إيران ومجلس الأمن: معنى ومغزى العقوبات الجديدة

نشر في 04-07-2007
آخر تحديث 04-07-2007 | 00:00
 د. مصطفى اللباد

تستهدف العقوبات المالية التي يتضمنها مشروع القرار الإنكليزي مصالح الشرائح التجارية والصناعية العليا، عن طريق تجميد الودائع الحكومية وودائع الشركات والأفراد الإيرانيين. أما «العقوبات الذكية» التي يتضمنها القرار فتستهدف قطاعات النخبة عن طريق ضرب مصالحها، ودفعها إلى الضغط على نظامها السياسي.

تستعد إيران لخوض مواجهة جديدة مع مجلس الأمن الدولي بشأن ملفها النووي، إذ انقضت المهلة التي حددها المجلس لإيران كي تتوقف فوراً عن جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، وفي الوقت نفسه تتداول الدول دائمة العضوية في المجلس (الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، روسيا، الصين) هذه الأيام تفاصيل مشروع قرار جديد يشدد العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ويتضمن مشروع القرار الجديد الذي أعدته إنكلترا، عقوبات مالية و«عقوبات ذكية»، مثل حظر سفر مسؤولين إيرانيين إلى الخارج وتجميد التعامل مع مصرفين تجاريين إيرانيين، فضلاً عن حظر هبوط الطائرات ورسو السفن الإيرانية في موانئ ومطارات عالمية. وكان مجلس الأمن قد خرج بقرارين (القرار رقم 1737 والقرار رقم 1747) ينددان باستمرار إيران في تخصيب اليورانيوم، وفرض لأجل ذلك عقوبات اقتصادية متدنية السقف على إيران للتأثير على صانع القرار في طهران وإجباره على الرضوخ لمطالبه. وهكذا ومنذ صدور القرار 1737 في نهاية العام 2006 أصبحت كلمة العقوبات الاقتصادية ضيفاً دائماً على التحليلات التي تتناول مواجهة إيران مع مجلس الأمن، ولكن مع اقتصار هذه التحليلات على استخدام المصطلح من دون التعرض الى معناه ومضمونه، الذي يتجاوز المستوى المجرد للعقاب كإجراء انتقامي.

تنقسم العقوبات التي يتضمنها مشروع القرار الإنكليزي، إلى عقوبات مالية و«عقوبات ذكية»، ولكل نوع منها تأثيره وشروطه التي تختلف عن غيرها. وتتجلى التأثيرات السلبية للعقوبات في الداخل المحلي للدولة المعاقَبة (بفتح القاف) بأشكال مختلفة، مثل ارتفاع أسعار المستهلكين، وازدياد البطالة، وخسائر أصحاب الأعمال، وتقلص المعروض من السلع في السوق المحلي. ونظراً لارتباط السياسة والاقتصاد ارتباطاً عضوياً، وتؤثر العقوبات بالتالي في حسابات الجدوى السياسية لصناع القرار. ولأن كل نظام سياسي بحاجة إلى قدر من التأييد الشعبي حتى يحفظ سلطته داخلياً، فإن هذا العامل يؤدي دوراً لا يستهان به في توجيه السياسات، مهما كانت طبيعة هذا النظام السياسي وتركيبته وتحالفاته الداخلية. وينهض المنطق الداخلي للعقوبات على فرضية أساسها أن القيادة السياسية في البلد المعني سوف تستسلم -عند نقطة معينة- أمام الضغوط الخارجية، بسبب حساباتها المجردة للاحتفاظ بالسلطة السياسية ومن ثم الاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك فقد أظهرت التجارب التاريخية السابقة أن الأنظمة الشمولية لا تسقط بالضرورة في حالات التردي الاقتصادي. وفي ضوء المشاعر القومية الإيرانية والتمسك بالمشروع النووي من طرف شرائح واسعة من الإيرانيين، فمن المتوقع أن تؤدي هذه العقوبات إلى تدعيم الوحدة الوطنية الإيرانية والالتفاف حول العلم الإيراني.

تستهدف العقوبات المالية التي يتضمنها مشروع القرار الإنكليزي مصالح الشرائح التجارية والصناعية العليا، عن طريق تجميد الودائع الحكومية وودائع الشركات والأفراد الإيرانيين. أما «العقوبات الذكية» التي يتضمنها القرار فتستهدف قطاعات النخبة عن طريق ضرب مصالحها، ودفعها الى الضغط على نظامها السياسي. وتحظر «العقوبات الذكية» هبوط الطائرات الإيرانية المدنية في مطارات العالم المختلفة وتضيق على خطوط الملاحة البحرية الإيرانية. ولكن «العقوبات الذكية» على الرغم من ظهورها كوسيلة تبدو فعالة ليست سوى أداة للسياسة الخارجية، بحيث لا يمكن اعتبارها بديلاً عن استراتيجية واضحة للتأثير على القرار السياسي الإيراني. وإن تمثل الهدف النهائي للعقوبات بأنواعها المختلفة في القدرة على دمج الهدف السياسي الاستراتيجي، أي التأثير على القرار السياسي، ودمج العقوبات به وجعلها أداة له؛ فإن استخلاص دروس الماضي له أهمية استثنائية في هذا السياق. وإذا ما تم التفكير بفرض إجراءات إجبارية على إيران يجب أن يكون التهديد واقعياً وممكناً بحيث لا يضر بمصالح أطراف دولية.

وهنا يظهر بوضوح أن الإجماع الدولي، هو الشرط الأساس لنجاح هذه العقوبات في التأثير على قرار طهران السياسي. ومثال العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن منذ عام 1980 على طهران يزيد من ثقل هذه الفرضية، إذ كانت نتيجة الحصار الأميركي أن إيران استوعبته وفتحت نوافذ خارجية آخرى على الأقطاب الدولية المختلفة، خصوصاً الصين وروسيا وأوروبا؛ ما جعل الشركات الأميركية المتضرر الأساسي من عقوبات حكوماتها على إيران. ومشروع القرار الإنكليزي المعروض الآن على مجلس الأمن له رسالة واضحة، وهي أن سياسة إيران النووية تتسبب في عزلتها الدولية، وهو يدشن فضلاً عن ذلك، مرحلة جديدة من مراحل إدارة الصراع حول الملف النووي الإيراني، ولكن بوسائل غير عسكرية... حتى الآن.

 

كاتب وباحث مصري

back to top