لا تكن عبداً للمال

نشر في 12-09-2007 | 00:00
آخر تحديث 12-09-2007 | 00:00
No Image Caption

كم تجني في الشهر؟ ما نوع سيارتك؟ أهلك «مرتاحون» مادياً؟ أسئلة باتت، لكثرة تداولها، أساسية اليوم بعدما كان معيباً طرحها ومحرّمة الإجابة عنها. اجتاحت المادة عالمنا بقوة إعصار مفاجئ لم يكن في الحسبان دمّر المبادئ كلها التي عمل الانسان على ترسيخها وشوّه النفوس الطاهرة فخلق فوضى عارمة لم ينج أحد من شرّها.

حذّرنا الدين من هذه الظاهرة الخطيرة. أدرنا ظهرنا وأغمضنا عيوننا وسرنا جميعاً في خط واحد وراء المادة والمصلحة حتى صرنا عبيداً للمال، نرضخ لسلطته ونعيش العمر بطوله تحت رحمته. نبحث عنه كالمجانين ولو عجزنا أصابنا اليأس والقلق. لا ننكر أن المال أساسي لا يمكن الاستغناء عنه ومن الواضح تأثيره على معيشة الناس. إن فُقد انتشر الفقر كالوباء القاتل يصيبنا بلا رحمة. أما ان وُجد، وما أحلاه لو وُجد، ينقلنا على بساط علاء الدين الى الراحة النفسية فتتملكنا البهجة كأننا وجدنا الفانوس السحري لتلبية رغباتنا غير المتناهية.

المال اغراء

الجشع سمة لا يمكن قهرها. تندس أصابعها خفية بيننا وتسيطر على عقولنا من دون تفرقة. ولأن المال أساسي في عصرنا ومع تزايد متطلبات المنزل التي بات مستحيلاً التمييز بين الأساسية منها والكمالية، تحوّلت المادة من مجرّد وسيلة لتحقيق غايات سامية الى هوس يلاحق الجميع فيغريهم بالرغبات الدنيوية. يُقال «الفلوس تعمي النفوس»، لا سيما الدنيئة منها، فتتجاهل الأخلاق وتغريها المادة وتلاحق مصلحتها الشخصية.

نحاول حماية النفس من الاغراء بتقبل الواقع. إذا كنا لا نملك المال بوفرة تنهال علينا الأسئلة من كل صوب وترشق الانتقادات علينا كالحجارة فلا نقوى على الافلات منها. يجرفنا تيار المادّة بقوة ويُخصع نفوسنا مرغمين.

رجل الأحلام...أمير

أيّ فتاة تبحث عن رجل أحلامها راكباً سيارة «موديل» حديث. وإن نجا الشاب من هذه الكارثة وحظي بشابة متواضعة يقع في شباك أهلها المهتمين بمعرفة وضعه الماديّ. هكذا حال المتزوج، تطارده الأسئلة عن راتبه الشهري كأن المال بات قيمة للانسان يحدد مركزه الاجتماعي. ثم تأتي الزوجة بطلباتها المتزايدة فتخلق رغبة جديدة كل يوم ولا يعتريها الملل ولا تشبع. ولو عجزت عن ابتكار المزيد تستعير الأفكار من جارتها أو صديقتها وتتملكها الغيرة والحسد فتقلب حياة زوجها رأساً على عقب الى حين تلبيته كل نزواتها.

هبة شابة في الثانية والعشرين تستهويها سيارة الشاب وملابسه الأنيقة وتبحث في رجل أحلامها عن الثقافة والأخلاق ولا تنكر دور المال الأساسي بل تعتبر أن للمادة الغلبة على باقي الصفات. تبرّر موقفها بأن المعيشة صارت صعبة والمتطلبات تتكاثر يوماً بعد يوم الى حد بات صعباً ان ينجح الزواج اذا تخللته المشاكل المادية.

شيرين تخالف صديقتها الرأي اذ تعتبر ان العامل الأساسي لانجاح الزواج هو الحب المتبادل بين الزوجين وتفضل أن تجد في حبيبها الصفات الخلقية على أن يكون ثرياً عديم الاخلاق. لكنها تقر ان للمال أهمية قصوى، لكنه لا يجلب السعادة بالضرورة فإن كان الشريكان مثقفين وعلى اتفاق تام يمكنهما كسب معيشة لائقة من دون التعلّق الزائد بالمادة بل بتغليب الحب والتفاهم على المال.

فريد شاب في السابعة والعشرين يؤكد على أهمية المال ويبرهن وجهة نظره مستشهداً بوضعه الحالي فعدم قدرته على امتلاك سيارة جديدة ومال كافٍ يمنعانه من الارتباط جدياً بشابة، لا سيما أن فتاة اليوم تتباهى بشاب غني تجلس الى جانبه في سيارة فخمة ويصحبها الى المطاعم الفاخرة كأنها تقع في غرام السيارة من النظرة الأولى فيعميها بريقها وتنسى من فيها.

المال والأولاد

يبسط المال سلطته فيطال الأسرة كمرجع أساسي يستند اليه الزوجان في قراراتهما المصيرية ومنها عدد الأولاد. ان كانا مرتاحين مادياً لا يشكل المال تهديداً يُذكر، أما لو عانيا ضائقة مادية يستحيل عليهما انجاب أولاد كثر إذ يعجزان حينئذٍ عن تأمين المستلزمات الحياتية اللائقة بهم.

علاء أب لفتاتين، كان يرغب في إنجاب المزيد من الأولاد لكن وضعه المادي لم يسمح له بذلك. ورغم انجابه ابنتين فحسب الا انه يجد صعوبة في تحقيق رغباتهما الكثيرة. «تزداد متطلبات العصر يومياً، من مصاريف الأكل والشرب والدراسة والطبابة الى التنقّل واللباس والسهر والنشاطات وغيرها الكثير من الحاجيات الأساسية والكمالية التي لا يمكن تجاهلها. قد يتراءى للبعض أنه من السهل انجاب الأولاد والإعتناء بهم وتأمين عيشة كريمة الا ان الواقع عكس ذلك تماماً».

نظرة الدين

«لا تعبدوا إلهين اثنين الله والمال» حذّر المسيح قومه كأنه أدرك قوة هذا الشيطان وقدرته على التلاعب بأذهان الناس فتغلبت قوى الشرّ إذ بات الجميع يلجأ الى عدّ النقود قبل النوم عوضاً عن رفع الصلوات والشكر للّه. وصدق الرسول محمّد (صلعم) إذ قال « يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حبّ المال وطول العمر». حتى لحظة فراق الحياة، تتجه الأنظار الى وصية الراحل قبل التفكير بالصلاة على روحه لترقد بسلام. لا يتغلّب شيطان المال على الإيمان فحسب بل يجنّد نقوده لتخلق الفتن بين الشعوب والأصدقاء وبين الاخوة أحياناً. كم من حروب اندلعت وكان السبب وراءها حب التسلّط والسيطرة على الثروات وكم من دماء أريقت وجرائم ارتكبت من اجل المال.

المال غدّار

المال شرّ يتغلغل في قلوب الناس ويداعب ضعفهم وشهوتهم اليه. يخلق المشاكل بينهم، يفسد أخلاقهم، ينمّي فيهم الجشع والبخل وحب السيطرة وتغليب المصلحة الشخصية على خدمة الآخرين. يبعدهم عن الله إذ يتصدر لائحة الأولويات بنظرهم. يشغل عقولهم بالأرقام وقلوبهم بحبّ المظاهر فلا يترك لهم فسحة للصلاة والإيمان. يستقبلون المال بجهلهم وضعفهم استقبال الملوك ويرحبون به كضيف شرف والابتسامة لا تفارقهم واذا به يغدر بأهل المنزل فيدخل بينهم ويطعنهم في الظهر مفتعلاً الهزات المالية والاقتصادية التي غالباً ما تؤدي الى انهيار العلاقات، لا سيما الزوجية منها.

لا ننكر ان المال ضرورة حياتية لا بدّ منها، الا انها لا تبرر اندفاع جيل اليوم لتحصيل المال ونبذ الروح. يجب ألا ننسى ان المال وسيلة لا غاية بذاتها، فلنتمرد على القول الشائع «معك قرش تساوي قرشاً». قيمة الانسان تحدّدها أخلاقه واحترامه ومعاملته للآخرين. وللفتيات ألا يتحولن الى مادونا ثانية فيغنين «أنا فتاة مادية» فالحب والراحة والسعادة الحقيقية لا تُقاس بالمال.

زواج المصلحة

انتشرت زيجة المال بكثرة وما عدنا نؤمن بالزواج من أجل الحب بل ننتقد من ينجرّ وراء المشاعر الغرامية ويرتبط بشريك فقير ونحسد من يقترن بالمال ويتناسى دور العشق والهوى. القاعدة لا تطبق على النساء فحسب، فكم من الرجال رموا بقلوبهم وتخلصوا من أحاسيسهم البريئة وركضوا لاهثين وراء زوجات ثريات فأضحى هاجسهم الوحيد التعلّق بالمادة على حساب الروح.

أيمن رجل متزوج منذ أكثر من خمسة عشر عاماً يرى أن المال لم يعد مجرّد وسيلة لتحقيق غاية بل أضحى الوسيلة والغاية على حدّ سواء. قد لا يكون المال الدافع الرئيسي أو الصفة المطلوبة في الشريك لكنه من الأساسيات لاستمرار الزواج. يعترف أيمن بأنه يشعر بالراحة لأن زوجته عاملة وتسانده في مصاريف المنزل ويرى ان على المرأة اليوم أن تساند زوجها إن براتب الوظيفة أو بالموازنة بين الدخل والمصاريف ومراعاة عدم التبذير.

back to top