والذي يسمح لها بالتحكم في بعض الحاضر، ويجعلها تفرض نفسها على سيناريوهات المستقبل.

 

*كاتب وباحث مصري

back to top