الحماية الدبلوماسية لرعايا الدول في الخارج
تكتسب الحماية الدبلوماسية أهمية بالغة في العلاقات الدولية والقانون الدولي نتيجةً لتداخل العلاقات الاقتصادية والإنسانية بين الدول، وبالتالي ازدياد مشاكل الأفراد الموجودين خارج دولهم، مما يفرض تدخل سلطات بلادهم لتوفير الدعم والحماية القانونية باعتبار ذلك امتداداً لممارسة الدولة لسيادتها واختصاصها الشخصي تجاه رعاياها.
كما تعتبر قضية حماية الدولة لرعاياها في الخارج من الواجبات والمسؤوليات الدستورية والسيادية التي مازالت تخضع لاعتبارات سياسية وتقديرية في ممارستها نتيجة عدم وجود اتفاقية دولية للحماية الدبلوماسية تحدد نطاق وآليات تلك الحماية، ولكن من حيث المبدأ تملك الدول الحق في حماية رعاياها بالخارج في حال ارتكبت انتهاكات بحقهم، وتعرضت مصالحهم للخطر أو الضرر، حيث نصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 في المادة الثالثة والفقرة (ب) على أن أعمال البعثات الدبلوماسية تشمل حماية مصالح الدولة معتمدة ومصالح رعاياها لدى الدولة المضيفة ضمن الحدود المقررة في القانون الدولي.
كذلك فإن المواثيق المتعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان تمنح الدول المبرر القانوني والأخلاقي في ممارسة الحماية الدبلوماسية صيانةً للحقوق ودفاعاً عن الكرامة الإنسانية.
كما أن امتداد مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها إلى خارج حدودها يعتبر حقاً ثابتاً للدولة استناداً إلى العديد من نصوص القانون الدولي والقضاء الدولي، وفي هذا الإطار جاء رأي محكمة العدل الدولية عام 1924 في قضية مافروماتيس بين بريطانيا واليونان، ليؤسس مبدأ الحماية الدبلوماسية، ويؤكد حق الدول في ممارسة حمايتها الدبلوماسية تجاه مواطنيها.
وقد استقر الفقه والقضاء الدوليان على أن الحماية الدبلوماسية هي حق للدول وليس للأفراد، فحين تقوم الدولة بممارستها لحماية حقوق أحد أفرادها من خلال اتباع الوسائل الدبلوماسية مع الدولة الأخرى عندها تنتهي علاقة الفرد مع تلك الدولة المدعى عليها، وتصبح العلاقة بين الدولتين فقط، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية عام 1955 في قضية نوتنبوم بين غواتيمالا وليختنشتين.
وتبقى مسألة حدود الحماية الدبلوماسية للرعايا في الخارج، ومدى القدرة على التدخل لمصلحتهم في ظل احترام مبدأ سيادة الدول وخصوصية أنظمتها القانونية، وخاصة فيما يتعلق بمركز الأجانب لديها، حيث استقر العرف والتطبيق الدولي على لجوء الدول إلى الوسائل الدبلوماسية لحماية حقوق مواطنيها لدى الدول الأخرى، وأهمها المساعي الحميدة والودية والمفاوضات والوساطة، إضافة إلى اللجوء لوسائل التسوية القضائية كالتحكيم المحلي أو الدولي أو إقامة الدعوى أمام محكمة العدل الدولية.
وتقوم الدول بممارسة الحماية الدبلوماسية تجاه مواطنيها – سواء كانوا طبيعيين أو اعتباريين - ومصالحها في الخارج من خلال البعثات الدبلوماسية والقنصلية باعتبارها تنوب عن مواطنيها وتمثلهم في الخارج، وقد استقر العرف الدولي على ضرورة توفر مجموعة من الشروط لتفعيل الحماية الدبلوماسية وأهمها:
- تمتع المتضرر بصورة فعلية بجنسية الدولة التي تريد ممارسة الحماية الدبلوماسية.
- أن يكون المتضرر قد استنفد جميع طرق التقاضي داخل الدولة المستضيفة.
- توفر شرط الأيادي النظيفة، والمتمثل في عدم ارتكاب المتضرر أي انتهاك أو مخالفة للقوانين.
بلا شك ان نجاح تفعيل الحماية الدبلوماسية للدول يرتبط بتوفر علاقات سياسية جيدة وتفاعل فعال بين البعثات القنصلية والدبلوماسية وبين الجهات الحكومية السيادية في الدولة المستضيفة وخاصة وزارة الخارجية ووزارة الداخلية، لضمان نجاح المساعي والإجراءات الرامية لتقديم الحماية للأفراد والمصالح، وتسريع حل القضايا العالقة، سواء أمام الجهات القضائية أو الإدارية في الدولة المستضيفة، وتلجأ الكثير من الدول حالياً إلى عقد اتفاقيات للتعاون القضائي الثنائي، والتي تتيح المزيد من وسائل التدخل والمعونة القضائية، بما يحقق إيجاد حلول تتسم بالفعالية والإجراءات الاستعجالية، ويبقى مستوى تلك العلاقات الثنائية في إطار إيجابي من التعاون والصداقة.
* مستشار قانوني وأستاذ جامعي لندن