الحماية الدبلوماسية لرعايا الدول في الخارج

نشر في 06-06-2025
آخر تحديث 05-06-2025 | 20:21
 د. مخلص المبارك

تكتسب الحماية الدبلوماسية أهمية بالغة في العلاقات الدولية والقانون الدولي نتيجةً لتداخل ‏العلاقات الاقتصادية والإنسانية بين الدول، وبالتالي ازدياد مشاكل الأفراد الموجودين خارج دولهم، مما ‏يفرض تدخل سلطات بلادهم لتوفير الدعم والحماية القانونية باعتبار ذلك امتداداً لممارسة الدولة ‏لسيادتها واختصاصها الشخصي تجاه رعاياها.

كما تعتبر قضية حماية الدولة لرعاياها في الخارج من الواجبات والمسؤوليات الدستورية والسيادية ‏التي مازالت تخضع لاعتبارات سياسية وتقديرية في ممارستها نتيجة عدم وجود اتفاقية دولية ‏للحماية الدبلوماسية تحدد نطاق وآليات تلك الحماية، ولكن من حيث المبدأ تملك الدول الحق في حماية ‏رعاياها بالخارج في حال ارتكبت انتهاكات بحقهم، وتعرضت مصالحهم للخطر أو الضرر، حيث ‏نصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 في المادة الثالثة والفقرة (ب) على أن أعمال ‏البعثات الدبلوماسية تشمل حماية مصالح الدولة معتمدة ومصالح رعاياها لدى الدولة المضيفة ‏ضمن الحدود المقررة في القانون الدولي. ‏

كذلك فإن المواثيق المتعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان تمنح الدول المبرر القانوني والأخلاقي في ‏ممارسة الحماية الدبلوماسية صيانةً للحقوق ودفاعاً عن الكرامة الإنسانية.‏

كما أن امتداد مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها إلى خارج حدودها يعتبر حقاً ثابتاً للدولة استناداً إلى ‏العديد من نصوص القانون الدولي والقضاء الدولي، وفي هذا الإطار جاء رأي محكمة العدل الدولية ‏عام 1924 في قضية مافروماتيس بين بريطانيا واليونان، ليؤسس مبدأ الحماية الدبلوماسية، ويؤكد حق ‏الدول في ممارسة حمايتها الدبلوماسية تجاه مواطنيها.‏

وقد استقر الفقه والقضاء الدوليان على أن الحماية الدبلوماسية هي حق للدول وليس للأفراد، فحين ‏تقوم الدولة بممارستها لحماية حقوق أحد أفرادها من خلال اتباع الوسائل الدبلوماسية مع الدولة ‏الأخرى عندها تنتهي علاقة الفرد مع تلك الدولة المدعى عليها، وتصبح العلاقة بين الدولتين فقط، ‏وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية عام 1955 في قضية نوتنبوم بين غواتيمالا وليختنشتين.‏

‏وتبقى مسألة حدود الحماية الدبلوماسية للرعايا في الخارج، ومدى القدرة على التدخل لمصلحتهم ‏في ظل احترام مبدأ سيادة الدول وخصوصية أنظمتها القانونية، وخاصة فيما يتعلق بمركز الأجانب ‏لديها، حيث استقر العرف والتطبيق الدولي على لجوء الدول إلى الوسائل الدبلوماسية لحماية حقوق ‏مواطنيها لدى الدول الأخرى، وأهمها المساعي الحميدة والودية والمفاوضات والوساطة، إضافة إلى ‏اللجوء لوسائل التسوية القضائية كالتحكيم المحلي أو الدولي أو إقامة الدعوى أمام محكمة العدل ‏الدولية.‏

وتقوم الدول بممارسة الحماية الدبلوماسية تجاه مواطنيها – سواء كانوا طبيعيين أو اعتباريين - ‏ومصالحها في الخارج من خلال البعثات الدبلوماسية والقنصلية باعتبارها تنوب عن مواطنيها ‏وتمثلهم في الخارج، وقد استقر العرف الدولي على ضرورة توفر مجموعة من الشروط لتفعيل الحماية ‏الدبلوماسية وأهمها:‏

‏-‏ تمتع المتضرر بصورة فعلية بجنسية الدولة التي تريد ممارسة الحماية الدبلوماسية.

‏-‏ أن يكون المتضرر قد استنفد جميع طرق التقاضي داخل الدولة المستضيفة.

‏-‏ توفر شرط الأيادي النظيفة، والمتمثل في عدم ارتكاب المتضرر أي انتهاك أو مخالفة للقوانين.

بلا شك ان نجاح تفعيل الحماية الدبلوماسية للدول يرتبط بتوفر علاقات سياسية جيدة وتفاعل فعال ‏بين البعثات القنصلية والدبلوماسية وبين الجهات الحكومية السيادية في الدولة المستضيفة وخاصة ‏وزارة الخارجية ووزارة الداخلية، لضمان نجاح المساعي والإجراءات الرامية لتقديم الحماية للأفراد ‏والمصالح، وتسريع حل القضايا العالقة، سواء أمام الجهات القضائية أو الإدارية في الدولة ‏المستضيفة، وتلجأ الكثير من الدول حالياً إلى عقد اتفاقيات للتعاون القضائي الثنائي، والتي تتيح المزيد ‏من وسائل التدخل والمعونة القضائية، بما يحقق إيجاد حلول تتسم بالفعالية والإجراءات ‏الاستعجالية، ويبقى مستوى تلك العلاقات الثنائية في إطار إيجابي من التعاون والصداقة.‏

* مستشار قانوني وأستاذ جامعي لندن

back to top