البؤساء!

نشر في 04-07-2007
آخر تحديث 04-07-2007 | 00:00
 أحمد عيسى

جريرتهم أنهم فقراء، تعليمهم متدن، وضعهم المعيشي كارثي، تغربوا تاركين أسرهم الصغيرة والممتدة بحثاً عن الرزق، ساقتهم أقدارهم إلى أن يكونوا «عندنا»، فنتعاطى معهم بأنفة باعتبارهم بشراً من الدرجة الثانية، ونصرف لهم رواتب شهرية يقل مفردها عن فاتورة وجبة عشاء في مطعم على البحر.

متغلغلون بيننا، يشغلون حيزاً مهماً من نسيجنا الاجتماعي، يعملون في كل الظروف، يقومون بما نترفع عنه، وعندما يساء لهم لا يجدون ملجأ سوى الحزن، فيتألمون بصمت، يصرون آلامهم، يخبئونها في أحد أمكنة قلوبهم القصية، ليعودوا للعمل في اليوم التالي كأن شيئا لم يكن، متناسين أنهم قضوا ليلتهم الفائتة بين الدموع واجترار الذكريات ولعن الحاجة.

أكتب هنا عن العمالة المنزلية في الكويت المقدرة شبه رسمياً بـ 545 ألف إنسان، ممن حدتهم ظروفهم الى لعمل في خدمة البيوت وأهلها، لأنهم فعلا يستحقون الشكر، رغم أننا للأسف نعاملهم على الأغلب عكس ذلك.

دخلوا حياتنا فأثروها بحضارتهم وتسامحهم، يديرون خدهم الأيسر لمن يصفعهم على الأيمن، ودودون، مخلصون حد التفاني، محبون للعمل والحياة، لا يتذمرون، يضيفون البهجة على حياتنا، دقيقون حد الاهتمام بالتفاصيل، قادرون على فهم اللغة «المكسّرة» التي نخاطبهم بها، والأهم يساعدوننا على المضي قدماً دون الالتفات الى صغائر الأمور، ومع ذلك لا ينالون منا قدرهم من التكريم.

جريرتهم أنهم فقراء، تعليمهم متدن، وضعهم المعيشي كارثي، تغربوا تاركين أسرهم الصغيرة والممتدة بحثاً عن الرزق، ساقتهم أقدارهم الى أن يكونوا «عندنا»، فنتعاطى معهم بأنفة باعتبارهم بشراً من الدرجة الثانية، ونصرف لهم رواتب شهرية يقل مفردها عن فاتورة وجبة عشاء في مطعم على البحر، ثم نعود فنحملهم مسؤولية كل ما عجزنا عن السيطرة عليه، بدءاً من التربية وانتهاءً بكشف أسرار البيوت، وعندما نقرر أن دورهم انتهى، نتخلص منهم كأنهم قطعة أثاث معطوبة، نرسلها ثانية للبائع أو نعيدها لبلد المنشأ بأرخص تذكرة طيران وأسوأ رحلة ممكنة!

هم موجودون بيننا برغبة الطرفين، لكننا نتناسى أن لهم حقوقاً أكثر مما عليهم من واجبات، نستلذ تهديدهم بقطع الرزق، نأمرهم بسادية، نضطهدهم دينياً، نغض الطرف عن مبادئ حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بظروف عملهم، نسقط عليهم كل مشاكلنا النفسية وعقد النقص، وتقلدنا الدولة في ذلك أحياناً وتشجعنا في أخرى، ثم نعود بعد كل هذا ونتساءل: لماذا وضعنا على القائمة السوداء للاتجار بالبشر؟

... بأمانة، ألا نستحق أن نكون كذلك فعلا؟!

back to top