سورية ولبنان: إذا أردت أن تعرف ماذا يجري...!

نشر في 04-09-2007
آخر تحديث 04-09-2007 | 00:00
 موفق نيربية

علاقة السوريين بلبنان مختلفة عن علاقتهم بأبناء البلدان الأخرى، وهذه الظاهرة أحد المؤشرات على تأخر إحساس السوريين بوطنهم وطناً نهائياً وناجزاً يحتاج إلى التركيز على دستوره وحكم القانون وتبلور مفهوم المواطنة فيه، لأنه كان ـ ولفترة طويلة ـ في نظر الكثير من أهله وطناً «انتقالياً» على طريق الوحدة القومية الأكبر.

حين يجلس شخص إلى آخر في سورية، ويسأله عن آخر الأخبار- وهذا يزداد شيوعاً لسوء حظّ الذين عملوا عقوداً لتخميد الاهتمام بالسياسة- يجيبه ذلك الآخر غالباً بآخر أخبار لبنان، وليس بآخر أخبار سورية، بلدهما.

يحدّثه عن أخبار معركة «نهر البارد» مثلاً، أو عن تصريح يراه مهماً لسياسي لبناني، أو حتى عن افتتاحية أو مقالة أو برنامج حوار أو مقابلة تلفزيونية. هذه الأخبار داخلية بالنسبة إلى الناس السوريين، فهنالك شيء ما، يجعل الخارجي داخلياً.

فعلاقة السوريين بلبنان مختلفة عن علاقتهم بأبناء البلدان الأخرى، حتى لو كانوا فلسطينيين مثلاً، رغم ما هو معروف عن ارتباط السوريين عضوياً بهؤلاء وبقضيتهم، حتى أن هذه القضية لا تُعتبر «قضيتهم» بمقدار ما هي «قضيتنا». وهذه الظاهرة أحد المؤشرات على تأخر إحساس السوريين بوطنهم وطناً نهائياً وناجزاً يحتاج إلى التركيز على دستوره وحكم القانون وتبلور مفهوم المواطنة فيه، لأنه كان ـ ولفترة طويلة ـ في نظر الكثير من أهله وطناً «انتقالياً» على طريق الوحدة القومية الأكبر، ومركز تجمع لمقاومي الاستعمار والاغتصاب والظلم. صعوبة هضم فكرة لبنان الكبير؛ الذي انفكّ جزء منه عن سورية منذ وقت مازال قصيراً في نظر السوريين؛ تجعل مصطلحات السيادة والاستقلال والحرية وتبادل التمثيل الدبلوماسي وتحديد الحدود وقعاً ممجوجاً، حتى لو تم الاعتراف بوجاهتها وشرعيتها.

لكن هذه المسألة تحمل وجوهاً أخرى، حين تكون بين أيدٍ أخرى. فللنظام دوافعه الخاصة به ومنطقه الذي يعتمد على الخلفيات المذكورة ويتحالف مع من يرفعونها إلى مرتبة العقيدة أو العقد التجاري، ولمعارضيه أيضاً دوافعهم الخاصة بهم التي يعتمدون فيها على مشروعية الطرح وعصريته وملاءمته لإغلاق نبع الخلافات العتيق هذا، وعلى أن تطور لبنان ومدنيته مكسبان مباشران قريبان، يجعلان من الاستبداد فضيحة، ومن التقدم والديموقراطية أهدافاً بسيطة وبديهية، التخلف عنها مأزق متزايد.

هنالك حساسية كبيرة لدى بعضهم من مسائل المحكمة الدولية وأسماء الحريري وجنبلاط وجعجع، وغيرة على سورية والسوريين و«السوري»، كما يرد على لسان عدد كبير من اللبنانيين، حين يمكن الإحساس بشيء من «اللؤم» في طريقة تناول هؤلاء لعلاقة النظام السوري وممثليه في لبنان بما جرى لتاريخهم وأوضاعهم وطموحاتهم، وفي تعميم العدوانية حتى تشمل «السوري» كاسم جنس أحياناً. لكن، رغم ذلك لا يجري التعبير عن رد الفعل على أساس هذه المنطلقات، رغم أهميتها. فالغضب نابع من القلق والتوتر المتعلقين بالأوضاع الداخلية السورية ذاتها، ومن الخوف من تسريع آليات للتغيير قد تؤدي إلى توليد الفوضى أو الهزات الأهلية مستقبلاً، مع تركيز من هم في جهة النظام مباشرة على مفاعيل ذلك في إضعافه وزعزعة استقراره واستمراره.

في الطرف الآخر، هنالك متابعة كبيرة لدى قطاعات واسعة (ليست في أغلبيتها الساحقة «معارضة» محترفة) لما يجري يومياً في لبنان، ليس على طريقة تلك النخب الديموقراطية الثقافية والسياسية التي تربط جدلياً وعضوياً بين مآلات التطور في البلدين، بل على طريقة العاجز واليائس من معادلات التغيير والتغيّر الداخلية، الذي تتعلّق روحه بأسباب ضعف ظالميه مع رغبات فوّارة أو دفينة. وهذا ليس من دون أساس في أي دراسة تقوم على تركيب العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية.

ويكاد الناس ينسون قصة «تلازم المسارين» السوري واللبناني التي ظلّت سنين طويلة مهيمنة على أبواب السياسة اللبنانية على الأقل. كان المقصود بذلك الشعار أن هنالك ارتباطاً غير قابل للفصل ما بين البلدين في أي تسوية تتعلق بالصراع مع إسرائيل، وهذا آخر ما بقي من شعار التسوية الشاملة الذي كان يقطع الطريق على أي تسوية جزئية تستطيع فيها إسرائيل أن تستفرد بالدول العربية وتستضعفها. في لبنان، كان السائد والمعكوس من الشعار هو ربط سياسات البلد وسياسييه بما تقتضيه السياسة السورية الرسمية، ومن ثمّ كان طرح مفهوم «لبنان الورقة» التي لم يخجل بعضهم من التفاخر بها أحياناً.

ولولا أمراض الذاكرة مع الكلمات، لكان الآن موسم تلازم جديد للمسارين ابتدأت تعبيراته في الأدبيات السورية واللبنانية منذ أكثر من سبع سنوات، تلازم يرتبط بمفهوم الوطن النهائي في البلدين، يلتفت فيه أهل كلّ بلد ونخبه إلى مهمة بنائه على نسق حديث ومعاصر، والتأسيس على ذلك في أيّ مشروع قومي مفيد ونافع قبل أن يكون مجرّد حلم ورغبات لا تعرف كيف تستقر في الأرض.

هذا التلازم محسوس في هواء البلدين، وبالخصوص في سورية، في مسائل الحرية والديموقراطية والتقدم، في السياق وآليات الفعل وردّ الفعل وجدل القوة والضعف.

* كاتب سوري

back to top