زوجة هاربة ورضيع يتسبّب بمقتل والده

نشر في 08-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 08-10-2007 | 00:00

الجريمة خلقها البشر. وجدت مذ خلق الله آدم أبو البشر جميعا. هي سلوك عدواني يلحق ضررا بالفرد والمجتمع. لم تنجح أي وسيلة في أي زمان أو مكان لمنع وقوع الجرائم. إنها جزء لايتجزأ من السلوك الإنساني وأحد مكونات الحياة في أي مجتمع، أياً تكن ثقافته أو مستواه الحضاري.

رغم التقدم التقني الذي شهده العالم في مجال اكتشاف الجرائم ومكافحتها فإن المجرمين يقومون في خط مواز بتطوير أساليب جرائمهم في محاولة لتضليل السلطات عن مطاردتهم وإنزال العقاب بهم.

بخلاف ما يسمى «المجرم بالصدفة» الذى يرتكب نوعا من الجرائم من دون إعداد أو تخطيط مسبق، ثمة المجرمون العتاة الذين يتميزون بتركيبة إجرامية ذات سمات خاصة وتفشل كل الطرق فى إصلاحهم وتهذيبهم كما تفشل كل أنواع العقاب، مهما بلغت قسوتها، في ردعهم.

عالم الجريمة مثير لما ينطوي عليه من رعب وتشويق. وإن كان عالماً صغيراً، إلا أنه يعكس الحياة البشرية بأكملها إذ يمثل حالة الصراع الدائم بين الخير والشر، بين العدل والظلم، بين القوة والضعف، بين الفضيلة والرزيلة.

نقدم هذا العالم الغريب في حلقات متتالية، من مصر بلد التاريخ والحضارات المختلفة، بلد الجوامع والكنائس، بلد الهرم والنيل، لكن أيضا بلد «الخط» وريا وسكينة والتوربيني.

دفع الأب حياته لقاء لحظة يرى فيها ابنه الرضيع. كان مستعداً لهذه التضحية مدركاً أنه ربما اللقاء الأخير مع ابنه الوحيد لكنّه خاطر بنفسه رغم تهديدات زوجته وشقيقيها فقصد منزل زوجته بعد شهور خصام وشاهد ابنه لدقيقة واحدة قبل أن تسيل الدماء أمام سكان المنطقة في المدينة الساحلية.

قصد الأب رؤية طفله حمادة محاولاً ضمّه بين يديه. صرخت زوجته معترضةً سبيله بينه وابنه قائلة: «لن تراه، لن تناله أبداً، أرجو أن تنسى انه ابنك!».

راحت تصرخ مستنجدة بالجيران منادية أشقاءها، مهدّدة زوجها أنه سيفقد حياته لو أصر على موقفه.

لم تمض دقائق حتى وصل شقيقا الزوجة. تحول الجميع الى حائط يحول ما بين محمد وابنه حمادة. دمعت عينا الأب. كاد يتوسل اليهم ان يتركوه يداعب ابنه الذي أجهش في البكاء. شعر الأب بخطورة الموقف فحاول الانسحاب لكن الجو كان مشحوناً وتحوّل الشارع الى ساحة مطاردة بالسنج والمطاوي في مشهد مروع لم يره السكان من قبل. والد الطفل يحاول الهرب، يتراجع، تطارده زوجته وشقيقاها. تسمر سكان المنطقة في أماكنهم. لم يجرؤ أحد على فضّ الاشتباك أو انقاذ والد الطفل من الموت.

كان رسل الموت يحملون السنج متقدمين ناحية الأب الذي أخذ ينظر حوله كأنه يستنجد بالجميع الذين تخلوا عنه. فجأة هجم الأشقاء عليه وأغمدوا السنج في جسده. سقط الأب مضرجا بدمائه!

سارعت عربة الاسعاف إلى نقل الزوج الى أحد المستشفيات القريبة. لم تمض ساعات حتى مات متأثرا بجروحه. توالت جهود المباحث لضبط القتلة فداهموا شقق أقارب المتهمين في سائر أنحاء المدينة.

الساعات تمر من دون ظهور الأشقاء الثلاثة، لكن المباحث نجحت في ضبط الزوجة الهاربة المتوارية في منزل إحدى قريباتها. أخبرت رجال المباحث أن زوجها يستحق هذا المصير.

مضت ساعات قبل أن ينجح رجال المباحث في ضبط أحد الشقيقين أثناء اختفائه في منزل أحد أصدقائه. وسرعان ما سقط المتهم الأخير فاكتملت عناصر القضية.

قررت النيابة سجن المتهمين الثلاثة بعد أن وجهت اليهم تهمة القتل العَمْد وكشفت تحريات المباحث عن الحوادث التي سبقت الجريمة حيث كان الزوج ممنوعا من دخول شقته بموجب فرمان من الزوجة وأسرتها.

قبل عامين كان كل شيء على ما يرام مع الزوج الشاب. لم يكن غنياً لكن الزوجة اختارته من عشرات الذين تقدموا لخطبتها رغم أن معظمهم كانت أحواله المادية أفضل بكثير من جارها الموظف البسيط. اختار قلبها الحبيب الذي استولى على مشاعرها. اعتقدت الزوجة انها ستعيش أجمل أيام حياتها مع زوجها الذي وعدها أن يحقق لها الكثير لكن لم تسر الأمور كما أرادت إذ سرعان ما دبّت الخلافات في المنزل بعد شهر واحد بسبب غيرة الزوج الشديدة فتدخل شقيقا الزوجة بشكل لافت في حياتها مع زوجها.

هدد الزوج بترك المنزل. في هذه الأثناء وضعت الزوجة مولودها. كانت سعادة الأب بلا حدود إذ اعتقد أن طفله سينهي الخلافات بينه وزوجته ويقرب وجهات النظر، لكنه كان واهما.

بدأت الزوجة تستثمر حب زوجها الشديد لابنها فتهدده دائماً بحرمانه من فلذة كبده. ثارت الزوجة مرّة بسبب مشكلة بسيطة طلبت من زوجها مغادرة المنزل ولا يعود مرة جديدة. تدخّل شقيقا الزوجة ليفرضا القرار على الزوج الذي قرر بالفعل ترك المنزل لفترة حتى تهدأ النفوس، لكن أسرة الزوجة منعت الزوج تماماً من دخول المنزل أو رؤية ابنه. جن جنون الأب، حاول بالطرائق كافة العودة الى منزله لمشاهدة ابنه لكن شقيقي زوجته منعاه تماما الى أن دفع ثمن شوقه لابنه في ذلك الحادث المشؤوم.

الزوجة الهاربة

من منا لا يخطىء ولا يدفع الثمن؟ أخطأ الرجل فدفع الثمن غالياً عامين من عمره خلف القضبان متهما في قضية حيازة مخدرات لكنه داخل السجن أعلن توبته فأصبح انسانا آخر وحين خرج من السجن وجد الدنيا تغيرت حوله وتدافعت فوق رأسه المفاجآت. زوجته وشريكة عمره تخلت عنه وقت الضيق والشدة متوارية من حياته. حين وجدها بعد طول بحث فوجىء بأنها متزوجة من آخر وأنها انجبت طفلة عمرها ثمانية شهور (سجلتها باسمه) وحين حاول الثأر لكرامته أرغمه زوجها على طلاقها تحت تهديد السلاح فلجأ الى الشرطة محرّراً محضرين ضد الزوجة الخائنة.

عمر الزوج أربعون عاماً عاشها في بؤس وشقاء. انه شقيّ، أو كان شقياً، لكنه تاب بعد أن دفع الثمن غاليا وما زال يدفع ثمن عامين أمضاهما في السجن بتهمة حيازة مخدرات بهدف الاتجار رغم أنه وقف في قفص الاتهام صائحاً بكل ما أوتي من قوة بانه شقي فحسب وكل سوابقه مشاجرات ولا يعلم عن هذه المخدرات شيئا، إلا أن الأوراق كانت امام القاضي مع الأدلة والقرائن ضده. إلى ذلك استعمل معه الرأفة وحكم عليه بعامين سجنا. كانت المرة الأولى التي يسجن فيها والمرة الأولى التي يودّع فيها زوجته وأولاده ويتركهما لمدة طويلة آنئذ فقط شعر بأنه يجني ثمار ما فعل طيلة عمره.

مرت الأيام بطيئة كسير السلحفاة وأصبحت رتيبة ومريرة. زاد من حرارتها انقطاع زوجته عن زيارته مع الأولاد مكتفية في المرة الأخيرة بأن أرسلت له رسالة كتبت له فيها انها لم تعد تتحمل الحياة بهذه الصورة، فالاغراءات حولها كثيرة وأنها ملت من رقابة أهله. اختتمت رسالتها بعبارة صغيرة قذفتها في وجهه كالقنبلة قائلة بمنتهى البساطة إنها تريد الطلاق، لكنه بعد أن فاق من وقع الصدمة، تأكد أن من حقها طلب ذلك وفكر جيدا، وقبل الإقدام على أي شيء أرسل إلى أخيه طالباً منه أن يقصد زوجته عسى يفلح في اقناعها بالصبر إذ لم يتبق من مدّة عقوبته إلا خمسة شهور، بعدها يسترد حريته فيرد لها الجميل ويحفظه لها طوال عمره. جاءه الرد من أخيه غريبا يحمل لغزا عجز عن فك طلاسمه، فزوجته غير موجودة عند أهلها وأهلها لا يعرفون عنها شيئا. كل ما يعرفونه أنها اصطحبت الطفلين واستأجرت شقة لا يعرفون عنوانها.

كاد عقل الزوج يطير وهو يتساءل أين ذهبت زوجته بأولادها وأولاده. هل حقاً لايعرف عنها شيئا؟ بدأ شيطانه يهيىء له ما لا يطيقه رجل في زوجته، لكنه طرد من نفسه تلك الهواجس من دون أن يدري أنها حقيقة. ساءت حالته الصحية فلزم الفراش الأشهر الخمسة المتبقية له في السجن، أعقبها ثلاثة أشهر بعد الافراج عنه في مستشفى العباسية للحميات يعالج من مرض الدرن الذي أصابه وهو داخل السجن. 

مرت ثمانية أشهر عليه وهو يصارع المرض وأيضاً هواجسه حتى استطاع في النهاية هزم المرض بالتداوي منه، أما هواجسه فما زالت تلازمه وتلاحقه بعدما خرج من المستشفى قاصدا منزل شقيقته التي صعقت حين رأت أخاها أشبه ببقايا آدمي بعد بروز عظام جسده وتهلهل ملابسه، لم يعد يملأ ملابسه. أول سؤال طرحه عليها كان عن زوجته وأولاده.

جاءه الرد سريعاً: «لم نترك مكانا لم نسأل فيه عنها». كان يتوقع تلك الاجابة. ارتمى في صدر شقيقته باكياً وهمّه البحث عن زوجته وأولاده. بدأ رحلة البحث أياماً حالكة السواد مقتفياً أثرها في كل مكان حتى بدأ يمسك بطرف الخيط من معلومة وشى له بها أحد أقاربها حين أخبره أنها تعمل في «المدبح» فقصد المكان مهرولا لرؤيتها قبل أن يفاجئها بمشاهدته، ظل يراقبها من بعيد وهي تقوم باعداد وجبات المطاعم من لحوم الذبائح. ظن في البداية أنها تجد وتجتهد من أجل أولادها لكنه لمح مصاغا وأساور في يديها، فبدت كأنها في عزّ وليس كما تخيل.

قطع شكّه باليقين وقطع المسافة الفاصلة بينهما فكان اللقاء غريبا بين زوجة غاب زوجها نحو عامين وزوج أضناه البحث عن زوجته التي ظن انها هاربة. رغم اشتعال الطرفين إلا أن اللقاء أضحى فاترا بينهما، وقبل تجمع الناس غادرا المكان إلى مكان قريب من المدبح. لم يعد العتاب يجدي، فهو من ناحيته أسقطها من حساباته كامرأة. يريد أولاده فحسب وان وافقت أن تعود إليه كأم لأولاده فلا مانع لديه، أما معها فالأمر مختلف إذ اختارت طريقها. أما الولدان فاتفقت أن تعيدهما إليه أو أن يأخذهما منها.

حين سألها عن مصدر ثرائها المفاجيء أكدت أنه من عملها. لم تكن صادقة لان راتبها اليومي لم يتعد خمسة جنيهات. كاد ينهال عليها ضربا وتأديبا على سمعته التي داستها الأقدام وشرفه الذي أباحته زوجته لولا تدخل الناس الذين باعدوا بينهما. آخر كلماتها كانت انها ستعيد إليه ابناءه مساء وعليه إرسال ورقة طلاقها في الصباح. أما آخر كلامه فأنها ستدفع الثمن غاليا وليس وحده من يدفع الثمن. 

في المساء فوجيء الزوج عقب عودته الى منزله بطفليه أحمد وفاطمة. أخبرته شقيقته ان أحد الاشخاص تركهما وانصرف. يا له من لقاء إذ ما ان لمح الطفلان والدهما حتى هرولا ناحيته وهو ايضاً بادلهما بتطويقهما بذراعيه فاستعاد روحه وأمله المتحطّم... جلس مع طفليه يستمع منهما كيف كانا يعيشان مع والدتهما. كانت المفاجأة التي فجرها الطفل الصغير كالقنبلة حين أخبره أن ماما تزوجت من رجل آخر وانجبت منه ابنة صغيرة عمرها الآن ثمانية اشهر.

لم يصدق ما سمع إلا بعد أن قصد العنوان الذي وصفه له ابنه الصغير مستمعاً من الجيران إلى قصة زواج زوجته برجل آخر. هذا الرجل يعمل معها في «المدبح». ذهب لمواجهتها بكل ما سمع ويستمع منها لدفاعها في هذه القضية التي تورطت فيها اذ كيف تجمع بين زوجين تكون في عصمة زوجها وتتزوج من رجل آخر وكيف تعجب به. قبل أن تجيب وتمتد يده ناحيتها ليرغمها على الاجابة وجد من يكمّ فمه ويصطحبه الى الخارج.إنه الزوج الجديد تماماً كما وصفه له أطفاله والجيران. لكن الرجل لم يفصح له عن شخصيته الا في منزله وشهر في وجهه سلاحه مستعيناً بأحد معارفه ليعاونه في مهمته فطلب منه أن يطلقها وأن يدفع له الثمن مبلغا من المال يبدأ به حياته ولم يجد الزوج مفراً إلا القبول والسكين على رقبته موافقاً على الطلاق أما كرامته فلم يحدد لها الآن ثمنا فكرامته لا تقدر بثمن .

خرج متوجّهاً إلى مركز الشرطة وبالكاد حرر لهما محضرين احدهما بالتعدي عليه والآخر ضد زوجته يتهمها فيها بأنها جمعت بين زوجين وحملت وانجبت طفلاً سفاحاً فأمرت النيابة بضبط الزوجة والزوج الثاني واحالتهما على التحقيق.

back to top