مذكرات معلم الكرة المصرية الحلقة الأولى 1/5 حسن شحاتة من الرصيف إلى عرش إفريقيا حلمت بالتصوير مع حمادة إمام... فوجدتني ألعب إلى جواره وأحرز هاتريك
حسن شحاتة هو الاسم الأبرز حاليا لدى جماهير الكرة المصرية والعربية، وهي مكانة احتلها بعد رحلة طويلة في الملاعب منذ أن كان لاعباً ناشئاً في صفوف نادي الزمالك، وعماد فريقه الأول، ومهندس أدائه، وقضائه فترة من أجمل فترات حياته في الكويت، حتى وصوله إلى أعلى مراتب النجومية واعتلائه قمة التدريب في مصر.
يحكي شحاتة عن رحلته مع الكرة وذكرياته وهمومه، واكتسابه العديد من الخبرات خلال مراحل حياتية خصوصا مرحلة عمله بالكويت، وذلك عبر مذكراته التي اختص بها «الجريدة» وتنشرها على حلقات.أحب حسن شحاتة الكرة فأحبته وأعطته من الشهرة والمجد ما يحلم به كل شخص، بدأ مشواره مع كرة القدم كأي طفل صغير طامح الى أن يكون اسما ذهبيا يوما ما، حياته مليئة بالصراعات من أجل تحقيق حلمه، فطريق الوصول الى الشهرة غير مكلل بالورود، لحظات صعبة مرت عليه وأحاسيس مختلفة شعر بها: طموح... قلق... فرح... حزن، لحظات عاش فيها الانكسار ولحظات عاش الانتصار، انتقادات كثيرة لم يسلم منها كانت كفيلة بأن تحبط من عزيمته، لكن عشقه للكرة وحب الجماهير له جعلاه لا يهتم بما يقال، ويستمر في تحقيق إنجازاته وطموحاته.حسن شحاتة صاحب أشهر هتاف كروي في الملاعب المصرية «حسن شحاتة يا معلم... خللي الشبكة تتكلم»، وهو ما منحه لقب «المعلم» الذي صاحبه حتى اليوم.أحسن القيادة وأثبت أن المدرب المحلي لا يقل عن الأجنبي، بل ويتفوق عليه إذا وجد المناخ المناسب لتأدية مهامه وإبراز قدراته، وهو ما حدث مع شحاتة، فليس سهلا أن يصنع مدرب مجدا ونصرا غاليا، وأن يحافظ بعد عامين على هذا المجد والانتصار، إلا إذا كان مدرباً بدرجة امتياز.يتحدث شحاتة في هذه الحلقة عن نشأته وبدايته الكروية والمصادفة التي قادته الى نادي الزمالك.النشألم أكن أتخيل نفسي في يوم من الأيام أن أكون لاعب كرة قدم في ناد كبير بحجم نادي الزمالك، فقد ولدت في أسرة بسيطة للغاية في مدينة كفر الدوار، إحدى مدن محافظة البحيرة، والدي المرحوم علي شحاتة كان يعمل موظفاً في شركة غزل كفر الدوار، ووالدتي «ست بيت» مثل أي أم ريفية تفكيرها ينصب على كيفية إرضاء زوجها، والدي كان يحب «العزوة» مثل أهل القرى في المحافظات المختلفة في بر مصر بأكمله، فاتخذ قراره بأن يمتلك العديد من الأبناء على أن يكون حريصاً على إعطائهم القسط الكافي من التعليم، لمواجهة الزمن الذي نعيش فيه على عكس العديد من الآباء في تلك الحقبة، وكان دائماً يقول لنا جميعاً إن العلم سلاح لكل شخص في مواجهة المجهول، وترتيبي بين أشقائي قبل الأخير من بين تسعة أبناء هم: محمد وعبده وأحمد ومصطفى والسعيد وزينب وإبراهيم وفاتن، ويعتبر شقيقي الأكبر محمد نسخة كربونية من والدي في صرامته وخوفه الشديد علينا، رغم أن المثل الشائع في الريف المصري يقول «إنه دائماً ما يكون هناك غيرة بين الأولاد الذين يولدون فوق رؤوس بعض»، لكن شقيقي إبراهيم هو الأقرب إلى قلبي ومعه شقيقتي فاتن، خصوصاً أن والدي غرس فينا روح الحب والأخوة، مؤكداً لنا أنه عندما قرر أن يكون لديه كثرة في الأبناء كان غرضه ان يخافوا على بعضهم ويكونوا يداً واحدة في مواجهة المستقبل.بدايتي مع كرة القدم حكاياتي مع كرة القدم مرت بالعديد من المراحل التي تحمل الحزن والسعادة، لحظات عشت فيها الانكسار ولحظات عشت الانتصار، فقد بدأت مثل كل طفل صغير يحلم بأن يقضي وقت فراغه في حالة من السعادة في الشارع مع زملائه وجيرانه في شوارع مدينة كفر الدوار، ولا استطيع أن أتذكر التفاصيل الكاملة عن طفولتي وكل ما في ذهني أنني كنت ألعب في الشارع مع شقيقي إبراهيم، وأؤكد أنه كان يفوقني في القوة والمهارة في لعبة كرة القدم مئات المرات، وكنت أحاول أن أدخل معه في التحدي أثناء اللعب في الفريق المنافس لفريقه، ودائماً ما كان يتفوق عليّ في كل شيء خصوصاً في إحراز أروع الأهداف، وعندما وصلت إلى سن العاشرة كنت طالباً في المرحلة الابتدائية، واكتشفني عن طريق المصادفة شقيقي الأكبر محمد الذي كان يعمل مدرباً في نادي غزل كفر الدوار، وبدأ في تلقيني الدروس الأولى في ممارسة لعبة كرة القدم التي كانت بمنزلة الدروس الخصوصية من دون سداد أي مقابل مالي، وكان الدرس الأول في أنها لعبة جماعية لابد فيها من التعاون مع زملائي في الملعب بعيداً عن اللعب بأنانية أو فردية حتى نحقق في النهاية النتائج الإيجابية، وفي هذه الأحيان قرر المسؤول عن فريق كرة القدم في المدرسة الابتدائية ضمي الى الفريق المدرسي، وبدأت في الحصول على قسط من الشهرة بالمدارس المجاورة في مدينة كفر الدوار، وحصلت مع مدرستي على بطولة المدينة وصعدنا لكي نصفي مع مدارس المحافظات المختلفة، ووقتها والدي كان معترضاً تماماً على فكرة لعب الكرة، لأنها ستجعلني أهمل دروسي فكان يريدني أن أكون ذا شأن آخر بعيداً عن الساحرة المستديرة، لكنني كنت ألعب الكرة دون أن يعلم، وكانت والدتي، الله يرحمها، تقوم بمساعدتي لأنني كنت الدلوعة بتاع الكل، خصوصا أنني الأخ الأصغر بين أشقائي الرجال، وبعد انتهائي من مرحلة الدراسة الابتدائية ذاع صيتي بشكل كبير حتى علم والدي، وأبلغني بأن أي تقصير سوف يحدث في دراستي بسبب كرة القدم سيواجهه عقاب شديد القسوة، وبدأت شهرتي تزداد مع مشاركتي في بطولة الناشئين بالوجه البحري أثناء فترة دراستي في المرحلة الإعدادية، التي جاءت بناء على توصية من شقيقي الأكبر محمد، فممارسة كرة القدم في بداية مشوارها تكون صعبة للغاية وتحتاج إلى يد تساعد اللاعب الموهوب على الدخول إلى النادي الذي ستظهر فيه موهبته، وشاركت مع منتخب الناشئين في عام 1959، بعدها قرر شقيقي محمد أن أتوجه إلى نادي غزل كفر الدوار الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثانية آنذاك ولعبت بين صفوفه.شغف بالتلفزيون لمشاهدة نجوم الزمالكوخلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي كانت الدولة تهتم بأن تكون للمصانع أندية يمارس فيها العاملون جميع أنشطتهم وهواياتهم المختلفة، حتى جاء عام 1960، الذي لن أنساه، فقد دخل التلفزيون إلى مصر في هذا العام، وكان محدوداً للغاية في مدينة كفر الدوار من حيث عدد من يمتلكون هذا الجهاز، وكان عمري وقتها لم يتجاوز الـ13 عاماً، وكنت أذهب عند أحد جيراني «يوجد عندهم جهاز تلفزيون أبيض وأسود»، لكي أشاهد مباريات كرة القدم لقطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك حتى اطلع على المهارات العالية للاعبي الفريقين، وكنت أنتظر بفارغ الصبر موعد المباريات التي تجمع الناديين، وبدأت في تشجيع نادي الزمالك بعدما أعجبت بنجومه الكبار أمثال الكابتن حماده إمام صاحب المهارات الفنية العالية، وقد أعجبت بذكائه الشديد في التعامل مع الكرة داخل الملعب، والطريقة التي يراوغ بها لاعبي خط دفاع الفرق المنافسة، والأماكن التي يقف ويتمركز بها في الملعب، وكنت معجباً أيضا بالكابتن طه بصري صاحب الرؤية الفنية الجيدة والقيادية داخل أرجاء الملعب، بالإضافة إلى إعجابي بالكابتن عمر النور الملقب «بالفهد الأسود» والكابتن يكن حسين، ومن الأمور التي أدت إلى ازدياد تشجيعي وحبي للزمالك صوت المرحوم الكابتن محمد لطيف أثناء تعليقه على مباريات الزمالك، وكنت دائماً في اشتياق لسماع صوته وهو يعلق ويردد مقولاته الشهيرة «وبسبب زملكاويته قررت أن أشجع القلعة البيضاء»، ظللت أحلم باليوم الذي سوف ارتدى فيه الفانلة البيضاء ذات الخطين الحمر، وكنت ألعب مع فريق غزل كفر الدوار ومع منتخب بحري في آن، والتحقت بمدرسة صلاح سالم الثانوية التجارية.المصادفة البحتةوذات مرة كنت أشارك بصفة أساسية مع منتخب بحري فشاهدني عن طريق المصادفة البحتة الكابتن محمد حسن حلمي (زامورا) رئيس نادي الزمالك آنذاك في إحدى المباريات الودية، وطلب مني ضرورة الحضور إلى القاهرة للانضمام الى ناشئي الزمالك في صيف عام 1966، وكان عمري لم يصل إلى سن 19 عاماً، وبالفعل ومن دون تفكير ركبت القطار في الفجر من محطة كفر الدوار متجهاً إلى القاهرة، لإجراء الاختبارات في نادي الزمالك، وهذا اليوم بالذات محفور في ذاكرتي ولن أنساه في تاريخي الكروي، وأتذكره كأنه حدث ليلة أمس عندما كنت على أبواب النادي حاملاً في يدي حقيبة ملابس صغيرة لا يتجاوز ثمنها الخمسين قرشاً، ورفض أفراد الأمن دخولي من الباب رغم أنني أقسمت لهم أن الكابتن حلمي زامورا طلب مني الحضور من بلدتي لمقابلته، لكي ألعب مع قطاع الناشئين بالنادي، لكن التعليمات كانت صارمة بمنعهم دخول الغرباء داخل النادي، فشعرت بالإحراج الشديد وقررت الجلوس بجوار الباب أفكر بماذا أفعل، هل سأعود أم انتظر الكابتن حلمي زامورا على الباب حتى يأتي سواء في هذا اليوم أو الغد أو حتى بعد أسبوع، لكن الفرج جاء من باب واسع، حيث وجدت الكابتن حمادة الشرقاوي يقترب مني، وسألني عن سبب جلوسي وحيداً على الأرض بجوار الباب، فحكيت له الموقف المحرج الذي تعرضت له، وعلى الفور وجدته يشدني من يدي ويدخلني إلى غرفة خلع الملابس، ويطلب مني ضرورة ارتداء ملابسي الرياضية لكي أنزل إلى أرض الملعب ليشاهدني القائمون على إدارة شؤون الكرة داخل نادي الزمالك، وبالفعل نجحت في أن أشارك في أول تقسيمة بنفس اليوم وكأن الحظ ابتسم لي أخيراً، وأعجب بي الكابتن حلمي زامورا ومعه عدد كبير من نجوم النادي الكبار، خصوصاً أنها المرة الأولى التي أنزل فيها إلى استاد ميت عقبة، ووجدتني ألعب بجوار الشخص الذي كنت أحلم بأن آراه في يوم من الأيام وأتصور معه فقط، وهو الكابتن حمادة إمام، ونجحت في تلك التقسيمة من تسجيل ثلاثة أهداف من الأهداف الأربعة التي أحرزها فريقي، وقدمت أول أوراق اعتمادي إلى مسؤولي الزمالك بعدما وقف الكابتن حمادة يصفق لي بحرارة شديدة مع الهدف الثالث الذي أحرزته، ومن هذا التوقيت وأنا موجود داخل القلعة البيضاء وبالتحديد منذ وقعت عقد الانضمام الى صفوف الزمالك في عام 1966.(يتبع) نبذةولد حسن شحاتة في 18 يونيو 1948 بمدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة وسط أسرة بسيطة، وله ثمانية أشقاء، وبدأ ممارسة كرة القدم كأي طفل في الشارع، حتى لعب لنادي غزل كفر الدوار... ثم انتقل الى الزمالك، ولعب في كاظمة الكويتي.