السوبرمان مرتكب مذبحة بني مزار قتل عشرة أفراد من ثلاث عائلات خلال ساعة واحتفظ بأجزاء من أجسادهم
الجريمة خلقها البشر. وجدت مذ خلق الله آدم أبو البشر جميعا. هي سلوك عدواني يلحق ضررا بالفرد والمجتمع. لم تنجح أي وسيلة في أي زمان أو مكان لمنع وقوع الجرائم. إنها جزء لايتجزأ من السلوك الإنساني وأحد مكونات الحياة في أي مجتمع، أياً تكن ثقافته أو مستواه الحضاري.
رغم التقدم التقني الذي شهده العالم في مجال اكتشاف الجرائم ومكافحتها فإن المجرمين يقومون في خط مواز بتطوير أساليب جرائمهم في محاولة لتضليل السلطات عن مطاردتهم وإنزال العقاب بهم.بخلاف ما يسمى «المجرم بالصدفة» الذى يرتكب نوعا من الجرائم من دون إعداد أو تخطيط مسبق، ثمة المجرمون العتاة الذين يتميزون بتركيبة إجرامية ذات سمات خاصة وتفشل كل الطرق فى إصلاحهم وتهذيبهم كما تفشل كل أنواع العقاب، مهما بلغت قسوتها، في ردعهم.عالم الجريمة مثير لما ينطوي عليه من رعب وتشويق. وإن كان عالماً صغيراً، إلا أنه يعكس الحياة البشرية بأكملها إذ يمثل حالة الصراع الدائم بين الخير والشر، بين العدل والظلم، بين القوة والضعف، بين الفضيلة والرزيلة.نقدم هذا العالم الغريب في حلقات متتالية، من مصر بلد التاريخ والحضارات المختلفة، بلد الجوامع والكنائس، بلد الهرم والنيل، لكن أيضا بلد «الخط» وريا وسكينة والتوربيني. حكايات السفاحين مسلسل لا ينتهي. بين الحين والآخر يظهر أحدهم فارضاً نفسه على ساحة الإعلام موضوعاً جاذباً لرجال الأمن والقضاء والمحامين وعلماء النفس والإجتماع ورجال الفكر والصحافة. كلٌ من هؤلاء تستفيض قريحته بتفسيرات وتبريرات وتعليلات لأفعال السفاح ولا تقلب صفحة هذا الموضوع إلاّ بعد ظهور أخرى. حينذاك يترك الجميع سفاح الأمس لمتابعة مولود جديد في عالم الجريمة أشبه ما يكون بالبضاعة الطازجة، يهدف كلٌ من هؤلاء الى الاستحواذ على النصيب الأكبر من تلك القصة وبالتالي تتكرر الحوادث، فوسط الزخم الإعلامي المرافق لأيّ واقعة لن تجد جهة محدّدة تتبنى الموضوع بجدية لعلاج الظاهرة الإجرامية تلك، أو لسدّ بعض الثغر الاجرامية الدخيلة في مجتمعنا.لكل يوم جريمة مختلفة تشير الى ازدياد عدد المجرمين. في حال قتل المجرم أكثر من شخص يطلق عليه لقب «السفاح» إذ يظهر شخصية إجرامية متعطشة الى الدماء ومتحوّلة إلى مصدر رعب وترويع. يرتبط الحكم على خطر السفاح بحجم ما اقترفه من جرم فبقدر بشاعة الجريمة تكون بشاعة مرتكبها. نعرض في هذه الحلقة لجرائم هزت مصر، ارتكبها فرد واحد أو عصابة واحدة لكنها سُجّلت ضد مجهول. رغم تقديم سلطات التحقيق المتهم الى المحكمة فإنها قضت بتبرئته. هكذا ما زالت هذه الجريمة البشعة لغزا محيرا يضاف الى سلسلة ألغاز جنائية نعرض لبعضها لاحقاً .مجـــزرة بشريةالمكان : قرية شمس الدين التابعة لمركز بني مزار في محافظة المنيا، على مسافة نحو 230 كيلومتراً جنوب القاهرة.الزمان: فجر التاسع والعشرين من ديسمبر/ كانون الاول عام 2005قبيل الفجر بقليل كان المواطن أبو بكر عبدالمجيد متجهاً لأداء صلاة الفجر في مسجد القرية كعادته كل يوم، قبل ذهابه إلى عمله في فرنه الخاص.كثيراً ما كان يزور شقيقه طه الذي يعمل محامياً والساكن جوار الفرن ليوقظه فيترافقان لأداء فرض الفجر. طرق الباب مراراً وتكراراً ولا جواب. تسللت الوساوس إلى نفسه فاقتحم المنزل ليفاجأ بمشهد مروّع كاد يفقده وعيه. رأى شقيقه ووالدته مضّرجين بالدماء. صرخ كالمجنون مستغيثا بالجيران، فهرعوا إليه من كل حدب وصوب.كان المحامي طه عبدالمجيد (27 عاماً) مسجى على الأرض مذبوحا وقد شجّ رأسه وعضوه الذكري مبتور لم يعثر عليه في المكان. قرب جثته أمه السيدة هند أحمد حسن ابراهيم ( 63 سنة) مذبوحة أيضاً ورأسها مهشّم وبطنها مبقورة من الوسط والأحشاء بارزة وقطعت منها أجزاء.ما هي إلاّ دقائق حتى تعالى صراخ مصدره منزل المزارع السيد محمود محمد عبده (50 عاماً). ما إن استيقظت ابنتاه زينب وأم هاشم على وقع الضجيج في منزل المحامي حتى فوجئتا بجثة والدهما في الغرفة المجاورة حيث ينام وزوجته وابناهما مذبوحاً من العنق ورأسه مهشم وعضوه الذكري مختف. الى جانبه جثة زوجته صباح عبدالوهاب محمد (45 عاماً) مذبوحة من العنق وبقرت بطنها من الوسط حتى العضو التناسلي، وابنه أحمد (10سنوات) وابنته فاطمة (8 سنوات) ذبحا من العنق. العضو الذكري لأحمد مختف اما ابنته فاطمة فبقرت بطنها حتى العضو التناسلي. بعد أقل من ساعة، كان محمد يحيى أبو بكر(تلميذ في الصف الأول الإعدادي) في ذبحا طريق إلى منزل والده قادما من منزل جدته حيث كان يبيت ليلته. حين بلغ المنزل راعه المشهد الرهيب. فاجأه مرأى والديه وشقيقه وشقيقته جثثاً غارقة في مستنقع من الدماء. كان والده يحيى أحمد أبو بكر يعمل مدرّساً (35 عاما)، مذبوحاً من عنقه ورأسه مهشّماً وعضوه الذكرى مختفياً وإلى جواره جثة والدته السيدة نعمات علي محمد (35 عاماً) مذبوحة من العنق وبطنها مبقورة حتى العضو التناسلي وأصابع يدها اليسرى مبتورة. إلى جوارهما جثة طفلهما محمد (3 سنوات) رأسه مهشم وبطنه مبقورة وعضوه الذكري مختف ثم أخيرا جثة طفلتهما الرضيعة أسماء (عام واحد) التي لاقت المصير نفسه.الرعب في بني مزاركان الحادث فريدا من نوعه، ليس في منطقة حصوله فحسب بل في مصر كلها. كانت جريمة غير مسبوقة فالقتلى لا يربطهم أي صلة قربى ومنازلهم لم يسرق منها شيء، لكن العامل المشترك في الجرائم كلّها كان الاستيلاء على أعضائهم التناسلية وأعضاء أخرى من بطونهم وعملية بتر عضو لغرض إعادة استخدامه في جسد آخر. إنها عملية معقدة جدا يقوم بها أطباء على أعلى مستوى. للحفاظ على أطراف الشرايين والأوردة في حالة جيدة لا بدّ من استخدام أدوات معينة في استئصالها كما لا بد من أن توضع في درجة برودة معينة... من كانت لديه هذه الإمكانات من أهل البلد. من هو هذا القاتل «السوبرمان» الذي استطاع تسلّق جدران ثلاثة منازل وقتل عشرة أفراد من دون أن يشعر به أحد، حتى الأشخاص الذين ينامون إلى جوارهم؟!. سيطرت حالة من الرعب على سكان القرية فاضطرت أسر كثيرة إلى تأمين نوبات سهر أثناء الليل، لم يغمض للبعض جفن خوفاً من تسلل المجرم الشبح فيذبحه ويمثل به. وسرت شائعات أن القتلة هم من السحرة الباحثين عن الكنوز الفرعونية يحتاجون إلى أعضاء بشرية بغية تقديمها قربانا للجان لتسهيل الوصول إلى الكنوز الأثرية. وانتشرت شائعات أخرى مفادها أن الفاعل عصابة تتاجر بالأعضاء البشرية، خاصة أن عدداً وافراً من سكان القرية أكّد ظهور سيارة قبل الحادث بأيام، تحمل فريقاً طبياً تابع لوزارة الصحة لأخذ عينات دم من بعض الأسر، وترك علامات على بعض المنازل. ثبت لاحقاً أن وزارة الصحة لم ترسل أي وفد طبي إلى القرية. حينئذٍ أصبح اللغز معقدا وازداد الرعب بين السكان.فاجأت أجهزة الأمن مصر بأكملها بإعلانها إلقاء القبض على الجاني بعد خمسة أيام خلال مؤتمر صحافي كبير عبر مساعد وزير الداخلية للأمن العام بمعيّة مدير أمن المنيا وعدد من قيادات الداخلية أن الجاني مختل عقليا ويدعى محمد أحمد عبداللطيف (27 عاماً )، عاطل عن العمل وغير حائز أي شهادة مدرسيّة. صرّح المصدر الأمني: «اعترف المتهم بالواقعة بكل تفاصيلها وهو مختل عقليا ويعاني فصاماً في الشخصية. تسلل إلى منازل الضحايا ليلا مستخدماً السلم الخشبي فقتلهم وقطع جثثهم بساطور. توصلت إليه الشرطة عن طريق فردة حذائه التي عثر عليها في مسرح الجريمة».صدّق بعض السكان السذّج بيان الأجهزة الأمنية معتقدين أنهم يستطيعون النوم مرتاحي البال إثر القبض على الجاني، في حين أن السواد الأعظم من متتبعي القضية لم يقتنعوا بأن الجاني مرتكب هذه الجريمة الشنعاء الذي استأصل الأعضاء البشرية بهذه الدقة يمكن أن يكون شخصاً واحداً متسائلين: «كيف يقتل عشرة أشخاص ويستأصل أعضاء من أجسادهم خلال ساعتين؟» لو كان شخصاً واحداً لما أمكن أن يكون ذلك الذي عرضته الداخلية أمام الناس، إذ بدا للجميع أنه مضطرب ولا يستطيع الإمساك بسكين لذبح ولو دجاجة.القضية في مجلس الشعبأثار عدد من النواب موضوع الجريمة في مجلس الشعب، قبل إعلان وزارة الداخلية عن السفاح القاتل وبعد ذلك. وتطوع عضو البرلمان المصري طلعت السادات في الدفاع عن المتهم الذي قبضت عليه الداخلية متهما إياها بالتقصير. كذلك عمد إلى تقديم تقرير من جامعة عين شمس مؤكداً استحالة قيام المتهم بهذه الجرائم في ليلة واحدة. ثم عقد مؤتمراً صحافياً أحضر خلاله المتهم وأعلن أمام العالم أن جهات الأمن اتفقت معه على أن يعترف واعدة إياه بتهريبه بعد الحكم عليه وإخفائه عن العيون وأنها لقنته اعترافاته أمام النيابة العامة، بعد تعرضه للتعذيب وأسرته.أكد تقرير الطب الشرعي على عدم وجود آثار لمواد مخدرة في أمعاء الضحايا كما أثبت التقرير أن الوفاة نتيجة الضرب بقطعة حديد على رأس المجني عليهم، ثم التقطيع والتمزيق لأعضاء الجسم.يوم الخميس في الأول من يونيو 2006 قرر النائب العام المصري المستشار ماهر عبد الواحد إحالة محمد علي عبد اللطيف على محكمة الجنايات بتهمة قتل عشرة أشخاص في قرية شمس الدين في مركز بني مزار في محافظة المنيا في التاسع والعشرين من ديسمبر 2005 وتقطيع أعضائهم التناسلية وأجزاء من أجسادهم. ذلك إثر تبين سلامة قواه العقلية وفي ضوء اعترافه واعتراف عدد من الشهود بارتكابه المجزرة البشعة.نسبت النيابة إلى المتهم تهمة القتل عمداً مع سابق الإصرار والترصد حيث توجه إلى ثلاثة منازل وتسلق أسوارها وقتل من فيها مستعملاً ساطوراً وسكيناً وأنه حمل هاتين الأداتين من دون مسوغ الضرورة الشخصية أو الحرفية. وكانت النيابة العامة أصدرت بيانا أكدت فيه سلامة القوى العقلية للمتهم أثناء ارتكاب جريمته في ضوء تقرير بهذا الشأن صادر عن مستشفى الأمراض العقلية في القاهرة بعدما أودع المتهم فيه عقب ارتكابه الجريمة التي هزت الشارع المصري. أفادت النيابة أن المتهم محمد علي عبد اللطيف (27 عاما) راسب في الإعدادية. اعترف في التحقيقات بتفاصيل جريمته ومكان الأعضاء المبتورة بوحشية في المذبحة التي أحدثت صدى كبيراً لدى الأجهمة الأمنية. مشيرة الى أن المتهم ارتكب جريمته تحت تأثير «هاتف» دعاه إلى ذلك فاستل ساطورا وسكينا وتنقل بين المنازل الثلاثة تحت جنح الظلام ليقتل من كان فيها. بقر بطونهم وبتر الأعضاء التناسلية الخاصة بالذكور منهم ودفن بعضها في أرضية دورة المياه والبعض الآخر في أسفل سلم أحد منازل الضحايا، بينما ألقى بالبعض الآخر فوق سطح منزل أحد الضحايا ورمى السكين والساطور في ترعة الابراهيمية.أكد تقرير الأدلة الجنائية أن نتيجة فحص الجلباب والحذاء الخاصين بالمتهم المذكور تبين أن آثار الدماء الموجودة عليهما من دماء الضحايا أنفسهم، كما كشفت الصفة التشريحية عن أن سبب وفاة المجني عليهم إصابتهم في الرأس والوجه والعنق وأن الأعضاء التناسلية التي عُثر عليها خاصة بهم فطالبت النيابة بتطبيق مواد قانون العقوبات على المتهم المذكور بإعدامه شنقاً.المحــــاكمةبدأت أولى جلسات محاكمة المتهم محمد أحمد عبداللطيف في 17 يونيو 2006، ثم تأجلت الى 2 سبتمبر 2006 إذ تفجرت خلالها عدة مفاجآت.استدعت المحكمة خبير أحذية لإجراء مقارنة بين حذاء المتهم وفردة الحذاء التي عثر عليها في مسرح الجريمة وقدمتها جهات الضبط والتحقيق على أنها حذاء المتهم. فاتضح أنّ الحذاء المقدّم كدليل مقاسه 42 في حين أن مقاس قدم المتهم 45 ولا يستطيع إدخال قدمه في الحذاء المقدم دليل إثبات ضده.خلال الجلسات تعرض محامي الدفاع عن المتهم للاعتداء بالضرب أمام المحكمة فتقدم ببلاغ إلى وزير الداخلية يشكو فيه مدير أمن المنيا لتقصيره في توفير الحماية له، مصرّاً على براءة المتهم. قال طلعت السادات إن القضية ملفقة لأسباب سياسية وطالب أجهزة الأمن بالبحث عن المتهم الحقيقي، ثم أعلن خلال حديثه مع إحدى القنوات الفضائية أن من ارتكب مذبحة بني مزار عصابة مدربة على سرقة الأعضاء البشرية وعلم بأن الأعضاء البشرية المسروقة من ضحايا مذبحة بني مزار نقلت في ثلاجات محمولة إلى اسرائيل بعد ساعات من وقوع الجريمة.في الأربعاء الموافق 6 سبتمبر 2006، كان موعد النطق بالحكم في القضية. اكتظت قاعة محكمة جنايات المنيا بالعشرات من مندوبي الصحف والفضائيات ووكالات الأنباء وانعقدت هيئة المحكمة برئاسة المستشار محمد عبدالرحيم الذي أعلن براءة محمد أحمد عبداللطيف من التهم المنسوبة إليه. في أعقاب الحكم صرح رئيس المحكمة بأنه لم يجد في أوراق القضية دليلا واحدا يؤكد إدانة المتهم وأنه قضى بالبراءة لتضارب التقارير الطبية الشرعية مع التقارير الطبية النفسية. بدوره قال محامي المتهم: «يعدّ الحكم من الأحكام التاريخية التي تحسب للقضاء المصري، لأن تصور ارتكاب هذا المتهم لهذه الجريمة بهذا الشكل الذي صورته الداخلية لنا، يعدّ سيناريو لفيلم لخيالي لا يصدقه عقل». وطالب بالبحث عن الجناة الحقيقيين.من يكون السفاح؟يبقى السؤال: من يكون السفاح الذي ارتكب هذه المجزرة؟ الإجابة لا يعرفها أحد، لكن بالتأكيد لو كان فرداً واحدا لتفوق على «سوبرمان» وهو بالتأكيد سفاح من النوع «السوبر» الذي ارتكب ما لم يرتكبه سفاح آخر عرفته مصر من قبل وعرفه الناس. أما هذا فترك آثار إجرامه بذكاء إذ عجزت أجهزة الأمن بما لديها من قدرات وإمكانات رهيبة عن الوصول اليه.يبقى ما يردده البعض: هل سيعاود هذا السفاح سواء كان فرداً أو جماعة ارتكاب مثل هذه الجرائم التي زلزلت المجتمع المصري ونشرت الرعب بين فئاته كافة؟ الإجابة هي: الله أعلم.