موقف وليس زلة لسان

نشر في 02-06-2007
آخر تحديث 02-06-2007 | 00:00
 عبدالله النيباري قد يقال إن الرأي العام أصابه الملل والضجر من كثرة الاستجوابات وضياع وقت المجلس، وقد يكون في ذلك شيء من الصحة، إلا أن الضجر والملل هو من الاستجوابات الضحلة أو المفتعلة أو التي تنطوي على تصفية حسابات أو ابتزاز.

برزت في مناقشات مجلس الأمة الأخير ظاهرتان مستجدتان في حياتنا البرلمانية لا يمكن تفسيرهما إلا بأنهما انحياز إلى المعتدين على المال العام ودفاع عنهم، الأولى وقوف بعض أعضاء مجلس الأمة مدافعين عن المعتدين على المال العام وسراقه مناقضين قسمهم بالذود عن مصالح الشعب وأمواله. لقد وقف بعض النواب مطالبين صراحة بطي ملف اختلاسات الناقلات أو بإثارة قضايا للتشويش وخلط الأوراق بدلاً من تسليط الأضواء والتركيز على قضية اختلاسات الناقلات وسرقة الاستثمارات اللتين استطال نظرهما أمام القضاء الكويتي منذ 15سنة.

هذا الموقف مستجد في حياة الكويت السياسية، فلم يسبق أن وقف نائب يدافع عن متهمين بقضايا اختلاس أموال الدولة ويبرئهم، وهي قضايا محالة من الحكومة إلى القضاء الكويتي بعد أن صدرت أحكام ضدهم في بريطانيا. هذا الموقف مؤشر مهم للتحولات في المشهد السياسي الكويتي، والظاهرة الثانية محل الاستغراب، هي السعي المحموم من قبل بعض الأعضاء لاستصدار بيان اعتذار من وزير النفط لقطع الطريق أو إيقاف عجلة الاستجواب، فلماذا هذا التصرف؟! وما مبرراته؟ أليس الاستجواب حقاً لكل نائب يمارسه إذا ما توافرت لديه القناعة بأن هناك ما يوجب المساءلة السياسية لوزير ما؟!

قبل شهرين قدم استجواب لوزير الصحة الشيخ أحمد العبدالله ولما يمض على تشكيل الوزارة إلا بضعة أشهر ولأسباب تعد أقل أهمية من موقف وزير النفط، وكان المستجوبون هم أنفسهم المطالبين بطي استجواب وزير النفط والاكتفاء باعتذاره، فما الذي يحلل لهم ذلك ويحرم أو يصادر حق نواب آخرين في ممارسة ما يعتقدون أنه مسؤوليتهم الدستورية بتحريك المساءلة السياسية لقناعتهم أن وزير النفط ارتكب خطأ جسيما يوجب ذلك؟!

قد يقال إن الرأي العام أصابه الملل والضجر من كثرة الاستجوابات وضياع وقت المجلس، وقد يكون في ذلك شيء من الصحة، إلا أن الضجر والملل هو من الاستجوابات الضحلة أو المفتعلة أو التي تنطوي على تصفية حسابات أو ابتزاز كاستجواب وزير الإعلام الشيخ سعود الناصر على سبيل المثال.

ولكن الرأي العام يدرك ويقدر استخدام الاستجواب في القضايا التي تستحق ذلك، بل قد يلوم النواب في عدم تحريك المساءلة السياسية في مواجهة الأخطاء الجسيمة كموقف وزير النفط الحالي.

المستنكرون لموقف وزير النفط الشيخ علي الجراح لم يكونوا متجنين عليه، فهو الذي ورط نفسه وأفصح عن مكنونات قلبه كاشفاً عن موقف أحرج فيه الحكومة وسمو رئيس الوزراء بل إنه في تقديري أحرج الحكم والقيادة السياسية.

فقضية اختلاسات الناقلات محالة إلى القضاء منذ 1993، بعد اطلاع سمو الأمير الراحل الشيخ جابر، ومن أحالها هي حكومة سمو الشيخ سعد، بل الأكثر من ذلك أنه صدر فيها مرسوم أميري وقعه سمو الأمير الراحل باقتراح من سمو الشيخ سعد بإحالة وزير النفط الأسبق المتهم الخامس إلى محكمة الوزراء.

وعند نظر القضية في مرحلتها الأولى وجهت النيابة العامة اتهاما إلى أربعة متهمين وخامسهم علي الخليفة، وعندما نظرت محكمة الجنايات القضية أحالت المتهم الخامس إلى محكمة الوزراء وأصدرت حكمها الشهير بسجن المتهمين مددا تصل إلى أربعين عاماً، ورد المال المختلس وغرامة مضاعفة، وهو الحكم الذي ألغي لخلوه من التاريخ، ثم تلا ذلك صدور حكم بإدانة المتهمين من القضاء البريطاني، وتقديم بلاغات إلى القضاء الكويتي كان آخرها البلاغ الذي قدمه الدكتور عادل الصبيح في 29/5/2001م.

والبلاغ المقدم من د. عادل الصبيح لم يقدم كشكوى شخصية وإنما قدم نيابة عن الحكومة وعن الدولة بصفته وزيرا للنفط ورئيسا لمؤسسة البترول، والشيخ علي الجراح يفترض أنه حل محل الصبيح وأصبح هو صاحب البلاغ ضد المتهمين وخصمهم القانوني والمنوط به متابعة ملف القضية.

والخطأ الجسيم الذي وقع فيه الجراح هو أنه بدلا من أن يقف محاميا ومدافعا عن حق الدولة وقف عكس ذلك مدافعا عن المتهمين ومنهم المتهم الخامس، ربما بدافع عاطفة القرابة أو دوافع أخرى لا ندري.

والتصريح، الذي وصف فيه القضية بعد كل هذه المراحل التي مرت بها بأنها قضية وراءها دوافع سياسية، وأن المتهم أستاذه ومستشاره، تصريح يكشف عن موقف، وهو موقفه الحقيقي الذي عبر عنه في المجالس والدواوين، أي أنه ليس زلة لسان أو خطأ عفوياً.

وبناء على ذلك فالوزير لم يعد صالحا ليكون مؤتمنا على السعي الجاد والمسؤول عن متابعة القضية وقيادة الفريق الذي يتولى أمرها، وهو الفريق الذي بدلا من أن يعطيه دعمه وسنده كرر مهاجمته له، واعتذار الوزير زاد الطين بلة٬ فكيف يؤتمن وزير تتناقض مواقفه خلال أيام 180 درجة؟!

وهل يعتقد الوزير أو النواب الساعون لاستصدار الاعتذار أن الناس بلغت فيهم السذاجة وقلة الإدراك ليصدقوا أن هذا الاعتذار يعبر عن قناعة الوزير وموقفه الحقيقي، فهو ليس أكثر من محاولة يائسة لتفادي الوقوف على المنصة ليكسب عفا الله عما سلف؟!

والأزمة التي يواجهها الوزير لا تتوقف عند قضية اختلاسات الناقلات، فهنالك قضايا تشتعل تحت الرماد، وقد تكون أخطر من موقفه تجاه اختلاسات الناقلات، وهي تتعلق بأسلوب إدارته لقطاع النفط، فقد تضمن تصريحه الشهير في «القبس» هجوما على قيادات وكوادر القطاع النفطي، وسماهم إمبراطورية النفط التي يريد أن يقلبها رأسا على عقب، وقد تكرر هجوم الوزير على العاملين في القطاع عبر الصحافة، مما أوجد مخاوف وإحباطات بين المسؤولين في القطاع ودفع العديد منهم الى التفكير بالاستقالة لشعورهم بان لدى الوزير أجندة في تغييرهم أو «تطفيشهم»، وتولد لديهم إحساس بأن الوزير يتصرف كوسيط، وأن القطاع يدار من جهات أخرى ومن مكاتب بعض الصحف، وهو قلما يرى أو يقابل المسؤولين، وإن حصل ذلك فلا يمنحهم الوقت الكافي لسماعهم فما إن تبدأ المقابلة حتى يبدأ النظر في ساعته موحيا بإنهاء المقابلة. هذا الى جانب أن المسؤولين أصبحوا يتلقون أوامر من موظفي مكتب الوزير بتنفيذ قرارات أو اتخاذ إجراءات مخالفة للأنظمة والقواعد وفيها تجاوزات كبيرة. واستقالة العضو المنتدب السيد هاني حسين هي نتيجة لهذه الأجواء.

فهل تجوز إدارة قطاع يسيطر على الشريان الحيوي لاقتصاد البلد وحياة الشعب بهكذا أسلوب؟!

وهذا الأمر هو ما أشار اليه العضو عادل الصرعاوي في مداخلته، وما لمح اليه العضو عبدالله الرومي عن مقابلة عدد من النواب للوزير لبحث ما وصلهم من شكاوى من العاملين في القطاع النفطي، واستشاطته غضباً من دون أن يستمع إليهم.

وإذا كانت قضية التصريح الذي كشف عن مكنونات قلب الوزير وموقفه قد عجلت بالمساءلة السياسية٬ إلا أن كل من تابع قضية أسلوب إدارة الوزير لقطاع النفط وتعامله مع المسؤولين فيه يدرك أن للانتقاد أمرا قادما وأن تصدي النواب بتحريك الاستجواب أمر لا مفر منه.

ولذلك فإن اصرار النواب على الاستجواب هو الموقف السليم، وحتى بفرض أن الاستجواب لن ينجح في نزع الثقة من الوزير سيبقى موقفه ضعيفا ومصدراً لصدام متواصل مع المجلس والناس، وصداعاً مستمراً للحكومة والحكم، والطريق الأسلم للخروج من ذلك هو الاستقالة.

back to top