الأبنودي يتذكّر ويروي حكايات البدايات 15: أكتب بأكثر من خمسين لهجة تنتمي كلّها إلى العربية الفصحى
هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول الأبنودي المزدحم بين سفر وسفر، من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية.
في البداية لم يبد الأبنودي متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات، كأنك تولد كل يوم مرة أخرى، أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب، أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق، أول ديوان، أول جائزة، أول سفر، أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها.وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»، أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال، كالنيل الذي كان يفيض هناك في أبنود قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة».مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها. كانت خطة هذه الحلقات واضحة في ذهني، تقريباً، منذ البداية، أي أنني كنت أتصور ترتيب عرض «حكايات البدايات» وكيفية الانتقال من واحدة إلى أخرى، إلا «الشعر» الذي حيرني موضعه.هل أبدأ به؟ ممكن فالشعر بداية كل شيء وسبب كل شيء في حياة الأبنودي. هو المنطلق وهو الباعث والمحرك الهدف والغاية. لذا أختم الحلقات بالشعر، خاصة أنّ الأبنودي أودع شعره خلاصة حياته المقطرة ووعيه المُصفى. لعلكم لاحظتم من مقاطع الشعر المختارة مع كل حلقة أصالة الارتباط الوثيق بين حياة الأبنودي وشعره وحقيقته.التردد بين الخيارين سبب تلكؤ بداية الكتابة. قلت: فلنحسم المسألة على طريقة تعلم السباحة، أي أن أنزل إلى الماء أو أخوض الكتابة أولا ثم أترك التجربة تصنع تفاصيلها. كانت النتيجة أن وجدت بداية الشعر تفرض نفسها في منتصف الحكايات. لعلكم ترون أنها نتيجة منطقية تؤكد أن الشعر هو «واسطة العقد» في حياة الأبنودي.يصف الأبنودي إحساسه بالشعر في أزمنة الصمت. وأترك عبارته بعاميتها وحرارتها كما هي قائلا: «كل ما باجي أقول، أحس إن فيه مسافة بين القول اللي بحقيقي وبين اللي طالع من بقي، فبأتوقف عن القصايد. وكأن الشعر مرتبط بأيام السذاجة فقط، يعني أيام التصديق!».ويضيف: «تتعايش في شعري وتنصهر أكثر من خمسين لهجة تنتمي كلها إلى الفصحى ولا أعتبر نفسي مؤلفا! أصرّ دائماً على أنني لم أكتب شعري بقدر ما كنت «ساعي بريد» يحمل الأمانات ويوصلها إلى أهلها وإن كان لي جهد في قياس الإيقاع والأزمنة وتناغم اللغة داخل القصيدة فهو نوع من وظيفة «مقاول الباطن» لأن القصيدة تأتي أولاً ثم تأتي قضية التفعيل والبناء والتشكيل. الشعر، كما تعلم، هو الرداء والملامح ولون البشرة، هو تاريخنا ولا تاريخ لنا قبل القصيدة ولا بعدها، إذ أن عصارة العمر هي مداد القصيدة وبالتالي ليس أحب على الشاعر من أن يخرج إلى الناس بقصيدة جديدة فإذا تدلل علينا الشعر أو تباطأ أو سلك كالحكّام سطوة وقسوة فإننا لا نملك إلا أن ننتظره صاغرين حتى وإن لم يأتِ!».بداية قبل البداية!للشعر في حياة الأبنودي أكثر من بداية، كأنه كان موجودا معه مذ ولد وكأنه يجدّد يومياً دم الشعر ودم الشاعر في الوقت نفسه!كانت البداية الأولى قبل البداية المعروفة للشاعر الذي أضحى علامة من علامات الشعر باللغة العامية. عنها يقول الأبنودي: «كتبت في البداية شعرا بالفصحى وحين ذهبت إلى أبنود وقرأته أمام أصدقائي الذين عملت معهم في المراعي وفي الحقول أيام الحصاد ردوني بشعري مرة أخرى، أي أن حاجزا من اللغة ارتفع بيني وبينهم وشعرت بأنني أسأت الاختيار.منذ تلك اللحظة قرّرت أن أكتب عن هؤلاء الناس بلهجة هؤلاء الناس. من أجلهم اخترت العامية ورحت أكتب بلهجة أبنود واكتشفت في ما بعد أن هذه اللهجة هي الفصحى في صورتها «الحياتية»، تضم عشرات اللهجات العربية داخلها وقادرة على التواصل مع الجمهور عبر أرجاء الوطن العربي.يحكي الأبنودي عن بدايتين أخريين، الأولى إرتبط ميلادها مثل حوادث حياته كلها، بلحظة فارقة في تاريخ الوطن: «عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ذهبت مع صديقي أمل دنقل للتطوع في المقاومة الشعبية. تعلمنا في معسكر التدريب بعض مبادئ الأساليب القتالية، كما تعلمنا التعامل مع البندقية «أنفيلد» وكيف نطلق الرصاص وكيف نلقي القنابل اليدوية. تلقينا تدريبات قاسية تليق برجال في طريقهم إلى القتال في بور سعيد. ثم انتهى الأمر عند هذا الحد واكتشفنا أن لا سبيل إلى ذهابنا إلى الجبهة وأن آخر صلتنا بالحرب هي ما تعلمناه فعزّ علينا ذلك وشعرنا بأن حلماً كبيراً أهدر».يضيف: «في الليلة التي أحبط فيها حلمنا بالقتال التقيت وأمل فلاحظ كل واحد منا ارتباك الآخر. كنت كتبت قصيدة وكذلك كتب أمل كأننا قررنا استبدال السلاح بالشعر. قرأ كل منا قصيدته للآخر، إلا أنهما فقدتا، وللأسف الشديد، مع أن أمل أرسل قصيدته إلى إحدى المجلات في القاهرة فنشرتها».يتذكر الأبنودي البداية الأخرى غير الأخيرة: مذ كتبنا هاتين القصيدتين صار المشي بجوار النيل عادة يومية لنا. كنا نخرج كل ليلة مع مجموعة من الأصدقاء نتحدث ونغني بأصواتنا التي لا تصلح للغناء! ذات مساء كان القمر بدراً مكتملاً. توقفنا فجأة وقال أحدنا: «دعونا نصف اللحظة. وحين جاء دوري قلت:«الليلة زنجيهشايله البدر في مشنه»و«المشنة» هي الإناء المصنوع من الخوص يضع فيه الفلاحون خبزهم وفاكهتهم. صرخ أمل دنقل إعجابا بالصورة قائلاً: «من هنا يبدأ الأبنودي». في «صباح الخير» !لكن الأبنودي لم يبدأ من حيث أشار أمل دنقل. صحيح أن الصورة الشعرية «الليلة زنجيه.. شايلة البدر في مشنه» تحمل ملامح شعره الآتي، لكن «القصيدة الأولى» لم تكن ولدت بعد. يقول الأبنودي: «القصيدة الأولى الحقيقية كانت أيضاً أمام النيل، حين وقفت أتأمل مركبا تضرب الريح شراعه ويصدر عنه صوت يشبه أعلى ضحكة يمكن أن تسمعها في حياتك فكتبت قصيدتي «الطريق والأصحاب» التي أبدأها بـ:وابتسم قلبي الجريحزي أي شراع في مركبيتعدل يضحك لريحنشر صلاح جاهين القصيدة في بابه «شاعر جديد يعجبني» في مجلّة «صباح الخير». يؤكّد الأبنودي: «كرستني القصيدة شاعراً، إذ قرأها جمهور غفير وشعروا بأن قصيدة جديدة لها سابقة ولدت».سألت الأبنودي: إذاً كانت «الطريق والأصحاب» أول قصيدة تنشرها...يقاطعني، في مفاجأة محسوبة، قائلاً: «كلا، الحقيقة أن القصيدة الأولى التي نشرتها كانت أقرب إلى «الزجل» وإن بدت فيها ملامح «شعر العامية» وهو طريقي الذي سرت عليه بعد ذلك».يضيف الأبنودي: نشرت القصيدة في جريدة «الشعب» وأغلب الظن أنني كنت في المرحلة الثانوية. الحكاية أنني كنت مسافراً مع أخي الأكبر الشيخ جلال إلى السويس وكان لا بد من السفر أولا بالقطار من أبنود إلى القاهرة في رحلة مجهدة وطويلة. في القاهرة كان علينا أن نبقى في انتظار قطار السويس الذي كانت مواعيده متباعدة! كنا في فصل الشتاء. ذهبت في وقت الانتظار مع أخي إلى ميدان «العتبة» وفيه رأيت امرأة فقيرة تفترش الأرض وحولها أطفالها الثلاثة، كانت ترضع أحدهم وتشعل في الوقت نفسه نارا للتدفئة، تلقمها القش وقطع الكرتون وعلب السجائر الفارغة. كنت في ذلك الوقت أقرأ الزجل، خاصة في مجلة «البعكوكة» (كنت حريصاً على متابعتها وأصحو منذ الفجر في انتظار وصول قطار الصحف الذي يحملها وأعود بها لتقرأها معي شقيقتي فاطمة التي كانت تتحمل معي تكلفة شراء المجلة وكانت تحفظ الكثير مما ينشر فيها). حين رأيت هذه المرأة الفقيرة وجدت الكلام كأنه أصداء تتردد حولي وعليَّ فقط أن أقولها فقلت:دفيها م البرددفي الواد على باطهاوهات لها هِدْمهوالخياط يخيطها».يتابع: «سافرت مع أخي إلى السويس وحين عدت إلى قنا أرسلت القصيدة إلى الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي في جريدة «الشعب» ونسيت أمرها. ثم نشرت القصيدة لكنني لم أشتر العدد الذي نشرت فيه إذ لم يتوافر لدي النقود لشرائه!فوجئت وأنا ألعب مع أصدقائي الحفاة بـ«نوى الدوم» و«الكرة الشراب» ببعض «الأفنديات» المتعلمين ممن قرأوا القصيدة يقفون إلى جوارنا ليسألوا عن الأستاذ عبد الرحمن الأبنودي. لاحظت حجم خيبة الأمل التي أصابتهم. دلّت الأصابع إليَّ باعتباري أنا «الأستاذ» الذي يسألون عنه. كنا «صعاليك حقيقيين» و«صُيَّع» تماما بجلابيبنا الممزقة ورؤوسنا المشجوجة غالبا بسبب «رقة» الألعاب الصعيدية! يضحك الأبنودي قائلاً: أنت تعرف كم هي رقيقة الألعاب الصعيدية من أول اسمها، مثل لعبة «ضربونا يا أبونا»، إلى الأدوات التي تستعمل فيها ومنها العصي والحبال المفتولة التي «نجلد» بها بعضنا!كنت أرى التعاسة واضحة على وجوه «الأفندية» القادمين للسؤال عن «الشاعر» الذي أعجبتهم قصيدته وأغلب الظن أنهم كانوا يحزنون لا على حالي، بل على حال جريدة «الشعب» التي نشرت لي بعدما خاب أملهم فيَّ وفي الجريدة وفي الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي. حاولت العثور على العدد الذي نشرت فيه القصيدة ولم أفلح»!حيث يوجد الوطنيكشف الأبنودي أن شعره ولد عفوياً: «هكذا جاء وهكذا قدمته للناس ولو كنت أخطط منذ البداية للمسيرة التي قطعتها لفسدت قبل أن تبدأ وهي مسيرة عبّرت طوال الوقت عن ذاتي. لأن كلاً من الذات والموضوع لديّ يحوي الآخر. كان لا بد للوطن وأحواله ومسيرته وتقلباته من الامتداد في أقوالي من أولها إلى آخرها ومن السكن فيها.كنت مع الوطن حيث يوجد، مع السد العالي عندما كانت مصر هي السد العالي، مع الصامدين على شاطئ القناة عندما كانت مصر كلها صامدة معهم». يصمت قبل أن يضيف: «حتى الغربة لم تأخذني بعيدا عن الناس. صحيح أنني تغربت، لكن الغربة لم تعودني على الحياة الفردية وبقيت منتميا إلى حياة القرية التي تتسم بالجماعة. ظللت ذلك الطفل الذي عاش شاهداً على زمن الفيضان في أبنود، حين كان الجميع يذوبون في كتلة واحدة ويتحولون إلى سد يقف في مواجهة الماء الذي يهدد دورهم وأقواتهم بالغرق والضياع. كان الفيضان يوحد الجميع، المسلم والنصراني، من يملك ومن لا يملك، الفقير والغني. كان الجميع يدافع عن وطن يملكه وبلد ينتمي إليه. حتى المعدمون كانوا لا يبخلون بالتضحية بما يستر أجسادهم ليوقفوا به طغيان الماء. جاء من لا يملك إلا حماراً وفأساً بالحمار مجازفاً بـ«كل ثروته» ومعبراً عن تجاوزه لفرديته وذوبانه في المجموع. من هنا كان إيماني دائما بالجماعة ولم أستطع أن أعيش لنفسي ولا منفرداً». أسأله عن لحظة انبثاق الشعر، تلك اللحظة العبقرية التي لا يشبهها شيء، فيقول: «دعني أقول لك أولا إن الشعر ليس شيئاً واحداً، كما أن الشعراء ليسوا شخصاً واحداً، إنما كل شاعر هو حالة وتكوين ووعي خاص. أما الساحة فيسودها الخطأ الكبير في التقويم. لا يصحّ أن نعطي شاعراً قديماً كتب بعض ديوان وصمت «مفتاح الكرار» ليتحكم في الشعراء وفي الحركة الشعرية في مصر. من حيث المبدأ، إن الاعتراف بشاعرية الشاعر لا يأتي مني ولا منك، لكن لا بد من أن يخلق له شعره أتباعاً وأشياعاً ومريدين وهذا يتطلب شعراً حقيقياً يقف خلفه إنسان حقيقي يكتبه قبل أن يكون شاعراً يحترف هذه الوظيفة. في حالتي أنا رجل «مغموس» في شعري ومؤمن به إيماني بوجودي. إنه يأتي دائماً في المرتبة الأولى وهو يعني بالنسبة لي الحياة. أعطاني كل شيء و أعطاني أولاً وآخراً محبة البشر في مصر وفي الأمة العربية على اتساع الخرائط.أما غياب الشعر وحضوره فمسألة يعرفها الشعر نفسه ويقررها بذاته وعلاقتي بذلك سلبية تماماً. أنتظره دائماً كما تنتظر الصعيدية ابنها المسافر في البلاد البعيدة ولا تعرف متى سيعود، لكنه فجأة يزيح الباب ويدخل ويحتضنها وتحتضنه، أي أنني لست من يقرّر اللحظة الأولى للكتابة حتى لو حاولت. قد أرغم نفسي على الجلوس للكتابة وأنا أعرف أنني سأمزق الأوراق. القصيدة التي أخرج بها إلى الناس هي القصيدة التي يأتي إليها الشعر من دون قصد، إنها في الغالب أقرب إلى الهبة ولم يكذب أجدادنا العرب حين قالوا بوجود شيطان الشعر والوحي وغيرهما فاللحظة الأولى للكتابة لا يقررها الشاعر إلا في شعر المناسبات وحين يعلو صوت القصد على نية البوح».يشير الأبنودي: هنالك فرق بين تأخر الشعر وطول فترة غيابه وبين الموت، موت الشاعر في داخل الإنسان الذي كان شاعراً ومهما «فلفص» ومهما «حاول» ولو «لعب أكروبات» وارتحل إلى آخر الدنيا فلن يعود الشعر إليه؛ لأنه عبث به وتاجر وتلاعب وتظاهر وادعى وافتعل وصار اثنين تجاهل أحدهما الآخر.ليست الخيانة السبب الوحيد لهرب الشاعر، لكنه يهرب إذا ادعيت ما ليس فيك وإذا استعملته استعمالاً نفعياً لا كرسالة حقيقية. أتكلم هنا عن الشعر عامة، الشعر الحقيقي، فكثير مما نقرأه ونسمعه ليس شعراً. قد يلامس بعض الجماليات أو يقترب من شكل الأقوال المأثورة، لكن الشعر الحقيقي يتجاوز كل ذلك إلى جوهر الوجود الإنساني وعصارة الرؤية وهي تلخيص لكل رؤى البشر من حولك. ليس الشاعر فرداً وإنما هو أمة ولا يمكن للبهلوانية أن تخلق للأدعياء ما ليس فيهم.من هنا، لا يزعجني غياب. تعرف أنني في سفر طوال العام وأنني من أكثر الشعراء الذين توجه إليهم الدعوات لإقامة الأمسيات في العالم العربي وأوروبا. لا يزعجني أن أقرأ قصيدتي مرّة ثانية أو ثالثة، ففي كل قراءة إضاءة. إذا كانت أجهزة الإعلام تلح علينا بالأغنية عشرات المرات ونستمع إليها فمن باب أولى ألا نعتبر نشر القصيدة لمرة واحدة كافياً. قد لا يقرأها إلا نفر قليل، يعني الاكتفاء به أننا نسجن القصيدة».يقول الأبنودي: «اعتماداً على القصائد التي أكرر إلقاءها في الندوات، يعتبر البعض إنني لم أكتب منذ مدة قصيدة كذا. في الواقع أنا أكتب والشعر لم ينقطع عني، لكن، كما تعرف، هناك قصائد للأذن وأخرى للعين، قصائد للقول وأخرى للقراءة. حين يزداد الحزن وتتعقد أحوال الدنيا يغدو صعباً أن تلقي على جمهورك ما كتبته من وحي ذلك الحزن وتلك التعقيدات، إنما تحتفظ بقسوته لمن هو قادر على التقليب في قصيدتك وإعادة قراءتها من أضلاعها كافة». وابتسم قلبي الجريحزي أي شراع في مركبيتعدليضحك لريحطلعت البسمه عروق من غير ورقبسمه مسقيه عرقبسمه هاربه من جحيم الجرحمن ليل القبور قلب بورهاج عليه فيضان أملابتسمتمره تانيه شالت العيدان عليها نعش جسميوانا وازن فوقها هميجر رجلي قربنا لآخر الطريقاللي في آخره صحابيالطيبه السمحه الوفيهوالنهار.. لابس خيوط المغربيهإيد بيوزن بيها همّهوإيد مخبي فيها شمس ف حجر كُمه الأبنودي ـ الطريق والأصحاب ـ الأرض والعيالالمدينه اللي بتاكل في طريقها كل حاجهكل حاجهبياعينكل ناسها بياعين بصة الناس.. الموده.. بسمة الحب بتمنبلدتييا والدتيالطرحه لونها لمنيزي ما يستر على الميت كفنشايفه غلة دمعي دي؟دي تمن صفحة كلامجوه برواز لونوه لون الغراملون في لون ضحكة عليوهوأغنية عبد السلاملما (يحدِي) من ورا «ساقية أمين»كل ناسها بياعينكل ناسها رفيعينلون شنب كوز الدرهكل ناسها صغيرهبس فيها بيوت وفيها عداداتعداداتها قدنا ميت ألف مرهلو فضلت أغني ميت ليله طويلهمستحيل أقدر أقول لكقد إيه كانت جميلهبس ناسها مرعبهيزرعوا الخوف في الجفونيدفنوا العين في الشعور المتربهالأبنودي ـ الطريق والأصحاب ـ الأرض والعيال الوحي ده ما جانيش من موسكوما جانيش من أمريكاما جانيش غير من هنامن القلبفأنا باعتقد إني باحب الوطنوباموت فداء للشعبأنا صوتي منيوانا ابن ناس فقراشاءت ظروفي إني أكتب واقرافباشوف وباغنيوالفقرا باعتينييا.. ناس.. يا هوهقبلن ما اقول قولهاتأكدوا انه صوتي ده وصدر منيأنا مش عميل حدأنا شاعرجاي من ضمير الشعبالأبنودي ـ سوق العصر ـ المشروع والممنوع