وجهة نظر : سينما شريف عرفة... إتقان دائم

نشر في 25-02-2008
آخر تحديث 25-02-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين حصد هذا الأسبوع فيلم المخرج شريف عرفة «الجزيرة» ست جوائز في مهرجان «أوسكار السينما المصرية.» بصرف النظر عن مدى قيمة هذا المهرجان السنوي، يستحقّ «الجزيرة» جوائز مهمة فعلاً وتقديراً كبيراً لمخرجه.

تخرّج عرفة (مولود عام1960) من المعهد العالي للسينما عام 1982 وبدأ تجربته السينمائية الغنية بمشروع فني إبداعي مشترك مع الكاتب السينمائي الكبير ماهر عواد، حمل طابعاً تجريبياً «فانتازياً» وتوجهاً فلسفياً ساخراً، فكان واضح التميز والاختلاف عما سبق في مسار السينما المصرية وما لحقها.

مثلت ثنائية «عرفة – عواد» جزءاً من موجة، أعقبت التجديد السينمائي الكبير في الثمانينات من القرن العشرين وأقطابه خيري بشارة، محمد خان، عاطف الطيب، رأفت الميهي وغيرهم. بدأ المخرج والكاتب مشروعهما بفيلم «الأقزام قادمون» عام 1987، بطولة يحيى الفخراني، ليلى علوي ومجموعة من الممثلين غير المحترفين، تلاه «الدرجة الثالثة» بطولة سعاد حسني وأحمد زكي وجميل راتب، ثم «سمع هس» بطولة ليلى علوي وممدوح عبد العليم وحسن كامي و«يا مهلبية يا» بطولة ليلى علوي وهشام سليم وحسن كامي.

في هذه الأفلام الأربعة، امتزج الفكر والسياسة بالاجتماع والطبقية، مع روح ساخرة وخيال طليق إلى حد الـ«فانتازيا» وقدرة على الابتكار والإبداع الأصيل المدهش.كذلك تميز بناؤها الدرامي بالجدة وتخلل سياقه وروحه التعبير عن وجهة نظر تقدمية تقف في صف الإنسان وتنحاز إلى البسطاء و«الأقزام» وتنصف «الدرجة الثالثة» وجمهورها ونماذجها التي يقع على عاتقها التعب كله، بينما تسقط الثمار في يد أهل «المقصورة» المتكالبين بأنانية من أجل الاستحواذ و«الملكية» والغنائم وسطوة السلطة.

من سوء حظ السينما المصرية وعشاقها الحريصين على تجددها وانطلاقها، توقّف مشروع «عرفة – عواد» عند نهاية الأفلام الأربعة، على الرغم من أنها كانت واعدة، شديدة النضوج والثراء والتألق.

طبيعة السوق والتوزيع التجارية في السينما المصرية حالت دون تلقف المزيد من إبداعات ماهر عواد المدهشة، في حين تمكن شريف عرفة من إنجاز مشروع سينمائي على قدر كبير من الجدية والأهمية، تمثل في أفلام خمسة تحققت تباعاً مع الكاتب المخضرم القدير وحيد حامد ونجم الكوميديا الساطع عادل إمام هي: «اللعب مع الكبار»، «الإرهاب والكباب»، «طيور الظلام»، «المنسي»، «النوم في العسل».

تتمتع هذه الخماسية عموماً ببناء درامي محكم لوحيد حامد وجدية رؤية تصل في «الإرهاب والكباب» إلى توفيق نادر في تناول ما عرف بقضية «الإرهاب» على كثرة الأعمال التي تناولتها، ونصل في «طيور الظلام» إلى حد التحليل العميق للمجتمع المصري المعاصر والصراع السياسي والاجتماعي والفكري المحتدم فيه.

أثبت شريف عرفة، في هذه الأفلام الخمسة، مقدرته على إخراج الفيلم المحكم التقليدي، الجاد على الرغم من تمتعه بروح مرحة عذبة، بعدما أثبت في أعماله الأولى، أو مشروعه السابق، مقدرته على إبداع الفيلم الـ«فانتازي» التجديدي.

هذه هي مراحل مسيرة سينما شريف عرفة الأولى والثانية. راهناً يمر بالمرحلة الثالثة التي شارك عبرها في موجة السينما المصرية «الضاحكة» (أو سينما المضحكين الجدد) التي بدأت قبل عشرة أعوام وأسهم فيها مع أحد أقطابها الفنان المتميز علاء ولي الدين، الذي رحل في أوج نجاحه وشبابه، فقدم معه «عبود على الحدود» ثم «الناظر».

حين يقدم شريف عرفة أفلاماً من نوع الـ«أكشن» فإنه يقدمها بإتقان وحرفية، مثل «مافيا».. وأخيراً «الجزيرة» (في نهاية عام 2007)، الذي تميز على المستويات كلها ومزج بين الواقعي الاجتماعي والأسطوري والحركة.

السمة الدائمة والمشتركة في أفلام شريف عرفة هي «الإتقان»!

back to top